فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب في الاستخارات تأليف السيد الجليل أبي القاسم علي بن موسى ابن طاووس الحسني الحلبي " 589 - 664 ه " تحقيق حامد الخفاف
مخ ۱۰۷
بسم الله الرحمن الرحيم رب سهل (1) يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس: أحمد الله جل جلاله الذي عطف على أوليائه وخاصته، ولطف لهم بما أراهم من أسرار ملكوته ومملكته، وكشف الحجب بينهم وبين عظمة ربوبيته، فأشرقت على سرائر قلوبهم شموس إقباله، وتحققت بصائرهم بما شاء من مقدس جلاله، فعصمهم بتلك الهيبة (2) أن يقع في حضرته الاشتغال عنه منهم، واشتغلوا بمراقبته جل جلاله عنهم، واقتدى بهم قوم من أهل الأحلام (3) والافهام في شرف ذلك المقام، فلم تبق لهم إرادة تعارض مولاهم، وهو يراهم في إرادته، ولا كراهية تخالف مقدس كراهته، وصارت كل الإرادات (4) غير إرادته عندهم مدحوضة، وجميع الاختيارات غير اختياراته مرفوضة، وسائر المشورات غير مشوراته منقوضة (5)، وجميع الإشارات غير
مخ ۱۰۹
إشاراته مبغوضة (1)، فهم في سفر اليقين إليه سائرون، وعلى بساط الانس والقدس بين يديه متعاشرون، ولما أراد منهم النظر إليه من أنوار جوده (2)، وثمار وعوده ناظرون، وصارت إرادتهم وكراهاتهم وحركاتهم وسكناتهم صادرة عن تدبير مولاهم الذي هم بين يديه حاضرون وإليه صائرون، فاستراحوا وسلموا من مواقف الحساب، وقال لسان حالهم لمالك آمالهم في يوم المآب: التدبير في الدنيا لنا كان بك ومنك، فصدقهم سبحانه في مقالهم ولسان حالهم بغير ارتياب، وقال ببيان المقال أو لسان الحال: لقد كنتم في الدنيا متدبرين بمشورتي في جميع الأسباب، فسيروا على مراكب السعد والاقبال، إلى ما أعددت لخاصتي من تمام دوام الثواب، وبقي الذين قدموا رأيهم على رأيه، وتدبيرهم على تدبيره، أيام كانوا في دار الفناء والذهاب موقوفين في ذل العتاب أو العقاب.
وأشهد أن لا إله إلا هو (3) شهادة صدر الاعتقاد في الانقياد (4)، والاعتراف بها من مقدس باب جوده (5)، وصانها بدروع الملاطفة وحصون المكاشفة عن حيرة التائهين في الشك (7) في وجوده، وعن الاقدام على هول جحوده، وأشهد أن جدي محمدا (صلى الله عليه وآله) أعظم واع لمراده ومقصوده، وأكمل داع إلى الوقوف عند حدوده الذي أغناه عند المخصوصين
مخ ۱۱۰
بلطفه جل جلاله وعناياته عن النظر في براهينه صلوات الله عليه الباهرة وآياته، بما أفرده (عليه السلام) عن العالمين من كمال ذاته وجلال صفاته، فهو (صلوات الله عليه وآله) أحق بقول الشاعر لانفراده بكماله:
لقد بهرت (١) فما تخفى على أحد * إلا على أكمه لا يعرف القمر (٢) ثم زاده غنى بعد وفاته عن النظر في دلائل (٣) التحدي وكثير من معجزاته بما اشتهر وبهر من تصديقه جل جلاله في الاخبار التي أخبر (عليه السلام) عنها في مغيباته، وبما عجل لداع من أمته في (٤) سرعة إجاباته، وبما فرج بالتوسل به (صلوات الله عليه) إلى الله جل جلاله، عن مكروب هائل كرباته، وبما أظهر على قبره الشريف وقبور عترته من بيناته، وبما كفى وشفى بتراب (٥) قبورهم، عم عجز الأطباء عنه، ويئسوا من حياته، ذلك الحد الذي أودعه ما يحتاج إليه (٦) (عليه السلام) وأمته من أسرار الأولين والآخرين، وجمع لهم مواريث الأنبياء والمرسلين، وجعل طاعة رسوله (عليه السلام) طاعته سبحانه إلى يوم الدين، حتى قال جل جلاله: ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ (7) وهذه شهادة صريحة منه جل جلاله أن رسوله
مخ ۱۱۱
ما ينطق بل ما يعمل عملا من الهوى، إن هو إلا وحي يوحى من رب العالمين.
