الخبر اليقين
قضوا ساعة في علاج أجيلا بالدفء وشرب المنبهات حتى صحا وعاد إلى رشده، فاستأذنت فلورندا في نقله معها إلى دار الضيافة فأذن لها، فنزلت به ومعهما شانتيلا والخالة. فلما استقروا في الغرفة سألته عن سبب غيابه، فأخبرها أنه قاسى في أثناء عودته عذابا أليما من مقاومة الطبيعة وعيون رودريك، حتى اضطر أن ينام في النهار ويسافر في الليل خوفا من أن يقع كتاب يوليان في أيديهم، وهذا هو السبب في وصوله على هذه الحالة من البرد الشديد حتى كاد يموت.
ثم سألته عن والدها فأخذ يقص عليها ما كان من وصوله إليه، وما أصابه من الغيظ واليأس حينما قرأ كتابها، إلى أن قال: «وقد صمم على الانتقام من رودريك انتقاما لم يسبق له مثيل في تاريخ الإسبان.»
فأبرقت أسرة فلورندا اعتزازا بوالدها، وأحست ببرء قلبها بعد أن تصورت أنها مهملة لا يسأل عنها أحد، لكنها أحبت الاطلاع على طريقة ذلك الانتقام، فقالت: «وكيف ذلك؟»
قال: «لقد عول على إخراج هذه المملكة من يد رودريك.»
قالت: «يا حبذا السبيل إلى ذلك، ولكن ...»
قال: «وهل تحسبين سيدي الكونت يوليان يقدم على هذا الأمر إلا وهو واثق من نفسه؟» ثم أخبرها عن اتفاقه مع جند العرب على المسير معهم إلى إسبانيا ليكون عونا لهم على فتحها كلها.
فلما سمعت فلورندا قوله أكبرته، وظنت أجيلا يقول ذلك ليطمئنها فقالت: «هل تقول الصدق؟»
فمد يده إلى جيبه وأخرج أنبوبا مختوما سلمه إليها، ففضته فرأت فيه لفافة من القباطي (نسيج مصري قديم) ففتحتها فإذا هي كتاب من والدها إليها، رأت فيه خط يده فخفق قلبها وتذكرت حنانه فدمعت عيناها، ولم تستطع قراءة ذلك الكتاب إلا بعد أن سكن جأشها ومسحت دموعها، ثم تناولت الكتاب وقرأته فإذا فيه:
من الكونت يوليان إلى ابنته الحبيبة فلورندا
ناپیژندل شوی مخ