147

الفتاوى الحديثية

الفتاوى الحديثية

خپرندوی

دار الفكر

وَالشَّافِعِيّ ﵃، وَألف مَالك ﵁ فِيهِ رِسَالَة قبل أَن يُولد الشَّافِعِي ﵁، وَإِنَّمَا نسب للأشعري لِأَنَّهُ بَين مناهج الْأَوَّلين ولخصَّ موارد الْبَرَاهِين، وَلم يُحْدِث فِيهِ بعد السّلف إِلَّا مُجَرّد الألقاب والاصطلاحات، وَقد حَدَثَ مثلُ ذَلِك فِي كل فن من فنون الْعلم، وَالْقَوْل بِأَن السّلف نهوا عَن النّظر فِيهِ بَاطِل، وَإِنَّمَا الَّذِي نهوا عَنهُ علم الْجَهْمِية والقدرية وَغَيرهم من أهل الْبدع وهم الَّذين ذمهم الشَّافِعِي وَغَيره من السّلف. وَاعْلَم أَن الْمَذْهَب الكلامي أَن يُورد مَعَ الحكم ردًَّا لمنكره حجَّة مسلمة الاستلزام. وينقسم إِلَى منطقي وجدلي؛ فَالْأول مَا كَانَ برهانًا يقيني التَّأْلِيف قَطْعِيّ الاستلزام، وَالثَّانِي مَا كَانَت حجَّته أَمارَة ظنية لَا يُفِيد إِلَّا الرجحان. وَزعم الجاحظ أَنه لَيْسَ فِي الْقُرْآن من ذَلِك شَيْء يَعْنِي من المنطقي، وَأما الجدلي فَهُوَ كثير فِيهِ كَقَوْلِه: ﴿وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الرّوم: ٢٧] أَي والأهون أَدخل فِي الْإِمْكَان من بَدْء الْخلق، وَمِنْه: ﴿مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ٩١] الْآيَة، وَقَول إِبْرَاهِيم: ﴿أَتُحَاجُّونِّى فِى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِى﴾ [الْأَنْعَام: ٨٠] وَمِنْه أَيْضا عِنْد بعض الْمُحَقِّقين: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ [الْأَنْبِيَاء: ٢٢] وَالْقَوْل بِأَن هَذَا كفر مَرْدُود كَمَا هُوَ مَبْسُوط فِي مَحَله من مبادىء كتب الْكَلَام قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: وَكذب الجاحظ فِيمَا ادّعى بل أَكثر حجج أهل الْكَلَام مستنبطة من الْقُرْآن الْعَظِيم، وفقنا الله لفهم ذَلِك آمين.
٢١٥ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ، بِمَا لَفظه: مَا وَجه تعلق الْمُعْتَزلَة فِي خلق الْأَعْمَال بقوله تَعَالَى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [الْقَمَر: ٤٩] وَمَا وَجه الرَّد عَلَيْهِم؟ فَأجَاب بقوله: الَّذِي تمسكوا بِهِ على ذَلِك رفع كل وَهُوَ قِرَاءَة شَاذَّة وأنّ (خلقنَا) فِي مَوضِع جر صفة لشَيْء وَلَا تعلق لَهُم فِيهَا بِوَجْه، بل هِيَ بِنصب كل الَّذِي هُوَ الْقِرَاءَة المتواترة دَلِيل أهل السّنة على خلق الله لأعمال الْعباد، وعَلى قِرَاءَة الرّفْع لَا دَلِيل فِيهَا لأحد المذهبين إِن سلم أَن جملَة خلقناه صفة لشَيْء وبقدر هُوَ الْخَبَر؛ أما إِذا جعل خَبرا وبقدر حَال فَهُوَ يُفِيد مَا أَفَادَهُ النصب من عُمُوم الْخلق لكلّ شَيْء مَخْلُوق من الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال والجواهر والأعراض، وَتَقْدِير النصب إِنَّا كل شَيْء خلقناه، وَالرَّفْع إِنَّا كل شَيْء مَخْلُوق لنا حَال كَونه متلبسًا بقدرتنا عَلَيْهِ، أَو مَخْلُوق بقدرتنا بِنَاء على أَن بِقدر صفة للمخلوق أَو خبر بعد خبر فَحكم على كل مَا صَحَّ أَن يُطلق عَلَيْهِ لفظ الشَّيْء بِأَنَّهُ مَخْلُوق لله تَعَالَى، إذْ خلقناه خبر وَأي دَلِيل على تعين وصفيتها، وَإِنَّمَا قُلْنَا مَخْلُوق لِئَلَّا تدخل صِفَات