وأشهد أن تلك الودائع والاسرار ومواريث الأنبياء والرسل والأطهار يحتاج رسوله محمد (صلى الله عليه وآله) في حفظها ونقلها مع بقاء شريعته إلى من يكون مقطوعا سرا وجهرا على عصمته، ليؤمن على مستودعها من التعمد (1) لتضييع أمانته، ومن السهو والنسيان اللذين لا يدخلان تحت طاقته (2)، كيلا تنقطع فوائد رسالته، وتضيع ذخائر نبوته.
وبعد: فإنني وجدت العبد المؤدب والمملوك المهذب، يجتهد أن لا يقع منه شئ إلا بإذن مولاه ومالك نعمته، ليسلم بذلك من معاقبته أو معاتبته، وليكون ضمان درك أعمال العبد على مولاه الذي تابعه في إشارته، وكان معه في إرادته، ووجدت العمل بالمشاورة لله جل جلاله بالاستخارة قد دلني العقل والنقل عليها، كما سيأتي في أبواب هذا الكتاب من المعنى والعبارة، وأنها طريق إلى ضمان درك حركاتي وسكناتي بها على من وفقني لها، وعرفت أن الله جل جلاله العالم بالعواقب يدلني بالمشاورة له على عواقب المطالب، ويكشف لي عن مصالحي فيما أشاوره فيه من كل أمر، حاضر وغائب، ويؤمنني بذلك من الغلط في المسالك والمذاهب، فلو وجدت ذلك عند ملك مقرب روحاني، أو نبي أو وصي، أو تابع لهما بشري، أو منجم دنيوي، لعذرني على المشاورة له عقلاء المسلمين، بل ما كان يعذرني على ترك مشاورته أحد من الفاضلين، ولا أعلم كيف قال قوم واعتقدوا أن مشاورة الله جل جلاله - وهو أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، المحسن إلى
مخ ۱۱۲
المسيئين، الذي لا يتهم في مشورته وإشارته على اليقين (1)، العالم بعواقب ما يشير به من أمور الدنيا والدين - تكون دون مشاورة ملك روحاني، أو نبي، أو وصي، أو غيرهما من العالمين، إن هذا بعيد من مذاهب العارفين.
وقد رأيت عندي يوم الثلاثاء رابع عشرين من شهر رجب، سنة اثنتين وأربعين وستمائة باعثا قويا، عرفت أنه من جانب العناية الإلهية علي أن أصنف - في المشاورة لله جل جلاله - كتابا ما أعلم أن أحدا سبقني إلى مثله، يعرف قدر هذا الكتاب من نظره بعين إنصافه وفضله، واتفق أن هذا يوم رابع عشرين، يوم فتح الله جل جلاله أبواب النصرة في حرب البصرة على مولانا أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه)، ويوم إعزاز الدين، ويوم كشف الحق بين المختلفين، فوجدته أهلا أن يكشف الله جل جلاله فيه على يدي الحق في مشاورته جل جلاله، واستخارته بلطفه وعطفه ورحمته وعنايته، وقد سميته كتاب " فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين رب الأرباب "، ويصير حجة لله جل جلاله على من عرفه، أو بلغه من المكلفين في تقديم مشاورته جل جلاله على العالمين، وقاطعا لأعذار من تخلف عن مشاورته سبحانه فيما يشاور فيه جل جلاله من أمور الدنيا والدين.
وهذه أبواب الكتاب، نذكرها بابا بابا جملة قبل الشروع في التفصيل، ليعرف الناظر فيها ما يتضمنه كل باب منه، فيقصد إلى ما يريد من ذلك على التعجيل، ولعله يكون أربعة وعشرين بابا، حيث كان شروعي فيه - بالله جل جلاله - يوم رابع عشرين، وفيها بلاغ لقوم عابدين (2).
