قرأت كتابك أيتها العزيزة فانهمرت الدموع من عيني؛ لما هاجه في نفسي من المصائب الكامنة، وقد ساءني ما اقترفه ذلك الوحش الكاسر من الإساءة إلى الدين وإلى الفضيلة وإلى يوليان. أما الأولان فالله كفيل بالقصاص عنهما، وأما ما أراده من مس عرضي فأنا أتولى الانتقام له بنفسي. وأبشري، إنني سأنقض عليه وعلى بلاده بجند من العرب، لا شك أن الله ناصرهم على ذلك الخائن لما نعلمه من غضب الإسبان والقوط عليه. وإن العمل الذي أشرت إليه في كتابك يكفي وحده لغضب السموات والأرض على ذلك الدخيل في القوطية. ولا أطيل الشرح لأن ناقل هذا الكتاب سيوضح ما يشكل عليك، وإنما كتبت هذه الأسطر تثبيتا لأقواله ولكي أبشرك بالفرج القريب. وسوف ترين رودريك الخائن قتيلا أو أسيرا مكبلا، فامكثي حيث تأمنين حتى آتي إليك، وإذا احتجت أن تتصلي بي، فأنا مع كبير جند العرب حيثما يكون. والسلام.
كتب في سبتة
فلما فرغت من قراءة الرسالة، نهضت تريد الرئيس، وكان قد ذهب إلى غرفته، فسارت وحدها وهي لا تفقه شيئا مما يمر بها لفرط تأثرها من ذلك الخبر الفجائي، وقلبها يرقص طربا لما حواه ذلك الكتاب من بشائر الانتقام، والانتقام من أقوى ملذات الإنسان.
فلما أقبلت على الرئيس أنكر ما يبدو على محياها من آثار البغتة مع شيء من الخفة فوقف لها فدخلت فحيته، وقالت: «جئتك بأمر ذي بال وفيه القضاء المبرم على رودريك.»
فانذهل لتلك المباغتة وقال: «وما ذلك؟»
قالت: «إن الشاب الذي وصل في هذا الصباح وكاد يموت من البرد إنما هو رسول كنت قد بعثت به إلى والدي في سبتة، وبعثت معه كتابا مختصرا شكوت فيه ما أصابني من رودريك، فعاد الرسول اليوم بهذا الكتاب.» ومدت يدها وقدمت الكتاب إلى الرئيس.
فتناوله سرجيوس وقرأه وهو لا يصدق أنه في يقظة، وأعاد قراءته ثانية وثالثة وفلورندا صامتة تتوق لمعرفة ما يبدو منه. فلما انتهى من تلاوته رفع بصره إليها وقال: «إن والدك سيعمل عملا يغير به وجه هذه الجزيرة، سيعمل عملا يقضي به على هذه الدولة، وسيعلم رودريك عاقبة ما كان من خرقه حرمة الدين. نعوذ بالله من غضب الله.» وصمت برهة ثم قال: «وهل نقل الرسول إليك شيئا من التفاصيل؟»
قالت: «أخبرني بعض الشيء ولم أستطع صبرا على نقل هذا الخبر إليك، فإذا أذنت بعثنا إلى أجيلا ليقص علينا ما شاهده بعينيه ...»
قال: «أحب سماع ذلك.» ثم صفق فجاء خادمه فقال: «إلي بالرجل الذي جاءنا في هذا الصباح، وهو في دار الضيافة.»
فمضى الرجل وعاد بأجيلا، فانحنى أجيلا أمام الرئيس وقبل يده ثم جلس متأدبا، فجعل الرئيس يسأله عما شاهده بعينيه، فقص عليه ما شاهده من شجاعة العرب واتحاد كلمتهم، وصبرهم في الحرب، ومواظبتهم على الصلاة، وطاعتهم لرؤسائهم، إلى أن قال: «وزد على ذلك أن مولاي الكونت يوليان عون لهم في إرشادهم إلى المسالك، فضلا عما سيلقونه من مساعدة اليهود المتسترين في أثواب النصرانية، وهؤلاء لا يدخرون وسعا في نصرة أي داخل كان؛ لأنهم يكرهون هذا الملك ويكرهون حكومته، لما يقاسونه فيها من الاحتقار والذل.»
ناپیژندل شوی مخ