الفتاوى الحديثية
الفتاوى الحديثية
خپرندوی
دار الفكر
التفاصيل الْمَعْلُومَة من الدّين بِالضَّرُورَةِ سَوَاء الْمُتَعَلّقَة بالاعتقاد وَالْعَمَل كَمَا يَأْتِي، وَالدَّلِيل على مَا ذكرته أُمُور: مِنْهَا: قَول المواقف فِي أدلِّة زِيَادَة الْإِيمَان ونَقْصِه مِمَّا هُوَ بِحَسب التَّعَلُّق التفصيلي فِي أَفْرَاد مَا علم مَجِيئه أَي الشَّارِع بِهِ جُزْء من الْإِيمَان يُثاب عَلَيْهِ ثوابَه على تَصْدِيقه بالإجمالي، قَالَ الشَّارِح: يَعْنِي أَن أَفْرَاد مَا جَاءَ بِهِ مُتعَدِّدَة وداخلة فِي التَّصْدِيق الإجمالي فَإِذا عُلِم وَاحِد مِنْهَا بِخُصُوصِهِ أَو صدِّق بِهِ كَانَ هَذَا تَصْدِيقًا مغايرًا لذَلِك التَّصْدِيق الْمُجْمل وجزءًا من الْإِيمَان، وَلَا شكّ أَن التصديقات التفصيلية تقبل ذَلِك الْإِجْمَال انْتهى. وَهُوَ صَرِيح فِي أَن الْإِيمَان يُوجد ويتحقق بالتصديق الإجمالي وإنْ لم يُوجد التَّصْدِيق التفصيلي، وَمحل مَا ذكرته من أَنه يتَحَقَّق بالإجمالي أَولا، وبالذات دون مَا بعد ذَلِك فِي الْأَثْنَاء فَإِنَّهُ لَا بُد أَن يَنْضَم إِلَيْهِ بعد علمه بالتفاصيل الضرورية التَّصْدِيق بهَا إنْ عِلمها جَمِيعهَا وَإِلَّا فَمَا علمه مِنْهَا. وَمِنْهَا: قَول المواقف وَشَرحهَا أَيْضا فِي أَدِلَّة الْمَذْهَب: الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة وَغَيرهمَا ﵃ مِنْ أَنه لَا يكفر أحدٌ من أهل الْقبْلَة بِمَا حَاصله أَن الْمسَائِل الْمُخْتَلف فِيهَا نَحْو كَون الله عَالما أَو موجدًا لأفعال العَبْد أَو غير متحيز، وَلَا فِي جِهَة، لم يبْحَث النَّبِي ﷺ وَلَا الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم وَلَا التابعون عَن اعْتِقَاد من حكمُوا بِإِسْلَامِهِ، فَيلْزم أَن الْخَطَأ فِيهَا غير قَادِح فِي حَقِيقَة الْإِسْلَام، وَلَا يُقَال لَعَلَّ ﷺ عرف مِنْهُم أَنهم عالمون بهَا إِجْمَالا فَلم يبْحَث عَنْهَا كَمَا لم يبْحَث عَن علمهمْ بِعِلْمِهِ تَعَالَى وَقدرته مَعَ وجوب اعتقادهما، لأَنا نعلم أَنهم لم يَكُونُوا كلهم عَالمين بِأَنَّهُ تَعَالَى عَالم بِالْعلمِ لَا بِالذَّاتِ، وَأَنه يُرى فِي الْآخِرَة وَأَنه لَيْسَ بجسم، وَلَا فِي مَكَان وجهة، وَأَنه قَادر على أَفعَال الْعباد كلهَا، وَأَنه مُوجد لَهَا بأسرها فَقَوْلهم بعلمهم بهَا مِمَّا عُلِم فَسَاده بِالضَّرُورَةِ، وَأما الْعلم وَالْقُدْرَة فهما مِمَّا يتَوَقَّف عَلَيْهِ ثُبُوت النُّبُوَّة لدلَالَة المعجزة عَلَيْهِمَا فَكَانَ الْعلم بِالنُّبُوَّةِ دَلِيلا للْعلم بهما وَلَو إِجْمَالا، فَلذَلِك لم يبْحَث عَنْهُمَا انْتهى. فَتَأمل قَوْله وَكَانَ الْعلم بِالنُّبُوَّةِ الخ تَجدهُ صَرِيحًا فِيمَا ذكرته من أَن الشَّرْط فِي ابْتِدَاء الْإِيمَان إِنَّمَا هُوَ التَّصْدِيق بِجَمِيعِ الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ إِجْمَالا فَيَكْفِي ذَلِك وَلَا يشْتَرط التَّصْدِيق