الباب الأول: في بعض ما هداني الله جل جلاله إليه من
مخ ۱۱۳
المعقول المقوي لما رويته في الاستخارة من المنقول.
الباب الثاني: في بعض ما عرفته من صريح القرآن، هاديا إلى مشاورة الله جل جلاله، وحجة على الانسان.
الباب الثالث: في بعض ما وجدته من طريق الاعتبار، كاشفا لقنوة العمل في الاستخارة بما ورد في (1) الاخبار.
الباب الرابع: في بعض ما رويته من تهديد الله جل جلاله لعبده على ترك استخارته، وتأكيد ذلك ببعض ما أرويه عن خاصته.
الباب الخامس: في بعض ما رويته عن حجة الله جل جلاله على بريته، في عدوله عن نفسه لما استشير مع عصمته (2) إلى الامر بالاستخارة، وهو حجة على من كلف الاقتداء بإمامته.
الباب السادس: في بعض ما رويته من عمل حجة الله جل جلاله المعصوم في خاص نفسه بالاستخارة، أو أمره بذلك، من طريق الخاصة والجمهور، وقسمه بالله جل جلاله أنه سبحانه يخير لمن استخاره مطلقا في سائر الأمور.
مخ ۱۱۴
الباب السابع: في بعض ما رويته من أن حجة الله جل جلاله، المعصوم عليه أفضل الصلوات لم يقتصر في الاستخارة على ما يسميه الناس مباحات، وأنه استخار في المندوبات والطاعات، والفتوى بذلك عن بعض أصحابنا الثقات.
الباب الثامن: فيما أقوله، وبعض ما أرويه، من فضل الاستخارة، ومشاورة الله جل جلاله بالست رقاع، وبعض ما أعرفه من فوائد امتثال (1) ذلك الامر المطاع، وروايات بدعوات عند الاستخارات.
الباب التاسع: فيما أذكره من ترجيح العمل في الاستخارة بالرقاع الست المذكورة، وبيان بعض فضل ذلك على غيره من الروايات المأثورة.
الباب العاشر: فيما رويته أو رأيته من مشاورة الله جل جلاله بصلاة ركعتين والاستخارة برقعتين.
الباب الحادي عشر: في بعض ما رويته من الاستخارة بمائة مرة ومرة.
الباب الثاني عشر : في بعض ما رويته في الاستخارة بمائة مرة، والإشارة في بعض الروايات إلى تعيين موضع الاستخارات، وإلى الاستخارة عقيب المفروضات.
مخ ۱۱۵
الباب الثالث عشر: في بعض ما رويته من الاستخارة بسبعين مرة.
الباب الرابع عشر: في بعض ما رويته مما يجري فيه الاستخارة بعشر مرات.
الباب الخامس عشر: في بعض ما رويته من الاستخارة بسبع مرات.
الباب السادس عشر: في بعض ما رويته في الاستخارة بثلاث مرات.
الباب السابع عشر: في بعض ما رويته في الاستخارة بمرة واحدة.
الباب الثامن عشر: فيما رأيته في الاستخارة بقول ما شئت من مرة.
الباب التاسع عشر: في بعض ما رأيته من مشاورة الله جل جلاله برقعتين في الطين والماء.
الباب العشرون: في بعض ما رويته أو رأيته من مشاورة الله جل جلاله بالمساهمة.
الباب الحادي والعشرون: في بعض ما رويته من مشاورة الله جل جلاله بالقرعة.
الباب الثاني والعشرون: في استخارة الانسان عمن يكلفه الاستخارة من الاخوان.
الباب الثالث والعشرون: فيما لعله يكون سببا لتوقف قوم عن العمل بالاستخارة، أو لانكارها، والجواب عن ذلك.
الباب الرابع والعشرون: فيما أذكره من أن الاعتبار في صواب العبد في الأعمال والأقوال على ما وهب الله جل جلاله
مخ ۱۱۶
من العقل في المعقول، وعلى ما نبه (1) (صلوات الله عليه وآله) في المنقول، دون من خالف في ذلك على كل حال.
