المقدمة
المفتي
دار
الإفتاء
المصرية
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم.
المحمود الله جل جلاله، والمصلى عليه هو النبى محمد وآله، والمدعو له بالسداد والرشاد هو الفقه الإسلامي ورجاله.
وبعد فيسعدنى أن أعهد إلى المجلس الاعلى للشئون الإسلامية، بطبع فتاوى أعلام المفتين لدار الافتاء المصرية، وهى ثروة علمية، وتراث فقهى، تعتز به مصر، رائدة العالم الإسلامى، وكعبته العلمية، وراعية الجامع الأزهر، جامع الجامعات، والمنار التى يستضىء بها كل مسلم.
إن أريد إلا الاصلاح ما استطعت وما توفيقى إلا بالله رمضان 1400 هجرية يوليو 1980 م.
الدكتور زكريا البرى وزيرالأوقات ورئيس المجلس الاعلى للشئون الإسلامية.
بسم الله الرحمن الرحيم.
تقديم.
نحمدك الله ونشكر نعمك التى لا يحصيها العد، ولا ينقصها الرفد، ونسألك قوة اليقين بك، فإنه لا حول ولا طول إلا حولك وطولك، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، ومن العلم الذى نرتجيه هبة ومنحة منك الفقه فى دينك وشريعتك، إرتقابا لأن نكون ممن وهبتهم الخير الذى أخبر به الصادق الأمين عبدك ورسولك محمد - صلى الله عليه وسلم - فى قوله (من يرد الله به خيرا يفقهه فى الدين) واستعانة بك لخدمة هذه الشريعة المطهرة التى ارتضيتها لعبادك خاتمة للشرائع إلى يوم الدين، لا نبتغى إلا توفيقك إلى الحق، وعصمتك من الخطأ والزلل، سبحانك إن أصبت فمنك وإن أخطأت فمن نفسى ومن الشيطان، فاحفظنى بحفظك وألهمنى الصواب فى دينك.
أما بعد فقد عقدت العزم منذ وليت إفتاء الديار المصرية، على نشر الفتاوى التى صدرت عن دار الإفتاء من واقع السجلات التى بمكتبتها، لينتفع بها المسلمون، ففيها فقه وتطبيق وتخريج لواقعات جديدة، وهى فى ذات الوقت منهل حافل ينهل منه الدارسون لعلوم الاجتماع والتاريخ والسياسة والاقتصاد، إذ تحمل الاستفتاءات الرسمية والشعبية صورة لواقع حياة الناس فى مصر، بل وربما فى العالم الإسلامى فى حقبة من الزمن تزيد على الثمانين من السنين منذ 7 جمادى الآخرة 1313 هجرية - 21 نوفمبر 1895م وكنت أرجو أن يتيسر الاطلاع على الفتاوى فيما قبل هذه الفترة، لكن أوراقها دخلت ذمة التاريخ، حيث قبعت فى دار الوثائق القومية، ومن ثم يكون الأحق بها وبنفض التراب عنها وعرضها فقهاء المؤرخين المتخصصين فى عرض تاريخ الإسلام وحضاراته، ولعل الله أن يقيض من العلماء المؤرخين الناقهين من يؤرخ لمفتى مصر وينشر على الناس فقههم، فإن فيه بلا شك إثراء للفقه الإسلامى فى حقب الزمان المتتالية، فوق أن فيه صورة حية لواقع الحياة وأشكالها ومشاكلها، وليس القصد من هذه الدعوة أشخاص المفتين، بقدر ما هو المقصود من إبراز علمهم وأعمالهم ومواقفهم وما فقهوا فيه من جديد الوقائع.
ولقد كان من هؤلاء المفتين من جمعت فتاويهم ونشرت، وهى الآن من المراجع الهامة للقضاة والمفتين والأساتذة القائمين على تدريس فقه الإسلام، ولكن ما نشر ليس بالكثير.
