فتاوه کبری

ابن تیمیه d. 728 AH
110

فتاوه کبری

الفتاوى الكبرى

خپرندوی

دار الكتب العلمية

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِنْ الْقِيَاسِ: أَنْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمٍ لِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِي غَيْرِهِ، فَإِذَا قَامَ دَلِيلٌ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَكَانَ هَذَا قِيَاسًا صَحِيحًا. فَهَذَانِ النَّوْعَانِ كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ يَسْتَعْمِلُونَهُمَا ا، وَهُمَا مِنْ بَابِ فَهْمِ مُرَادِ الشَّارِعِ، فَإِنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِكَلَامِ الشَّارِعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يُعْرَفُ ثُبُوتُ اللَّفْظِ عَنْهُ، وَعَلَى أَنْ يُعْرَفُ مُرَادُهُ بِاللَّفْظِ، وَإِذَا عَرَفْنَا مُرَادَهُ فَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ حُكْمٌ لِلْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ لَا لِمَعْنًى يَخُصُّ الْأَصْلَ، أَثْبَتْنَا الْحُكْمَ حَيْثُ وُجِدَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكُ، وَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ قَصَدَ تَخْصِيصَ الْحُكْمِ بِمَوْرِدِ النَّصِّ مَنَعْنَا الْقِيَاسَ، كَمَا أَنَّهُ عَلِمْنَا أَنَّ الْحَجَّ خُصَّ بِهِ الْكَعْبَةُ، وَأَنَّ الصِّيَامَ الْفَرْضَ خُصَّ بِهِ شَهْرُ رَمَضَانَ، وَأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ خُصَّ بِهِ جِهَةُ الْكَعْبَةِ، وَأَنَّ الْمَفْرُوضَ مِنْ الصَّلَوَاتِ خُصَّ بِهِ الْخَمْسُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ هُنَا أَنْ نَقِيسَ عَلَى الْمَنْصُوصِ غَيْرَهُ. وَإِذَا عَيَّنَ الشَّارِعُ مَكَانًا أَوْ زَمَانًا لِلْعِبَادَةِ كَتَعْيِينِ الْكَعْبَةِ وَشَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ عَيَّنَ بَعْضَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، كَتَعْيِينِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، بَلْ وَتَعْيِينُ التَّكْبِيرِ وَأُمِّ الْقُرْآنِ، فَإِلْحَاقُ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ بِهِ يُشْبِهُ حَالَ أَهْلِ الْيَمَنِ الَّذِينَ أَسْقَطُوا تَعَيُّنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَقَالُوا: الْمَقْصُودُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ السَّنَةِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ [التوبة: ٣٧] . وَقِيَاسُ الْحَلَالِ بِالنَّصِّ عَلَى الْحَرَامِ بِالنَّصِّ، مِنْ جِنْسِ قِيَاسِ الَّذِينَ قَالُوا: ﴿إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: ٢٧٥] . وَكَذَلِكَ قِيَاسُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَاسُوا الْمَيْتَةَ بِالْمُذَكَّى، وَقَالُوا أَتَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّهُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [الأنعام: ١٢١] .

1 / 157