مخ ۱۱۷
ذكر تفصيل ما أجملناه من الأبواب على ما يفتحه جل جلاله علينا من وجوه الصواب
مخ ۱۱۹
الباب الأول في بعض ما هداني الله جل جلاله إليه من المعقول المقوي لما رويته في الاستخارة من المنقول يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس أيده الله تعالى: إعلم أنني وجدت تدبير الله جل جلاله لمصالح عباده ما ليس هو على مرادهم، بل هو على مراده، وما ليس هو على الأسباب الظاهرة لهم في المكروه والمأمول، بل هو لما يعلمه الله (1) جل جلاله من مصالحهم التي لا يعلمونها، أو أكثرها، إلا من جانبه جل جلاله، ومن جانب الرسول (صلى الله عليه وآله)، ولو كان العقل كافيا في الاهتداء إلى تفضيل مصالحهم، لما (2) وجبت بعثة الأنبياء، حتى أن في تدبير الله جل جلاله في مصالح الأنام ما يكاد ينفر منه كثير من أهل الاسلام.
فلما رأيت تدبيري ما هو على مرادي، ولا على الأسباب الظاهرة في معرفتي واجتهادي، وعرفت أنني لا أعرف جميع مصلحتي بعقلي وفطنتي،
مخ ۱۲۱
فاحتجت لتحصيل (1) سعادتي في دنياي وآخرتي، إلى معرفة ذلك ممن يعلمه جل جلاله، وهو علام الغيوب، وتيقنت أن تدبيره لي خير من تدبيري لنفسي، وهذا واضح عند أهل العقول والقلوب، ورأيت مشاورته جل جلاله بالاستخارة باب من أبواب إشارات الشريفة، ومن جملة تدابيره لي بألطافه اللطيفة، فاعتمدت عليها، والتجأت إليها.
شعر:
لو أن لي بدلا لهم أبتدل بهم * فكيف ذاك ومالي عنهم بدل وكم تعرض لي الأقوام غيرهم * يستأذنون على قلبي فما وصلوا
مخ ۱۲۲
الباب الثاني في بعض ما عرفته من صريح القرآن هاديا إلى مشاورة الله جل جلاله، وحجة على الانسان يقول علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس أيده الله تعالى: إعلم أنني وجدت الله جل جلاله يقول عن الملائكة - الذين اختياراتهم وتدبيراتهم من أفضل الاختيارات والتدبيرات، لأنهم في مقام المكاشفة بالآيات والهدايات أنهم عارضوه جل جلاله لما قال لهم: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾ (١) فقال جل جلاله لهم ﴿إني اعلم مالا تعلمون﴾ (٢) فعرفهم بذلك أن علومهم وأفهامهم قاصرة عن أسراره في التدبير المستقيم، حتى اعترفوا في موضع آخر فقالوا: ﴿سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم﴾ (3).
فلما رأيت الملائكة عاجزين وقاصرين عن معرفة تدبيره، علمت أنني
مخ ۱۲۳
أعظم عجزا وقصورا، فالتجأت إليه جل جلاله في معرفة ما لا أعرفه إلا من مشاورته جل جلاله في قليل أمري وكثيره.
فصل:
ثم وجدت الأنبياء الذين هم أكمل بني آدم (عليهم السلام)، قد استدرك الله عليهم في تدبيراتهم عند مقامات، فجرى لادم (عليه السلام ) في تدبيره في أكل ثمرة الشجرة ما قد تضمنه صريح الآيات، وجرى لنوح (عليه السلام) في قوله: ﴿ان ابني من أهلي وان وعدك الحق﴾ (١) مما لا يخفى عمن عرفه من أهل الصدق، وجرى لداود (عليه السلام) في بعض المحاكمات ما قد تضمنه الكتاب، حتى قال الله جل جلاله ﴿وظن داود إنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب﴾ (2)، وجرى لموسى (عليه السلام) لما اختار سبعين رجلا من قومه للميقات، ما قد تضمنه صريح الآيات (3).
فلما رأيت الأنبياء - الذين هم أكمل العباد في الاصدار والايراد - قد احتاجوا إلى استدرك عليهم في بعض المراد، علمت أنني أشد حاجة وضرورة إلى معرفة إرشادي، فيما لا أعرفه من مرادي إلا بمشاورته سبحانه وإشارته، فالتجأت إلى تعريف ذلك بالاستخارة من أبواب رحمته.