ولما كانت سجلات الفتاوى حاوية للعديد المتنوع، بل والمتكرر فقد كانت (اختيارات) من واقعات المفتين مما تمس الحاجة إلى العلم به، ونشره لما حواه من بحوث فقهية مقارنة، ومن ثم فليس هذا الكتاب بأجزائه التى ستظهر إن شاء الله هو كل ما فى سجلات دار الإفتاء، وإنما ستصدر هذه الاختيارات بعون الله وتوفيقه، ثم تليها مجموعات فى الوقف وفقهه وأحكامه، لأن الوقف نظام اقتصادى عرفه الإسلام، ويكاد أن يختص به ومازال قائما بالنسبة للوقف على جهات البر، ومجموعات فى الجنايات ومجموعات فى أحكام المواريث.
وإنه لفأل طيب أن يبدأ طبع هذه الفتاوى فى شهر رمضان المبارك من عام 1400 هجرية وفى عهد الرئيس محمد أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية، مؤسس دولة العلم والإيمان، ومرسى دعائمها وفى الوقت الذى اتجهت فيه الدولة بقيادته، إلى تقنين أحكام الشريعة الإسلامية تمهيدا لتطبيقها فى الحكم والقضاء، مع تلك الكلمة الخالدة التى قالها السيد الرئيس فى مجلس الشعب يوم 29 جمادى الآخرة 1400 هجرية - 14 مايو 1980 م (أنا رئيس مسلم لدولة مسلمة) هذه الكلمة التى مكنت له فى قلوب الشعب وستفتح بإذن الله الطريق إلى العودة إلى الحكم بالشريعة الغراء، وبها يسود الأمن والأمان، ويستقيم السلوك، وإنه لحق أن أذكر وأشكر كل من ساند هذا العمل، فكرة وتنفيذا، وأخص بالذكر السادة المستشار أحمد موسى وزير العدل السابق، والمستشار أنور عبد الفتاح أبو سحلى وزير العدل الحالى، والسيد الدكتور زكريا أحمد البرى وزير الدولة للأوقاف الذى أبدى كل الترحيب وأسند طبع الفتاوى ونشرها إلى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، فأزاح بهذا عقبة التكاليف المالية التى كادت تعطل التنفيذ، ولا غرو، فهو من أساتذة الشريعة الإسلامية الذين بذلوا جهدا مشكورا فى تجلية مبادئها، وممن يقدرون المكانة العلمية لهذه الفتاوى.
وإنه لحق كذلك أن أشكر الزملاء، القضاة أعضاء المكتب الفنى للمفتى، الذين عملوا فريقا واحدا ساهرين سائرين بجد فى الطريق المرسوم بحذق وكفاءة، لا يبتغون سوى فضل الله وجزائه ومرضاته، والشكر كذلك للباحثين والإداريين، الذين نفذوا ما وكل إليهم بجهد صادق ودأب محمود.
إن الحمد لله أولا وآخرا، والشكر له سبحانه ونسأله الرشاد والسداد، وأن يزودنا بالتقوى خير زاد، والصلاة والسلام على صاحب الشريعة المصطفى وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
القاهرة فى رمضان 1400 هجرية - يوليو 1980 م.
جاد الحق على جاد الحق.
مفتى جمهورية مصر العربية
مخ ۱
الإفتاء
المفتي
جاد الحق على جاد الحق
الجواب
المعنى اللغوى: فى لسان العرب أفتاه فى الأمر أبانه له وأفتى الرجل فى المسألة واستفتيته فيها فأفتانى افتاء وأفتى المفتى إذا أحدث حكما وقوله تعالى {يستفتونك قل الله يفتيكم} النساء 176، أى يسألونك سؤال تعلم.
والفتيا بالياء وضم الفاء والفتوى بالواو وضم الفاء والفتوى بالواو وفتح الفاء ما أفتى به الفقيه.
وفى المصباح المنير والفتوى بالواو، بفتح الفاء، وبالياء فتضم، اسم من أفتى العالم إذا بين الحكم، واستفتيه سألته أن يفتى، ويقال أصله من الفتى وهو الشاب القوى، والجمع الفتاوى بكسر الواو على الأصل، وقيل يجوز الفتح للتخفيف.