بالأمور التفصيلية الضرورية إِلَّا لمن عَلِمها تَفْصِيلًا فيكلف بالتصديق والإذعان بهَا فَإِن صدَّق وأذْعن اسْتمرّ على إيمَانه وَإِلَّا كَفَر من حينئذٍ. وَمِنْهَا: قَول أَئِمَّتنَا فِي (الْفُرُوع): وَيشْتَرط لنفع الْإِيمَان فِي الْآخِرَة مَعَ النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ تَصْدِيق الْقلب بوحدانية الله تَعَالَى وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر انْتهى. فأفهم ذَلِك إِنَّه يَكْفِي التَّصْدِيق بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد ﷺ من ذَلِك إِجْمَالا وَلَا يشْتَرط التَّفْصِيل إِلَّا إِن لوحد تَفْصِيلًا كَمَا يَأْتِي. وَمِنْهَا: قَول الْمُحَقق الْكَمَال بن أبي شرِيف فِي شَرحه مسايرة شَيْخه الْمُحَقق الْكَمَال بن الْهمام: جُمْهُور الأشاعرة، وَبِه قَالَ الماتُريدي إِن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ فَقَط أَي قبُوله وإذْعانه لما عُلِم بِالضَّرُورَةِ من دين مُحَمَّد ﷺ بِحَيْثُ تعلمه الْعَامَّة من غير نظر واستدلال كالوحدانية والنبوة والبعث ولاجزاء وَوُجُوب الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالْحج وَحُرْمَة الْخمر وَنَحْوهَا، وَيَكْفِي الْإِجْمَال فِيمَا يُلَاحظ إِجْمَالا كالإيمان بِالْمَلَائِكَةِ والكتب وَالرسل، وَيشْتَرط التَّفْصِيل فِيمَا يُلَاحظ تَفْصِيلًا كجبريل وَمِيكَائِيل ومُوسَى وَعِيسَى والتوراة وَالْإِنْجِيل حَتَّى مَنْ لم يُصدِّق بِوَاحِد مِنْهَا كفر انْتهى، فأفهم هَذَا أنَّ مَا عُلِم من الدّين بِالضَّرُورَةِ إنْ شعر بِهِ مَنْ جَهِله اشْترط تَصْدِيقه بِهِ إِجْمَالا إِن شعر بِهِ إِجْمَالا كالملائكة والكتب وَالرسل، وتفصيلًا إنْ شعر بِهِ تَفْصِيلًا كجبريل ومُوسَى والتوراة، وَأَنه لَا يشْتَرط فِي صِحَة الْإِيمَان أَن يصدق بالأشياء المفصلة إِلَّا إِذا شعر بهَا مفصلة. وَمِنْهَا: قَوْلهمَا مَا حَاصله: إِن الَّذِي يجب الْإِيمَان بِهِ هُوَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّد ﷺ عَن الله ﷿ فَيجب التَّصْدِيق بكلّ مَا جَاءَ بِهِ من اعتقادي وعملي؛ وَمعنى التَّصْدِيق بالعملي اعْتِقَاد حقية الْعَمَل، وتفاصيل هذَيْن كَثِيرَة جدا، إذْ حَاصِل مَا فِي الْكتب الكلامية هُوَ الاعتقادات، وَمَا فِي دواوين السّنة هُوَ الاعتقادات والأعمال، فَاكْتفى بالإجمال وَهُوَ أَن يُقِّر بأنْ لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، بِشَرْط مُطَابقَة قلبه واستسلامه بِلِسَانِهِ، وَأما التفاصيل فَمَا يعقله الْمُكَلف فِيهَا لزمَه إِعْطَاؤُهُ حَقه. ثمَّ إِن نفي جحوده الإستسلام كالمواظبة على ترك سنة اسْتِخْفَافًا بهَا وَقتل نبيِّ وَنَحْوهمَا مِمَّا ذكره الْحَنَفِيَّة فِي كتبهمْ وتبعهم على أَكْثَرهَا أَئِمَّتنَا فِي الْفُرُوع أَو وَجب تَكْذِيب النَّبِي ﷺ كَجَحْد الْمَعْلُوم من الدّين بِالضَّرُورَةِ، كَانَ جَحْدُه
1 / 140