115

فتح اندلس

فتح الأندلس

ژانرونه

فابتسم مرتين وهز رأسه وهو يقول: «وكيف يطلب ذلك وهو محجور عليه في غرفة لا يرى فيها أحدا؛ لأن رودريك منع الناس من الدخول إليه.»

فقال سرجيوس: «وهل من سبيل إلى رؤيته بغير إذن الملك؟»

فقال مرتين وهو يبتسم: «إن ذلك هين علي. فهل ترى أن نحرض أخانا المذكور على طلب الرجوع إلى المحاكمة؟» لم يقل ذلك رغبة في نصرة أوباس ولكنه توهم أن رودريك يضطر لاسترضائه كجاري عادته كلما أغضبه؛ ولذلك فإنه لما خرج من حضرته بالأمس كان يتوقع ألا تغيب الشمس قبل أن يبعث إليه ليسترضيه، فلما أصبح الصباح ولم يأته من قبله أحد اشتد حنقه، فلما خاطبه سرجيوس بشأن أوباس أراد أن يستنهضه لاستئناف المحاكمة، لاعتقاده أن رودريك يخاف ذلك الطلب ولا سيما بعد ما ظهر من غضب يوليان وكوميس، وعندئذ لا يرى له مندوحة عن استرضاء مرتين لتدارك الأمر. وليس في ذلك من مصلحة لأوباس لأنهم لو رضوا بإعادة المحاكمة لاقتضى أن يجمعوا الأساقفة من أقطار المملكة كلها، ولا يتأتى اجتماعهم إلا بعد أسابيع.

أما سرجيوس فاستبشر بما سمعه وقال: «إذا أدخلتني إليه نبهت ذهنه إلى ذلك.»

فنهض مرتين للحال وأتى بدواة وقلم وكتب رقعة إلى الضابط الموكل بحراسة أوباس أن يأذن للرئيس سرجيوس بمقابلته، فأخذ سرجيوس الرقعة وهو لا يصدق أنه فاز بها وسار مسرعا إلى أوباس.

أما أوباس فكان لا يزال في سجنه وقد قطعوا كل علاقة بينه وبين سائر العالم، وقد تلقى ذلك بصدر رحب، فهو يغالب المصائب بالصبر، ولم يكن يشعر بوحشة الانفراد لما في ذهنه من المسائل التي لا يستطاع التأمل فيها إلا بالاعتزال عن الناس. ولم يكن يعد نفسه مسجونا لاعتقاده ببراءة ساحته، ولكنه كان يأسف لضعف الطبيعة البشرية؛ لأنها علة متاعب بني الإنسان، وبخاصة إذا كانت في الرؤساء وأولي الأمر؛ لأن غلطة أحدهم تجر الويل إلى المئات والألوف من الأبرياء. وكان إذا فكر فيما سجن من أجله أشفق على رودريك وأمثاله لما هم فيه من الغرور وما يرتكبونه من الجرائم والمعاصي التماسا للذة وقتية أو سعيا في وهم زائل. فكانت هذه التأملات وأمثالها من غرائب ما يجري في الطبيعة تستغرق منه الساعات والأيام، وهو سابح في عالم الفلسفة، يحسب نفسه في نعيم وسائر الناس في شقاء، لولا ما كان يعترض تأملاته من أمر فلورندا وألفونس. على أنه وكل أمرهما إلى الله؛ إذ لا حيلة له في مساعدتهما أو في معرفة السبيل إليهما.

فلما كان اليوم الذي جاءه فيه سرجيوس، دخل عليه حارسه وقال له: «إن رئيس دير الجبل يريد مقابلتك.» فلما سمع اسم ذلك الرجل عرفه وخفق قلبه خفقان المفاجأة لطول عهده بالاعتزال، وأذن له وهو يستغرب مجيئه وحصوله على الإذن في الدخول عليه.

وكان سرجيوس يتوقع أن يرى تغييرا في ملامح أوباس بعد ما سمعه من طول حبسه. فلما دخل عليه رآه مقبلا لاستقباله بثوبه الكهنوتي؛ لأنه لم يبدله منذ أقام هناك، إلا قلنسوته فلم يكن يلبسها. فمشى إلى سرجيوس وشعره مرسل على ظهره وكتفيه، وقد زادته إقامته في تلك الخلوة هيبة وجلالا.

فلما تلاقت الأبصار أسرع سرجيوس وأكب على يد أوباس كأنه يريد تقبيلها فمنعه من ذلك، وعانقه وضمه إليه ثم تصافحا وسرجيوس لا يستطيع إمساك دموعه، وأوباس ينظر إليه ويده على كتفيه لطول قامته بالنسبة إليه. ثم دعاه للجلوس، فجلسا على مقعد متحاذيين وسرجيوس يتأهب للكلام فسبقه أوباس قائلا: «أهلا بصديقي وأخي سرجيوس، من أين أتيت الآن ولماذا؟»

قال: «أتيت من دير الجبل ولا غرض لي إلا رؤية الميتروبوليت أوباس فأحمد الله على سلامته. ولا بأس عليه مما قاساه من البلاء، فإن الله يجرب عباده الصالحين.»

ناپیژندل شوی مخ