ومن قبيل هذا قول الله تعالى {ويستفتونك فى النساء قل الله يفتيكم فيهن} النساء 127، وقوله {أفتونى فى رؤياى} يوسف 43، وقوله سبحانه {فاستفتهم أهم أشد خلقا أم من خلقنا} الصافات 11، وفى الحديث الشريف (إن أربعة تفاتوا إليه عليه السلام) أى طلبوا منه الفتوى.
ومن هذا جاء الحديث الشريف أيضا (الإثم ما حاك فى صدرك وإن أفتاك الناس وأفتوك) أى وإن جعلوا لك فيه رخصة وأجازوه، وقد جاء هذا فى صحيح مسلم بلفظ (والإثم ما حاك فى نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس) .
وفى مسند أحمد بلفظ (والإثم ما حاك فى القلب وتردد فى الصدر وإن أفتاك الناس أفتوك) .
معنى الإفتاء شرعا يؤخذ مما قال به علماء الفقه وأصوله أن الإفتاء بيان حكم الله تعالى بمقتضى الأدلة الشرعية على جهة العموم والشمول.
وفى كتاب الموافقات للشاطبى (ج 4 ص 244 وما بعدها فى فتوى المجتهد بتصرف) المفتى قائم فى الأمة مقام النبى صلى الله عليه وسلم لأن العلماء ورثة الأنبياء كما يدل عليه الحديث الشريف (إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم) (فى الترغيب والترهيب للمنذرى بروايته وزيادات أخرى) .
ولأن المفتى نائب فى تبليغ الأحكام ففى الأحاديث الشريفة (ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب) (البخارى فى خطبته صلى الله عليه وسلم بمنى) و (بلغوا عنى ولو آية) (المرجع السابق فيما يذكر عن بنى اسرائيل ورواه أيضا أحمد والترمذى) و (تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم) (رواه أحمد وأبو داود والحاكم عن ابن عباس وهو حديث صحيح (وإذا كان كذلك فهو معنى كونه قائما مقام النبى.
مكانة الإفتاء جاء فى المجموع للإمام النووى شرح المهذب للشيرازى اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر كبير الموقع كثير الفضل، لأن المفتى وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وقائم بفرض الكفاية لكنه معرض للخطأ (ص 40 طبع ادارة الطباعة المنيرية 1344 هجرية) ولهذا قالوا المفتى موقع عن الله تعالى.
وفى الدر المختار للحصكفى وحاشيته رد المختار لابن عابدين الفاسق (ج 4 ص 418 فى كتاب القضاء) لا يصلح مفتيا لأن الفتوى من أمور الدين والفاسق لا يقبل قوله فى الديانات، ابن ملك، زاد العينى واختاره كثير من المتأخرين وجزم به صاحب المجمع فى متنه وهو قول الأئمة الثلاثة أيضا وظاهر ما فى التحرر أنه لا يحل استفتاؤه إتفاقا.
وفى كتاب الفروق للقرافى قال مالك لا ينبغى للعالم أن يفتى حتى يراه الناس أهلا للفتوى ويرى هو نفسه أهلا لذلك (ج 2 ص 110 مع هامشه تهذيب الفروق بتصرف) ، يريد ظهور أهليته عند العلماء وثبوتها.
وهذه المعانى مرددة فى عامة كتب فقهاء المذاهب تحرجا من التسرع فى الفتوى وفى هذا قال ابن القيم فى أعلام الموقعين كان السلف من الصحابة والتابعين يكر هو التسرع فى الفتوى ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده فى معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى (ج 1 ص 27 طبع إدارة الطباعة المنيرية وانظر كشاف القناع على فن الاقناع للبهوتى الحنبلى ج 6 ص 240 وما بعدها فى أحكام تتعلق بالفتيا) .
