113

فتح اندلس

فتح الأندلس

ژانرونه

فضج الحضور ومالوا إلى الاطلاع على جلية الخبر، فلم يكن من الأب مرتين إلا أنه وقف بهيئته المعهودة، وتولى الجواب عن الملك ووجه خطابه إلى كوميس قائلا، وهو يتكلف التأني ويظهر الاستخفاف: «أظنك تعني ما جاء من أمر أولئك العرب الذين نزلوا سواحل بوتيكة، فهؤلاء إنما نزلوا للغزو والنهب ولا يلبثون أن يرجعوا إلى بلادهم، ولو كان هذا الخبر مهما لعرضه جلالته على مجلس الأساقفة أولا.»

وكان كوميس يحتقر الأب مرتين ولا يعبأ بأقواله، فوجه جوابه إلى الملك قائلا: «أما الاستخفاف بأولئك العرب فمن الخطأ الفادح، وخصوصا إذا عرف جلالته أنهم قادمون ورائدهم الكونت يوليان صاحب سبتة (قال ذلك بنغمة خاصة). وأما إطلاع المجمع المقدس على أمثال هذه الأخبار قبلنا فللملك الرأي فيه، ولكنني أظن أن قائد الجند أولى بالاطلاع على ذلك من سواه، وعليه هو حماية المملكة. وأما السادة الأساقفة فما عليهم إلا الصوم والصلاة.» وكان يتكلم والتهكم ظاهر في كل عبارة، ولم يشأ أحد من الحضور التدخل في هذا الحديث لدقته، وفيهم من أدرك إشارة كوميس إلى يوليان صاحب سبتة وما وراء ذلك التعريض والتلميح، ولكنهم ظلوا صامتين.

أما الملك فاشتد غضبه وأحس بما رماه كوميس من السهام الحادة، وأدرك خطورة مركزه، كما أدرك أنه في حاجة إلى قائد الجند أكثر من حاجته إلى سائر رجال الدولة، ولكن عظم عليه الإغضاء بعد مبادأته بالجفاء، فقال له: «لم يكن من حقك يا حضرة الكونت أن تخاطبني بمثل هذا الكلام، بل كان الأجدر بك أن تتفاهم معي بأسلوب آخر.»

فقال القائد: «إن الملك لم يترك لنا سبيلا للتفاهم معه، وقد جعل هذا القس لسان حاله والمتكلم عنه، والكل يعلمون أن هذا وأمثاله لا يصلحون لغير العبادة، وقد جعلهم الملك شركاءه في مهام المملكة. ولو أخلصوا له النصيحة لما بلغت بنا الحال إلى هذا الحد.»

ولا يخفى أن مثل هذا التصريح في ذلك العصر، وبخاصة في طليطلة، كان يعد ضربا من الكفر لما علمناه من سطوة الأكليروس هناك، ولولا تغلب الحدة على ذلك القائد ما صرح بما صرح به، ففتح بهذه الجسارة بابا يؤاخذه منه رودريك ويتغلب عليه بحجته؛ فحول وجهة الكلام إلى الدفاع عن الأساقفة، وقد أراد بذلك أن يخفي خطأه، فقال: «ألم تكتف بالجسارة على مقام الملك حتى تجاسرت على مقام الأساقفة؟ إن ذلك خارج عن حدود منصبك.»

وكان الأب مرتين يرتعد من شدة الغضب، فلما رأى الملك لا يزال على ثباته تدخل وخاطب كوميس قائلا: «ولا أظنك تجهل يا حضرة الكونت أن كلمة من جلالة الملك أو من أحد الأساقفة تكفي لتجريدك من هذا المنصب.»

ولم يكن كوميس يتوقع هذا الاستخفاف من الملك نفسه، فكيف به من ذلك القس؟ فوقف ويده على قبضة سيفه وقال: «لقد خسرتم بهذا الكلام سيف كوميس وأنتم في أشد الحاجة إليه.» وخرج وقد أخذ منه الغضب مأخذا عظيما.

أما رودريك فقد كان يجادل هذا القائد مدافعة، ولم يكن يريد أن يغضبه في هذا المقام؛ ولذلك فإن عبارة مرتين ساءت الملك أكثر مما أساءت إلى كوميس. ولم يجسر أحد من الحضور على التوسط في الأمر لئلا يشتد الخصام وقد وقع ما كانوا يخشونه ثم وقف الملك فعلموا أنه يريد فض الجلسة فخرجوا إلا مرتين. فلما انفردا التفت الملك إليه وقال: «أهكذا أغضبت قائدنا وصاحب جندنا ونحن في أشد الحاجة إليه؟»

قال: «أتلومني أيها الملك لأنني نهرته بعد أن أهانك وأهان السادة الأساقفة جميعا؟ إن الصبر على ذلك ذل لا يطاق.»

فقال الملك: «أنت تعلم أن كوميس أعظم قوادنا، ولم نكن في وقت من الأوقات أشد حاجة إليه مما نحن الآن، والعدو ببابنا وولاتنا يدلونه على نواحي الضعف عندنا، سامحك الله على هذا الخطأ. ألا يكفي ارتكابنا الخطأ الأول بإخفاء تلك الأخبار عنه وعن سائر رجال الدولة حتى نرتكب خطأ آخر شرا منه؟»

ناپیژندل شوی مخ