الفتاوى الحديثية
الفتاوى الحديثية
خپرندوی
دار الفكر
إِلَّا إِن أَرَادَ بِهِ التفاخر وَالتَّكَاثُر فَهُوَ حينئذٍ حرَام بل كَبِيرَة، وإنْ كَانَ من وَجه مَحْظُور فَهُوَ حرَام أَو كَبِيرَة كَمَا لَا يخفى كل ذَلِك من قَوَاعِد الشَّرْع وأدلته. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يُطلق على طول الأمل أَنه حرَام فضلا عَن كَونه كَبِيرَة، بل لَا بُد فِيهِ من التَّفْصِيل الَّذِي ذكرته وأشرتُ بِهِ إِلَى بَقِيَّة أقسامه الَّتِي تفرق النَّاس فِي أَوديتهَا، فَمنهمْ المُقل وَمِنْهُم المُكثر وَمِنْهُم السَّكْرَان وَمِنْهُم الصاحي، وَمِنْهُم المحق وَمِنْهُم الْمُبْطل وَالله تَعَالَى يوفقنا ويلهمنا ويولينا أولى الْأَخْلَاق والأعمال والآداب وَالْأَحْوَال بمنه وَكَرمه آمين. ٦٣ وَسُئِلَ نفع الله بِهِ، بِمَا لَفظه: مَا مُحَصل اخْتِلَاف النَّاس فِي الْأَطْفَال هَل هم فِي الْجنَّة خدم لأَهْلهَا ذُكُورا وإناثًا وَهل تتفاضل درجاتهم فِي الْجنَّة؟ فَأجَاب بقوله: أما أَطْفَال الْمُسلمين فَفِي الْجنَّة قطعا بل إِجْمَاعًا، وَالْخلاف فِيهِ شَاذ بل غلط، وَأما أَطْفَال الْكفَّار ففيهم أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم فِي الْجنَّة وَعَلِيهِ الْمُحَقِّقُونَ لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىانَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الْإِسْرَاء: ١٥] وَقَوله: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الْأَنْعَام: ١٦٤] . وَأخرج البُخَارِيّ وَكفى بِهِ حجَّة (أَنه ﷺ رأى أَطْفَال الْمُسلمين وَالْكفَّار حول إِبْرَاهِيم الْخَلِيل صلى الله عَلَيْهِ وعَلى نَبينَا وَسلم فِي الْجنَّة) و(رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي إِجْمَاعًا) وَفِي أَحَادِيث أخر التَّصْرِيح بِأَنَّهُم فِي الْجنَّة، وَلَا يضرنا قَول الْمُحدثين إِنَّهَا ضَعِيفَة اكْتِفَاء بِخَبَر البُخَارِيّ الْمَذْكُور مَعَ ظَاهر الْقُرْآن وَفِي حَدِيث (إِنَّهُم خدم أهل الْجنَّة) فَإِن صَحَّ احْتمل أَن يكون المُرَاد أَنه كِنَايَة عَن نزُول مَرَاتِبهمْ عَن مَرَاتِب أَطْفَال الْمُسلمين لأَنهم مَعَ آبَائِهِم، كَمَا نصت عَلَيْهِ آيَة الطّور، وَأُولَئِكَ لَا آبَاء لَهُم يكونُونَ فِي مَنْزِلَتهمْ، وَكَون الدَّرَجَات فِي الْجنَّة بِحَسب الْأَعْمَال كَمَا ورد فِي حَدِيث الظَّاهِر أَنه فِي الْمُكَلّفين على أَن تِلْكَ الْآيَة تَقْتَضِي إِلْحَاق الْآبَاء بالأبناء وَعَكسه، وَلَو فِي الدَّرَجَات الْعلية، وإنْ لم يعملوا مَا يوصلهم إِلَيْهَا وَفضل الله وَاسع، فليحمل ذَلِك الحَدِيث إِن صَحَّ على أَنه فِيمَن لم يلْحق بِغَيْرِهِ فِي مرتبته، وَلَا فرق بَين ذكرهم فِي ذَلِك وأنثاهم. الثَّانِي: أَنهم فِي النَّار تبعا لِآبَائِهِمْ وَنسبه النَّوَوِيّ للأكثرين لكنه نوزع وَاسْتدلَّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيح (أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله إِن أُمنَّا وأدتْ أختالنا لم تبلغ الحِنْث فَقَالَ ﷺ الوائدة والموءودة فِي النَّار، إِلَّا