حكم الإفتاء تكاد نصوص (المجموع للنووى ج 1 ص 27، ص 45 والبحر الرائق لابن نجيم الحنفى ج 6 ص 290 والفروق للقرانى ج 4 ص 89، ومنتهى الارادات للبهوتى الحنبلى ج 4 ص 257 بهامش كشاف القناع) الفقهاء تتفق على أن تعليم الطالبين وإفتاء المستفتين فرض كفاية، فإن لم يكن وقت حدوث الواقعة المسئول عنها إلا واحد، تعين عليه، فإذا استفتى وليس فى الناحية غيره تعين عليه الجواب، فإن كان فيها غيره وحضر فالجواب فى حقهما فرض كفاية، وإن لم يحضر غيره وجهان أصحهما لا يتعين والثانى يتعين.
أول من قام بالإفتاء كان هذا مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان يفتى بوحى من الله سبحانه، كما تشير إليه آيات القرآن الكريم، وقد كانت الفتوى ينزل بها القرآن أو يخبر بها صلوات الله عليه وسلامه بجوامع كلمه مشتملة على فصل الخطاب، وهذه الأخيرة من السنة الشريفة فى المرتبة الثانية من كتاب الله تعالى، ما لم تنقل متواترة ليس لأحد من المسلمين العدول عن العمل بها أو القعود عن اتباعها، بل على كل مسلم الأخذ بها متى صحت امتثالا لقوله تعالى {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} الحشر 7، وقوله {فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} النساء 59، ومن بعده - صلى الله عليه وسلم - قام بالفتوى الفقهاء من الصحابة والتابعين، وقد أورد ابن حزم (الأحكام فى أصول الأحكام ج 5 ص 89 وما بعدها فى الباب الثامن والعشرين) رحمه الله تعالى، أسماء عدد كثير من الصحابة والتابعين الذين تصدوا للإفتاء، منسوبين إلى البلاد التى أفتوا فيها.
وأفاض فى تعداد المفتين من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين العلامة ابن القيم فى كتابه أعلام (ج 1 ص 8 إلى 31 الطبعة السابقة) الموقعين مبينا أصول فتاوى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى مقارنة بما لدى الأئمة الآخرين من أصول فى هذا الموضع.
من يتصدى للإفتاء فى الإسلام إن أمر الدين خطير وعظيم، من أجل هذا حرمي الله القول فيه بغير علم، بل وجعله فى المرتبة العليا من التحريم، ذلك - والله أعلم - قوله سبحانه {قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} الأعراف 33، وذلك أيضا - والله أعلم - قوله تعالى {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون} النحل 116، ففى الآية الأولى رتب الله الحكيم فى تشريعه المحرمات بادئا بأخفها الفواحش ثم مبينا ما هو أشد الإثم والظلم - ثم بكبيرها {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} وهذا عام فى القول فى ذات الله وصفاته ودينه وتشريعه.
وفى الآية الأخرى أبان الله سبحانه أنه لا يجوز للمسلم أن يقول أن هذا حرام وهذا حلال، إلا إذا علم أن الله سبحانه وتعالى حرمه أو أحله.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح أميره (بريدة) أن ينزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله وقال (فإنك لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك) وفى سنن أبى داود من حديث مسلم بن يسار قال سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (من قال على ما لم أقل فليتبوأ بيتا فى جهنم ومن أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه ومن أشار على أخيه بأمر يعلم الرشد فى غيره فقد خانه) ومن هذا نعلم خطر الفتوى بدون علم، لأن الفتوى تعتبر شريعة عامة تشيع بين الناس فتعم المستفتى وغيره، فوجب الإلتزام بالإفتاء بنصوص الشريعة والتوقف إذا عز البيان.