الْبَارِي فَهِيَ خَارِجَة من الْعُمُوم بِالدَّلِيلِ الْعقلِيّ فَيبقى مَا عَداهَا على حَاله من أَنه مَحْكُوم عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَخْلُوق لله تَعَالَى. فَإِن قلت: احْتِمَال وَصفِيَّة خلقنَا يمْنَع استدلالكم بِالْآيَةِ. قلت: لما كَانَت الْقِرَاءَة المتواترة الَّتِي هِيَ قِرَاءَة النصب نصا فِي مدعانا أَخذنَا بهَا، وَأما قِرَاءَة الرّفْع فَهِيَ مُحْتَملَة فَلَا دَلِيل فِيهَا لَهُم كَمَا لَا دَلِيل لنا فَبَطل استدلالهم بهَا وَبَقِي استدلالنا بِقِرَاءَة النصب، فَتَأمل.
٢١٦ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن معنى كَلَام الله تَعَالَى لمُوسَى ﷺ وَغَيره، وَهل يُمكن سَماع غير مُوسَى لَهُ؟ فَأجَاب بقوله: كَلَام الله وَإِن لم يكن من جنس كَلَام المخلوقين يسمعهُ من أكْرمه الله من رسله وَمَلَائِكَته بِوَاسِطَة أَو غَيرهَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا﴾ [الشورى: ٥١] الْآيَة، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىانُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىاإِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأٌّسْبَاطِ وَعِيسَىاوَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النِّسَاء: ١٦٣] قَالَ بعض أَئِمَّة الْمَالِكِيَّة: من أنكر أنّ الله تَعَالَى كلم مُوسَى استُتِيب، فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل. قَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: وَالْكَلَام على الْحَقِيقَة كُله لله وإضافته إِلَى غَيره مجَاز، لِأَنَّهُ إِن كَانَ قَدِيما فَهُوَ صفته، وَإِن كَانَ حَادِثا فَهُوَ فعله لِأَنَّهُ بخلقه وإرادته، وَمن ثمَّة اتفقتْ الْأمة على أَنه تَعَالَى متكلِّم؛ فَعِنْدَ الأشعرية الْكَلَام قَائِم بِذَاتِهِ الْعلية ويعبر عَنهُ بالْكلَام النَّفْسِيّ. وَأنكر الْمُعْتَزلَة ذَلِك وَقَالُوا: معنى كَونه متكلمًا أَنه خَالق للْكَلَام. وَالْإِجْمَاع على أَنه تَعَالَى كلم مُوسَى للآيات المصرحة بذلك يرد عَلَيْهِم إِذْ الأَصْل عدم الْمجَاز. وَاخْتلفُوا فِي صفة سَمَاعه للْكَلَام النَّفْسِيّ. فَأهل الظَّاهِر قَالُوا: نؤمن بِهِ وَلَا نتكلم قصدا مِنْهُم إِلَى أَنه متشابه، وَقَالَت الباطنية: خلق الله لمُوسَى فهما فِي قلبه وَلم يخلق لَهُ سمعا. وَمذهب أهل السّنة أَن الله خلق لَهُ فهما فِي قلبه وسمعًا فِي أُذُنَيْهِ وسائربدنه سمع بِهِ كَلَام الله من غير صَوت وَلَا حرف بِغَيْر وَاسِطَة. وَزعم الْمُعْتَزلَة جَريا على مَذْهَبهم الْفَاسِد فِي إنكارهم الْكَلَام النَّفْسِيّ أَن الله تَعَالَى خلق لَهُ فهما فِي قلبه وصوتًا فِي الشَّجَرَة سَمعه.
٢١٧ - وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَن لَا إِلَه إِلَّا الله لَو يقدر الْخَبَر مُمكن لَا يلْزم وجود الْبَارِي لِأَنَّهُ لَا يلْزم من إِثْبَات الْإِمْكَان إِثْبَات وجود الله فالإمكان لَا يسْتَلْزم الْوُجُود، وبتقديره موجد لَا يلْزم نفي الْإِمْكَان عَن غير الله لِأَنَّهُ لَا يلْزم من نفي الْوُجُود نفي الْإِمْكَان فَلَا يلْزم التَّوْحِيد الْكَامِل. فَأجَاب بقوله: لَا شكّ أَن المُرَاد تَقْدِير

1 / 148