فتاوه کبری

ابن تیمیه d. 728 AH
107

فتاوه کبری

الفتاوى الكبرى

خپرندوی

دار الكتب العلمية

د ایډیشن شمېره

الأولى

د چاپ کال

١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م

وَعَلَى هَذَا فَتَحْرِيمُ مَا يُسْكِرُ مِنْ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَطْعِمَةِ، كَالْحَشِيشَةِ الْمُسْكِرَةِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ، وَكَانَ هَذَا النَّصُّ مُتَنَاوِلًا لِشُرْبِ الْأَنْوَاعِ الْمُسْكِرَةِ مِنْ أَيِّ مَادَّةٍ كَانَتْ مِنْ الْحُبُوبِ، أَوْ الثِّمَارِ أَوْ مِنْ لَبَنِ الْخَيْلِ أَوْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ النَّصَّ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ خَمْرَ الْعِنَبِ قَالَ إنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ هَذِهِ الْمُسْكِرَاتِ الَّتِي هِيَ فِي الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْرِ الْعِنَبِ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ ثَابِتًا بِالْقِيَاسِ، وَهَؤُلَاءِ غَلِطُوا فِي فَهْمِ النَّصِّ. وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ أَنَّ الْخَمْرَ لَمَّا حُرِّمَتْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ خَمْرِ الْعِنَبِ شَيْءٌ، فَإِنَّ الْمَدِينَةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَجَرُ الْعِنَبِ، وَإِنَّمَا كَانَ عِنْدَهُمْ النَّخْلُ، فَكَانَ خَمْرُهُمْ مِنْ التَّمْرِ، وَلَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ أَرَاقُوا تِلْكَ الْأَشْرِبَةَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ التَّمْرِ، وَعَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ الشَّرَابَ هُوَ خَمْرٌ مُحَرَّمٌ. فَعُلِمَ أَنَّ لَفْظَ الْخَمْرِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَخْصُوصًا بِعَصِيرِ الْعِنَبِ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي لُغَتِهِمْ فَتَنَاوَلَ، أَوْ كَانُوا عَرَفُوا التَّعْمِيمَ بِلُغَةِ الرَّسُولِ ﷺ فَإِنَّهُ الْمُبَيِّنُ عَنْ اللَّهِ مُرَادَهُ، فَإِنَّ الشَّارِعَ يَتَصَرَّفُ فِي اللُّغَةِ تَصَرُّفَ أَهْلِ الْعُرْفِ، يَسْتَعْمِلُ اللَّفْظَ تَارَةً فِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ، وَتَارَةً فِيمَا هُوَ أَخَصُّ، وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمَيْسِرِ هُوَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ يَتَنَاوَلُ اللَّعِبَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ، وَيَتَنَاوَلُ بُيُوعَ الْغَرَرِ الَّتِي نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ ﷺ فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى الْقِمَارِ الَّذِي هُوَ مَيْسِرٌ، إذْ الْقِمَارُ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْخَذَ مَالُ الْإِنْسَانِ وَهُوَ عَلَى مُخَاطَرَةٍ، هَلْ يَحْصُلُ لَهُ عِوَضُهُ أَوْ لَا يَحْصُلُ، كَاَلَّذِي يَشْتَرِي الْعَبْدَ الْآبِقَ، وَالْبَعِيرَ الشَّارِدَ، وَحَبَلَ الْحَبَلَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَحْصُلُ لَهُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ. وَعَلَى هَذَا فَلَفْظُ الْمَيْسِرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَنَاوَلُ هَذَا كُلَّهُ، وَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا فِيهِ مُخَاطَرَةٌ،

1 / 154