ولقد كان من ورع الأئمة المجتهدين إطلاق لفظ الكراهة على ما يرونه محرما تحرزا من القول بالتحريم الظاهر فى أمر لم يقطع به نص شرعى وخروجا من مظنة الدخول فى نطاق قول الله سبحانه {قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون} يونس 59، الحلال ما أحله الله ورسله، والحرام ما حرمه الله ورسوله (من اعلام الموقعين لابن القيم ج 1 ص 31 36 بتصرف (ومن ثم كان حتما أن تتوافر فيمن يتصدى للافتاء الأهلية التامة، وقد اختلفت كلمة فقهاء المذاهب فى مدى الأهلية للافتاء ففى الفقه الحنفى أنه لا يفتى إلا المجتهد (البحر الرائق لابن نجيم المصرى شرح كنز الدقائق ج 6 ص 289 وما بعدها) ، فقد استقر رأى الأصوليين على أن المفتى هو المجتهد فأما غير المجتهد ممن حفظ أو يحفظ أقوال المجتهدين فالواجب عليه إذا سئل أن ينسب القول الذى يفتى به لقائله على جهة الحكاية عنه، وطريق نقل أقوال المجتهدين أحد أمرين.
الأول أن ينقله من أحد الكتب المعروفة المتداولة نحو كتب محمد بن الحسن وأمثالها من التصانيف المشهورة، لأنه وقتئذ بمنزلة الخبر المتواتر والمشهور.
الثانى أن يكون له سند فيه بأن تلقاه رواية عن شيوخه.
وفى الفقه المالكى: قال ابن رشد فى صفة المفتى إن الجماعة التى تنسب إلى العلوم وتتميز عن جملة العوام بالحفظ والفهم ثلاث طوائف (مواهب الجليل مع التاج والاكليل كلاهما شرح مختصر سيدى خليل ج 6 ص 94، 95) .
الأولى طائفة تبعت مذهب مالك تقليدا بغير دليل، فحفظت مجرد أقواله وأقوال أصحابه فى مسائل الفقه دون التفقه فيها للتعرف على صحيحها والبعد عن سقيمها .
الثانية طائفة تبعت المذهب لما بان لها من صحة الأصول التى انبنى عليها وحفظ أقوال إمامه وأقوال أصحابه فى مسائل الفقه وفقهت معانيها وعلمت صحيحها وسقيمها ولكنها لم تبلغ درجة معرفة قياس الفروع على الأصول.
الثالثة طائفة تبعت المذهب لما انكشف لها صحة اصوله لكونها عالمة بأحكام القرآن والسنة عارفة بالناسخ والمنسوخ والمفصل والمجمل والعام والخاص والمطلق والمقيد، جامعة لأقوال العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار، حافظة لما كان موضع وفاق وما جرى فيه الخلاف.
ولا تجوز الفتوى للطائفة الأولى وإن كان لها العمل بما علمت، وللطائفة الثانية أن تفتى بما علمته صحيحا من قول إمام المذهب وغيره من فقهائه، أما الطائفة الثالثة فهى الأهل للفتوى عموما.
وفى الفقه الشافعى أن المفتين قسمان مستقل وغير مستقل (المجموع للنووى شرح المذهب للشيرازى ج 1 ص 42 وما بعدها) .
القسم الأول المفتى المستقل، وشرطه معرفة أدلة الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وما يشترط فى هذه الأدلة ووجوه دلالتها واستنباط الأحكام منها على ما هو مفصل فى علم أصول الفقه، واشتراط حفظ مسائل الفقه إنما هو فى المفتى الذى يتأدى به فرض الكفاية ولا يشترط هذا فى المستقل المجتهد.
القسم الثانى المفتى غير المستقل، وهو المنتسب لأحد المذاهب تكون فتواه نقلا لقول إمام المذهب أو أحد أصحابه المجتهدين، ويتأدى به فرض الكفاية، وله أن يفتى بما لا نص فيه لإمامه تخريجا على أصوله إذا توافرت فيه شروط التخريج، وجملتها علمه بفقه المذهب واصوله وأدلته تفصيلا ووجوه القياس، أما من يحفظ مسائل فقه المذهب دون بصر بالأدلة والأقيسة، فهذا لا تجوز له الفتوى إلا بما يجده منقولا عن إمام وتفريعات المجتهدين فى المذهب، وما لا يوجد منقولا ويتدرج تحت قاعدة عامة من قواعد المذهب، أو يلتحق بفرع من فروعه ظاهر المأخذ جازت له الفتوى وإلا أمسك عنها.