فصل:
ثم وجدت صريح القرآن قد تضمن عموما عن بني آدم بواضح البيان،
مخ ۱۲۴
فقال: ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة﴾ (١) وقال جل جلاله: ﴿لله الامر من قبل ومن بعد﴾ (٢) وقال جل جلاله: ﴿ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون﴾ (3)، وهذا تصريح عظيم بالشهادة من الله جل جلاله بقصور بني آدم الذين تضمنهم محكم هذا القرآن، وعزلهم عن الخيرة، وأن له جل جلاله الامر من قبل ومن بعد، وأن الحق لو اتبع أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، وأن أهواءهم كانت تبلغ بهم (4) من الفساد إلى هذا الحد.
فلما علمت ذلك، وصدقت قائله جل جلاله على اليقين، هربت من اختياري لنفسي إلى اختياره لي، باتباع مشورته، ورأيته قد عزلني عن الامر (5)، فعدلت عن أمري لنفسي، وعولت على أمره جل جلاله، وشريف إشارته، وصدقته جل جلاله في أنه لو اتبع الحق هواي، فسد حالي ورأيي، فاعتمدت على مشورة الحق، وعدلت عن اتباع أهوائي، وهذا واضح عند من أنصف من نفسه، وعرف اشراق شمسه (6).
مخ ۱۲۵
الباب الثالث في بعض ما وجدته من طريق الاعتبار كاشفا لقوة العمل في الاستخارة بما ورد في الاخبار إعلم أنني وجدت الموصوفين بالعقل والكمال، يوكل أحدهم وكيلا، يكون عنده أمينا في ظاهر الحال، ولا يطلع على سريرته، فيسكن إلى وكيله في تدبيره ومشورته، ويشكره من عرف صلاح ذلك الوكيل، ويحمدونه على التفويض إلى وكيله فيما يعرفه من كثير وقليل، وما رأيت أن مسلما يجوز أن يعتقد أن الله جل جلاله - في التفويض إليه، والتوكل عليه بالاستخارات والمشورات، والعمل بأمره المقدس - دون وكيل غير معصوم في الحركات والسكنات.
فصل:
ووجدت الموصوفين بالعقل والفضل يصوبون تدبير من يشاور أعقل من في بلده، وأعقل من في محلته، وأعلم أهل دينه ونحلته، مع أن ذلك الذي يشاور في الأشياء لا يدعي أنه أرجح تدبيرا من الملائكة والأنبياء، بل ربما يكون المستشار قد غلط في كثير من تدبيراته، وندم على كثير من
مخ ۱۲۷
اختياراته، ومع هذا فيشكرون (1) هذا المستشير، ويستدلون بذلك (2) على عقله وسداده، ويقولون: هذا من أحسن التدبير، أفيجوز أن يكون في المعقول والمنقول مشاورة الله جل جلاله وتدبيره لعبده دون عاقل البلد، وعاقل المحلة، وعالم النحلة؟! كيف يجوز أن يعتقد هذا أحدا من أهل الملة؟
مخ ۱۲۸
الباب الرابع في بعض ما رويته من تهديد الله جل جلاله لعبده على ترك استخارته، وتأكيد ذلك ببعض ما أرويه عن خاصته فمن ذلك - في كتاب المقنعة، تصنيف المفيد محمد بن محمد بن النعمان الذي انتهت رئاسة الإمامية في وقته إليه، رضوان الله عليه (1) - ما أخبرني به والدي قدس الله روحه، ونور ضريحه، عن شيخه الفقيه حسين بن رطبة (2)، عن أبي علي الحسن الطوسي (3)، عن والده - جدي - أبي جعفر
مخ ۱۲۹
الطوسي، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان بجميع ما تضمنه كتاب المقنعة.
وأخبرني والدي أيضا قدس الله روحه، عن شيخه الفقيه الكمال علي بن محمد المدائني (1)، عن شيخه أبي الحسين سعيد بن هبة الله الراوندي، عن علي بن عبد الصمد النيسابوري (2)، عن أبي عبد الله جعفر الدوريستي (3)، عن المفيد محمد بن محمد بن النعمان، رضوان الله
مخ ۱۳۰