أَن تدْرك الوائدة الْإِسْلَام فَيغْفر الله لَهَا) . وَالْجَوَاب عَنهُ من جِهَة الْأَوَّلين أَنه يحْتَمل أَن ذَلِك كَقَوْلِه ﷺ: (هم من آبَائِهِم) قبل علمه بِأَنَّهُم فِي الْجنَّة، وَهَذَا أحسن من الْجَواب بِأَن التَّكَلُّف كَانَ إذْ ذَاك مَنُوطًا بالتمييز لقَوْل جمع إِنَّه إِنَّمَا أنيط بِالْبُلُوغِ بعد الخَنْدَق. وَالثَّالِث: الْوَقْف ويعبر عَنهُ بِأَنَّهُم فِي الْمَشِيئَة فَمن علم مِنْهُ تَعَالَى أَنه إِن بلغ آمن أدخلهُ الْجنَّة أَو كفر أدخلهُ النَّار، وَنسبه ابْن عبد الْبر للأكثرين، وَاسْتدلَّ لَهُ بقوله ﷺ حِين سُئِلَ عَنْهُم (وَالله أعلم بِمَا كَانُوا عاملين) . الرَّابِع: أَنهم يجمعُونَ يَوْم الْقِيَامَة وتؤجج لَهُم نَار وَيُقَال ادخلوها فيدخلها من كَانَ فِي علم الله شقيًا ويمسك عَنْهَا من كَانَ فِي علم الله سعيدًا لَو أدْرك الْعَمَل، فَيَقُول الله ﷿: (لم عصيتم فَكيف برسلي لَو لاقوكم) ورده الْحَلِيمِيّ ﵀ بِأَن الحَدِيث فِي ذَلِك لَيْسَ ثَابتا، وَبِأَن الْآخِرَة لَيست دَار امتحان لِأَن الْمعرفَة بِاللَّه فِيهَا ضَرُورِيَّة، وَبِأَن الدَّلَائِل استقرتْ على أَن التخليد فِي النَّار لَا يكون إِلَّا بالشرك. وَأجِيب عَن الثَّانِي بِمَنْع عدم الامتحان فِي الْآخِرَة بِدَلِيل الامتحان بِالسُّجُود وَأَن الْمُنَافِق يُريدهُ فَلَا يَسْتَطِيع. قَالَ الْمُعْتَرض: على أَن مَا قَالَه الْحَلِيمِيّ هُوَ الظَّاهِر، وَإِن كُنَّا لَا نقطع بِهِ، إذْ لَا دَلِيل عَقْلِي وَلَا سَمْعِي على اسْتِحَالَة ذَلِك. قَالَ ابْن تَيْمِية: وَالْقَوْل بِأَنَّهُم فِي الْأَعْرَاف لَا أعرفهُ عَن خبر وَلَا أثر، وَلَا يُعَارض مَا مر قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ [نوح: ٢٧] لِأَنَّهُ مُخْتَصّ بِمن عَاشَ مِنْهُم إِلَى أَن بلغ بِدَلِيل قَوْله ﷺ: (كل مَوْلُود يُولد على الْفطْرَة وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يهوّدانه أَو ينصرِّانه أَو يُمجسِّانه) . ٦٤ وَسُئِلَ ﵁، بِمَا لَفظه: كرامات الْأَوْلِيَاء حق فَهَل تَنْتَهِي إِلَى إحْيَاء الْمَوْتَى وَغَيره من معجزات الْأَنْبِيَاء صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم، ومَنْ أُحييِّ كَرَامَة لوَلِيّ هَل لَهُ حكم الْأَحْيَاء أَو الْأَمْوَات؟ فَأجَاب ﵁، بقوله: كرامات الْأَوْلِيَاء حق عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة خلافًا للمخاذيل الْمُعْتَزلَة والزيدية، وَقَول الْفَخر الرَّازِيّ إِن أَبَا إِسْحَق الإسفرايني أنكرها أَيْضا مَرْدُود بِأَنَّهُ إِنَّمَا أنكر مِنْهَا مَا كَانَ معْجزَة لنَبِيّ كإحياء الْمَوْتَى لِئَلَّا تختلط الْكَرَامَة بالمعجزة، وغلطه النَّوَوِيّ كَابْن الصّلاح بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كراماتهم مُعَارضَة للنبوة لِأَن الْوَلِيّ إِنَّمَا أعْطى ذَلِك ببركة إتباعه للنَّبِي ﷺ وَشرف وكرم، فَلَا تظهر حَقِيقَة الْكَرَامَة عَلَيْهِ إِلَّا إِذا كَانَ دَاعيا لاتباع النَّبِي ﷺ، برئيًا من كل بِدعَة، وانحراف عَن شَرِيعَة النَّبِي ﷺ، فببركة اتِّبَاعه صلى
1 / 78