وفى فقه مذهب الإمام أحمد بن حنبل (روضة الناظر وأصول الفقه لابن قدامة المقدى ج 2 ص 441) أن المجتهد الظان بالحكم لا يقلد غيره، وأن العامى المحض يقلد غيره وأن من توافرت لديه أهلية الاجتهاد ولكنه لم يجتهد مختلف فيه، والأظهر أنه لا يقلد، ويلحق به من اجتهد بالفعل ولم يظن الحكم، لتعارض الأدلة أو غيره، أما المتمكن فى بعض الأحكام دون البعض فالأشبه أنه يقلد لأنه عامى من وجه ويحتمل أن لا يقلد لأنه مجتهد من وجه.
وفى أعلام الموقعين لابن القيم (ج 1 ص 8 وما بعدها) ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضى السيرة عدلا فى أقواله وأعماله متشابه السر والعلانية فى مدخله ومخرجه وأحواله وأن يعلم قدر المقام الذى أقيم فيه، ولا يكون فى صدره حرج من قول الحق والصدع به فإن الله ناصره وهاديه.
آداب المفتى فى الفقه الحنفى (الفتاوى الهندية ج 3 ص 309، 310 والبحر الرائق لابن نجيم ج 6 ص 291، 292) أن الإفتاء فيما لم يقع غير واجب وأنه يحرم التساهل فى الفتوى واتباع الميل ولا ينبغى الإفتاء إلا لمن عرف أقاويل العلماء وعرف من أين قالوا فإن كان فى المسألة خلاف لا يختار قولا يجيب به حتى يعرف حجته، والفتوى جائزة من كل مسلم بالغ عاقل حافظ للروايات واقف على الدرايات محافظ على الطاعات مجانب للشهوات والشبهات سواء كان من توافر فيه كل هذا رجلا أو امرأة، شيخا أو شابا.
وقد أفصح فقهاء المالكية (التاج والاكليل للحطاب مع مواهب الجليل ج 6 ص 91 وما بعدها) والشافعية (المجموع للنووى شرح المهذب ج 1 ص 45 وما بعدها) والحنابلة (كشاف القناع للبهوتى الحنبلى ج 6 ص 242 وما بعدها) عن آداب المفتى بما يقرب من هذه المعانى.
ولقد أفاض ابن القيم (أعلام الموقعين ج 4 ص 136 وما بعدها) فى بيان آداب الفتوى فأورد فوائد جمة للمفتى والمستفتى يحسن بكل من يتصدى للإفتاء فى دين الله وشرعه أن يحصلها.
وقد روى عن الإمام أحمد بن حنبل (كشاف القناع سالف الذكر ص 240) قوله لا ينبغى أن يجيب المفتى فى كل ما يستفتى فيه، ولا ينبغى للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال.
احداها أن يكون له نية أى أن يخلص فى ذلك لله تعالى ولا يقصد رياسة أو نحوها.
والثانية أن يكون على علم وحلم ووقار وسكينة وإلا لم يتمكن من بيان الأحكام الشرعية.
الثالثة أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته.
الرابعة الكفاية وإلا أبغضه الناس، فإنه إذا لم يكن له كفاية احتاج إلى الناس وإلى الأخذ مما فى أيديهم فيتضررون منه.
الخامسة معرفة الناس، أى أنه يجب عليه أن يعرف نفسية المستفتى وأن يكون ذا بصيرة نافذة يدرك بها أثر فتواه وانتشارها بين الناس.
ولقد أبرز الإمام الشاطبى (الموافقات ج 4 ص 258 وما بعدها طبع المكتبة التجارية تحقيق المرحوم الشيخ عبد الله دراز) ما ينبغى أن يكون عليه المفتى باعتباره هاديا ومرشدا وأن فتواه مدار لإصلاح الناس فقال المفتى البالغ ذروة الدرجة هو الذى يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور، فلا يذهب بهم مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرق الانحلال.
