116

فتح اندلس

فتح الأندلس

ژانرونه

فقال أوباس: «أنت من أهل العلم والحكمة وتحسب حبسي في هذه الغرفة بلاء، أليس الناس جميعا محبوسين على هذه الأرض، وآجالهم قصيرة، وقواهم محدودة، وأعمالهم لا ترضي ضمائرهم؟ وهل من فرج إلا في العالم الباقي لمن أحسن عملا وكان من الصالحين؟ وأما أهل الظلم منهم فإنهم يشقون في الدنيا والآخرة، فلا حاجة للإشفاق على سجين بريء نقي السريرة، فإن سجنه وإن طال قصير، ولكن ابك أناسا منحهم الله السلطة على إخوانهم من بني الإنسان ليحكموا بينهم بالعدل ويكونوا عونا لهم على دنياهم، فظلموهم وأساءوا إليهم وأهرقوا دماء الألوف منهم في سبيل لقمة يأكلونها أو جيفة ينغمسون فيها، ولكنهم إنما يظلمون أنفسهم ولا يعلمون.» قال ذلك بصوت هادئ لا يتخلله اضطراب ولا حدة ولا شيء من عواقب الانفعال النفسي.

فلا تسل عن إعجاب سرجيوس بما سمعه من الحكمة والموعظة، على أنه أراد أن يؤدي المهمة التي جاء من أجلها فقال: «لقد صدق مولاي. ولكن الله كثيرا ما يعاقب الظالمين ويثيب المحسنين، وهم في هذه الدنيا عبرة لسواهم. وقد أتيتك الآن بأخبار جديدة لا ريب أنك مشتاق للاطلاع عليها؛ ألا تريد الاطلاع على ما كان من أمر فلورندا بعد فرارها من بين يدي رودريك؟»

فلما سمع اسمها تحركت فيه عاطفة الحنان وبدأ الاهتمام في وجهه ونسي ما كان من فلسفته واستخفافه بحوادث الطبيعة. والإنسان مهما يكن من تعقله وزهده لا يلبث إذا تحركت فيه عاطفة الحب أن يهتم بالحياة وأهلها. ولولا الحب لانحلت عرى المجتمع البشري كما ينحل نظام الكون وتتبعثر الأجرام السماوية إذا فقدت الجاذبية العامة. وأوباس أحب فلورندا من أجل ألفونس وزاد حبه لها وعطفه عليها بعد ما أصابها من الضنك وكان إنقاذها على يده، والمرء يزداد تعلقا بالصغير كلما زاد ضعفه. فلما سمع أوباس اسم فلورندا هبت عواطفه من رقادها وإن لم يبد ذلك على محياه إلا قليلا وقال: «وهل تعلم شيئا عنها؟ وأين هي الآن؟»

قال سرجيوس: «هي في دير الجبل.»

فقال أوباس: «وكيف وصلت إلى هناك؟»

فقص عليه ما علمه من خبرها منذ خروجها من قصر رودريك في طليطلة حتى جاءت إلى الدير، إلى أن قال: «وهي مقيمة عندنا في أمان وسكينة، ولكنها في قلق شديد عليك وعلى ألفونس لأنها لا تعرف مقره، وهي - لو عرفته - لا تستطيع الذهاب إليه لما أقامه رودريك من العيون والأرصاد في سبيلها.»

فاطمأن بال أوباس على فلورندا، ولكن ساءه تضييق رودريك عليها فقال: «ألا يزال هذا الرجل يتعقب هذه الفتاة ويضيق عليها؟»

فابتسم سرجيوس وقال: «ولكنه لا يلبث أن يقع هو في الضيق ويفرج عن الناس ولا سيما حضرة الميتروبوليت.» ورأى أوباس في عيني سرجيوس ما يدل على أمور مهمة يريد التصريح بها فأبدى الاهتمام وقال: «وكيف ذلك؟»

المروءة ومعرفة الواجب

فمد سرجيوس يده إلى جيبه وأخرج كتاب يوليان وهو لا يزال في أنبوبته وقال: «ولما خرجت فلورندا من طليطلة كما قدمت لسيادتكم كتبت إلى أبيها كتابا تشكو فيه ما حل بها من الشقاء في قصر رودريك وما أراده منها، وبعثت بالكتاب مع أجيلا فجاءها جواب حاسم لما نحن فيه، وهذا هو.» ودفع الأنبوبة إليه، فتناولها أوباس وسحب منها الكتاب ملفوفا، وفضه وقرأه وأعاد قراءته، وسرجيوس ينظر إلى ما يبدو من آثار ذلك على وجهه فلم ير تغييرا يذكر، فلم يستغرب ذلك لأنه علامة من علامات رباطة الجأش وسعة الصدر. ولكنه توقع أن يسمع ما يدله على ذلك الأثر فإذا هو يقول: «هل زادكم أجيلا إيضاحا؟»

ناپیژندل شوی مخ