23

Fatawa of Dr. Husam Afaneh

فتاوى د حسام عفانة

ژانرونه

١ - قصة إبراهيم ﵇ عندما القي في النار يقول السائل: سمعت أحد المشايخ يذكر قصة إبراهيم ﵇ عندما ألقي في النار، وأن جبريل ﵇ جاءه فقال: يا إبراهيم، لك حاجة؟ فقال: أما إليك فلا، فقال جبريل: فاسأل ربك، فقال إبراهيم: علمه بحالي يغني عن سؤالي، فهل هذه الكلام صحيح، أفيدونا؟ الجواب: هذه القصة ذكرها بعض المفسرين ومنهم البغوي في معالم التنزيل والثعلبي في الكشف والبيان والسمرقندي في بحر العلوم والألوسي في روح المعاني وذكرها غيرهم من المفسرين كالبيضاوي والنسفي والنيسابوري ومن المعاصرين الدكتور راتب النابلسي، وهذه القصة باطلة، ولا تصح بل هي من القصص المكذوب الموضوع، كما أنها معارضة للعقيدة الإسلامية، ومعارضة لما هو مقرر في كتاب الله ﷿ وسنة النبي ﷺ من الدعاء واللجوء إلى الله في السراء والضراء، وكذلك مخالفة لمنهج الأنبياء جمعيًا في دعاء الله ﷾ كما سأذكر لاحقًا. أما بطلان هذه القصة من حيث الرواية فبينهُ العلامة الألباني فقال: [لا أصل له. أورده بعضهم من قول إبراهيم ﵊، وهو من الإسرائيليات ولا أصل له في المرفوع، وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيرًا لضعفه فقال: روي عن كعب الأحبار ... وبالجملة فهذا الكلام المعزو لإبراهيم ﵊ لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام فكيف يصدر ممن سمَّانا المسلمين؟ ! ثم وجدت الحديث قد أورده ابن عراق في " تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة ١/٢٥٠: وقال: قال ابن تيمية: موضوع] سلسلة الأحاديث الضعيفة ١/٢٨-٢٩. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [وما يروى أن الخليل لما ألقي في المنجنيق قال له جبريل: سل قال " حسبي من سؤالي علمه بحالي " ليس له إسناد معروف وهو باطل، بل الذي ثبت في الصحيح عن ابن عباس أنه قال: " حسبي الله ونعم الوكيل] مجموع الفتاوى ١/١٨٣. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في موضع آخر: [وأما قوله: حسبي من سؤالي علمه بحالي فكلام باطل، خلاف ما ذكره الله عن إبراهيم الخليل وغيره من الأنبياء، من دعائهم لله، ومسألتهم إياه، وهو خلاف ما أمر الله به عباده من سؤالهم له صلاح الدنيا والآخرة] مجموع الفتاوى ٨/٥٣٩. وأما بطلان ذلك درايةً فإن هذه الحكاية مخالفة لما هو مقرر في القرآن الكريم وفي السنة النبوية من مشروعية الدعاء، فالدعاء من العبادة وهو نوع من الأخذ بالأسباب وهو جزء من عقيدة المؤمن، وقد جاءت النصوص الكثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ مبينةً فضله وحاثةً عليه، فمن ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) سورة غافر الآية ٦٠. وقال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) سورة الأعراف الآيتان ٥٥-٥٦. وقال تعالى: ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾ سورة النمل٦٢وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) سورة البقرة الآية ١٨٦. وقال ﷻ في وصف عباده المؤمنين: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ سورة السجدة الآية ١٦. ودعاء الله ﷿ من منهج الأنبياء فقد قال تعالى على لسان إبراهيم ﵇ ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء﴾ سورة إبراهيم٣٩. وقال أيضًا: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء﴾ سورة إبراهيم٤٠. وقال على لسان موسى ﵇: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ سورة الأعراف١٥١. وقال أيضًا: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ سورة المائدة٢٥. وقال أيضًا: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ سورة القصص١٦. وقال على لسان زكريا ﵇: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ سورة مريم٤. وقال أيضًا: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء﴾ سورة آل عمران٣٨. وقال على لسان سليمان ﵇: ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ﴾ سورة ص٣٥. وغير ذلك من الآيات. وأما من السنة النبوية فقد ورد في الحديث عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ليس شيءٌ أكرمُ على الله تعالى من الدعاء) رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن