قال ذلك وأمسك بيد أوباس ومشى به وهو يقول: «هلم بنا إلى الفسطاط ريثما يفرغ القواد من تقسيم الغنائم.»
فمشى أوباس ويوليان وألفونس وبدر، ومعهم سليمان ويعقوب، حتى دخلوا الخيمة، وكانت كبيرة، فجلس طارق في صدرها، وجلس أوباس إلى يمينه ويوليان وألفونس إلى يساره، وجلس بدر في جانب من جوانب الخيمة، وهو لا يزال يرتدي الثوب الذي حارب به وعليه السيف والدرع. ولم يكد يوليان يستقر في مكانه، حتى ذهب تهيبه من أوباس، فعاد إلى السؤال عن فلورندا قائلا: «سمعتك يا مولاي تقول إن فلورندا ذهبت أسيرة، فهل تعني ذلك حقيقة؟»
قال: «ومتى كان أوباس يتكلم جزافا؟»
فزاد اهتمام يوليان واستغرابه، وأراد الإيضاح، فسبقه ألفونس قائلا: «وكيف ذلك؟ ومن أسرها؟»
فقال أوباس: «لا أعرف اسم الرجل ولكنني رأيتها وأنا مسجون في الخيمة. رأيتها من شق في تلك الخيمة وهي محلولة الشعر تستنجد طيور السماء ودواب الأرض لتنقذها من رودريك وكان قد بعث يستقدمها إليه، فجاءها فارس عربي لكنه غير بربري، عليه عمامة بيضاء فأنقذها وتعقب رودريك لا أدري إلى أين، ولكنه أمر رجاله أن يحملوها فحملوها إلى هذا المعسكر، ولا ريب في أنها أسيرة، وهي ملك للذي أسرها.»
فقال يوليان: «هل تعرف ذلك الرجل إذا رأيته؟ يظهر أنه أخذها إليه وأخفاها عن الأمير طارق لأني لم أرها بين الأسرى.»
فقال أوباس: «أظنني أعرفه. إنه يمتاز عن كل هذا الجند ببياض لونه وشقرة شعره.»
فلما سمع يوليان ذلك اتجه فكره إلى بدر، فالتفت إليه وكان جالسا على بعد عدة خطوات من يوليان يسمع كلامه ولا يفهمه لأنه لا يعرف القوطية. على أنه لو فهم أن أسيرته ابنة يوليان لم يبال؛ لأنه ظل حاقدا عليه منذ أن حرمه بنت الشيخ صاحب الكرم ليلة نزولهم سهل شريش. وكان يوليان خشن المعاشرة بسبب ما تسلط عليه من السويداء منذ بضعة عشر عاما لمصيبة ألمت به، فأذهبت صبره على مرارة الحياة، وأصبح ضيق الخلق سريع الانفعال، فكان رفقاؤه لا يسرون بمعاشرته، ولا سيما بدر؛ لما بينهما من الفارق في السن. فلما نظر يوليان إليه كان هو يتشاغل ببند سيفه يلاعبه بين أنامله وفكره في فلورندا؛ لأنه كان قد افتتن بجمالها. فلما رآه يوليان منشغلا عنه، التفت إلى طارق وأفهمه خلاصة حديثه مع أوباس وأنه يظن بدرا هو الذي أسرها، وطلب إليه أن يطلبها منه، فالتفت طارق إلى بدر وناداه: «بدر.»
وكان بدر قد سمع كلام يوليان لطارق وفهم قصده، فلما سمع طارق يناديه أجابه وهو لا يزال جالسا: «نعم.»
وكان طارق شديد التعلق ببدر، يحبه ويدلله، ويعامله معاملة الأب لابنه أو الأخ الأكبر لأخيه الأصغر. فلما رأى أنه أجابه بغير اكتراث ابتسم له وقال: «أراك لا تزال جالسا، أظنك لم تسمع ندائي؟»
ناپیژندل شوی مخ