فتاوه کبری

ابن تیمیه d. 728 AH
124

فتاوه کبری

الفتاوى الكبرى

خپرندوی

دار الكتب العلمية

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِأَجْلِ كَوْنِ آبَائِهِ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ كَانُوا مُشْرِكِينَ فَهَذَا خِلَافُ الْأُصُولِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ قَوْله تَعَالَى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ﴾ [البينة: ١]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ [آل عمران: ٢٠]، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِهَؤُلَاءِ الْمَوْجُودِينَ وَإِخْبَارٌ عَنْهُمْ، الْمُرَادُ بِالْكِتَابِ هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ، الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ مِنْ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ مَا جَرَى، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ كَانَ مُتَمَسِّكًا بِهِ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا، وَلَا هُمْ مِمَّنْ خُوطِبُوا بِشَرَائِعِ الْقُرْآنِ، وَلَا قِيلَ لَهُمْ فِي الْقُرْآنِ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُمْ قَدْ مَاتُوا قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ تَدَيَّنَ بِهَذَا الْكِتَابِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهُمْ كُفَّارٌ تَمَسَّكُوا بِكِتَابٍ مُبَدَّلٍ مَنْسُوخٍ، وَهُمْ مُخَلَّدُونَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ كَمَا يُخَلَّدُ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْكُفَّارِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مَعَ ذَلِكَ سَوَّغَ إقْرَارَهُمْ بِالْجِزْيَةِ، وَأَحَلَّ طَعَامَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْقُرْآنِ هُمْ كُفَّارٌ، وَإِنْ كَانَ أَجْدَادُهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ وَلَيْسَ عَذَابُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِأَخَفَّ مِنْ عَذَابِ مَنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، بَلْ وُجُودُ النَّسَبِ الْفَاضِلِ هُوَ إلَى تَغْلِيظِ كُفْرِهِمْ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى تَخْفِيفِ كُفْرِهِمْ، فَمَنْ كَانَ أَبُوهُ مُسْلِمًا وَارْتَدَّ كَانَ كُفْرُهُ أَغْلَظَ مِنْ كُفْرِ مَنْ أَسْلَمَ هُوَ ثُمَّ ارْتَدَّ. وَلِهَذَا تَنَازَعَ النَّاسُ فِيمَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ إذَا ارْتَدَّ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ، هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: هُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَبْلَ النَّسْخِ وَالتَّبْدِيلِ ثُمَّ إنَّهُ لَمَّا بَعَثَ اللَّهُ عِيسَى وَمُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا كَفَرَ بِهِمَا وَبِمَا جَاءَا بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاتَّبَعَ الْكِتَابَ الْمُبَدَّلَ الْمَنْسُوخَ كَانَ كُفْرُهُ مِنْ أَغْلَظِ الْكُفْرِ، وَلَمْ يَكُنْ كُفْرُهُ أَخَفَّ مِنْ كُفْرِ مَنْ دَخَلَ بِنَفْسِهِ فِي هَذَا الدِّينِ الْمُبَدَّلِ، وَلَا لَهُ بِمُجَرَّدِ نِسْبَةِ حُرْمَةٍ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا عِنْدَ رَسُولِهِ، وَلَا يَنْفَعُهُ دِينُ آبَائِهِ إذَا كَانَ هُوَ مُخَالِفًا لَهُمْ،

1 / 171