الترمذي ٣/١٣٨. وعنه أيضًا أن النبي ﷺ قال: (من سرَّه أن يستجيب الله تعالى له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء) رواه الترمذي وقال العلامة الألباني حديث حسن، انظر صحيح سنن الترمذي ٣/١٤٠. وعن النعمان بن بشير ﵄ أن النبي ﷺ قال: (الدعاء هو العبادة) ثم قرأ ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ سورة غافر الآية ٦٠. رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح وصححه العلامة الألباني في المصدر السابق. وعن جابر ﵁ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ما من أحدٍ يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل أو كفَّ عنه من سوء مثله ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) رواه الترمذي وحسنه العلامة الألباني المصدر السابق ٣/١٤٠. وعن عبادة بن الصامت ﵁ ﷺ: (ما على الأرض من مسلم يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بمأثم أو بقطيعة رحم. فقال رجل من القوم إذًا نكثر؟ قال: الله أكثر) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وكذا قال العلامة الألباني في المصدر السابق ١/١٨١. وعن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (إن أبخل الناس من بخل بالسلام وأعجز الناس من عجز عن الدعاء) رواه ابن حبان وأبو يعلى وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الجامع ١٥١٩. وغير ذلك من الأحاديث، إذا تقرر مصادمة هذه القصة المكذوبة لنصوص الكتاب والسنة، فإن الواجب على الخطباء والوعاظ والمدرسين أن يتثبتوا من الأحاديث قبل روايتها وذكرها للناس، لأن معظم الناس من العوام الذين لا يميزون بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، بل إن عامة الناس يتلقون هذه الأحاديث وينشرونها فيما بينهم فيسهم الوعاظ والخطباء والمدرسون وأمثالهم في نشر هذه الأحاديث المكذوبة بين الناس، ويتحملون وزر ذلك. وبناءً على ذلك فإني أنصح كل من يذكر حديثًا عن الرسول ﷺ أن يتثبت من ذلك الحديث، وأن يرجع إلى كتب أهل الحديث ليعرف حال ذلك الحديث قبل أن يذكره للناس. فقد ثبت في الحديث الصحيح أنه ﵊ قال: (من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) . وقال الحافظ ابن حبان: " فصل ذكر إيجاب دخول النار لمن نسب الشيء إلى المصطفى ﷺ وه غير عالم بصحته "، ثم روى بسنده عن أبي هريرة ﵁ عن رسول الله ﷺ قال: (من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار) وإسناده حسن كما قال الشيخ شعيب الأرناؤوط، الإحسان ١/٢١٠، ثم ذكر ابن حبان بسنده عن سمرة بن جندب ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: (من حدث حديثًا وهو يُرى - بضم الياء ومعناه يُظن - أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وأخرجه مسلم أيضًا. وقال الإمام الشوكاني: [فلما كان تمييز الموضوع من الحديث على رسول الله ﷺ من أجل الفنون وأعظم العلوم وأنبل الفوائد من جهات يكثر تعدادها ولو لم يكن منها إلا تنبيه المقصرين من علم السنة على ما هو مكذوب على رسول الله ﷺ ويحذروا من العمل به واعتقاد ما فيه وإرشاد الناس إليه. كما وقع لكثير من المصنفين في الفقه والمتصدرين للوعظ والمشتغلين بالعبادة والمتعرضين للتصنيف في الزهد فيكون لمن بين لهؤلاء ما هو كذب من السنة أجر من قام بالبيان الذي أوجبه الله مع ما في ذلك من تخليص عباد الله من معرة العمل بالكذب وأخذه على أيدي المتعرضين لما ليس من شأنه من التأليف والاستدلال والقيل والقال، وقد أكثر العلماء ﵏ من البيان للأحاديث الموضوعة وهتكوا أستار الكذابين ونفوا عن حديث رسول الله ﷺ انتحال المبطلين وتحريف الغالين وافتراء المفترين وزور المزورين] الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ص ٣. وكما ينبغي أن يعلم أن في الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي ﷺ ما يغني ويكفي عن الأحاديث المكذوبة. وخلاصة الأمر أن هذه القصة المنسوبة إلى إبراهيم ﵇ مكذوبة ومخالفة للكتاب والسنة والواجب على خطباء المساجد والوعاظ أن يتأكدوا من درجة الأحاديث التي يذكرونها في خطبهم ومواعظهم ودروسهم حتى لا يسهموا في الكذب على رسول الله ﷺ وإن في الأحاديث الصحيحة والحسنة ما يغني ويكفي عن الأحاديث الباطلة والمكذوبة.

2 / 1