والدليل على صحة هذا أنه الصراط المستقيم الذى جاءت به الشريعة لأن مقصد الشارع من المكلف الحمل على التوسط من غير إفراط ولا تفريط ثم أورد الأدلة على هذا المذهب من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأضاف أن الميل إلى الرخص فى الفتوى بإطلاق يكون مضادا للمشى على التوسط كما أن الميل إلى التشديد مضاد له أيضا.
ومن ثم كان على المفتى أن يعالج حال الناس بالرخص التى سهل الله بها لعباده كإباحة المحظورات عند الضرورات، فإذا أدت العزيمة إلى الضيق كانت الرخصة أحب إلى الله من العزيمة {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} البقرة 185، {وما جعل عليكم فى الدين من حرج} الحج 78، والذى يحذره المفتى أن يتحرى الفتوى بالقول الذى يوافق هوى المستفتى، لأن اتباع الهوى ليس من المشقات التى يترخص بسببها، والخلاف بين المجتهدين رحمة، والشريعة حمل على الوسط لا على مطلق التخفيف ولا على مطلق التشديد، ثم قال الشاطبى إذا ثبت أن الحمل على التوسط هو الموافق لقصد الشارع وهو الذى كان عليه السلف الصالح، فلينظر المقلد أى مذهب كان أجرى على هذا الطريق، فهو أخلق بالاتباع وأولى بالاعتبار، وإن كانت المذاهب كلها طرقا إلى الله ولكن الترجيح فيها لابد منه لأنه أبعد من اتباع الهوى.
هذا فإذا كان المفتى لم تتوافر لديه أدوات الاجتهاد وشروطه فهل له أن يتخير من أقوال فقهاء المذاهب ما يكون أيسر للناس لا نزاع فى أن المفتى إذا استطاع أن يميز بين الأدلة ويختار من فقه المذاهب المنقولة نقلا صحيحا على أساس الاستدلال كان له أن يتخير فى فتواه ما يراه مناسبا، ولكن عليه أن يلتزم فى هذا بأربعة قيود (الموافقات للشاطبى ج 4 ص 139 وما بعدها) .
الأول ألا يختار قولا ضعف سنده.
الثانى أن يختار ما فيه صلاح أمور الناس والسير بهم فى الطريق الوسط دون إفراط أو تفريط.
الثالث أن يكون حسن القصد فيما يختار مبتغيا به رضا الله سبحانه متقيا غضبه، وغير مبتغ إرضاء حاكم أو هوى مستفت.
الرابع ألا يفتى بقولين معا على التخيير مخافة أن يحدث قولا ثالثا لم يقل به أحد.
ولا تجوز (كشاف القناع للبهوتى الحنبلى ج 6 ص 242) الفتوى فى علم الكلام، بل ينهى عنها ولا يجوز للمفتى أن يفتى فيما يتعلق باللفظ كالطلاق والأيمان والأقارير بما اعتاده هو من فهم تلك الألفاظ أو بمعناها لغة وإنما عليه أن يتعرف عرف أهلها والمتكلمين بها ويحملها على ما اعتادوه وعرفوه، وإن كان الذى اعتادوه مخالفا لحقائق هذه الألفاظ اللغوية، لأن الأيمان وأمثالها مبناها العرف، بمعنى أن ما تعارف عليه الناس من معنى اللفظ مقدم على حقيقته المهجورة.
وحقيق بالمفتى أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.
اهدنى لما اختلفت فيه من الحق بإذنك إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم) ويقول إذا أشكل عليه شىء يا معلم إبراهيم علمنى.
للخبر الوارد فى ذلك.
آداب المستفتى قال الإمام الشاطبى فى الموافقات (ج 4 ص 262 وراجع فى هذا المعنى أيضا - البحر الرائق لابن نجيم المصرى الحنفى ج 6 ص 290، 291 والحطاب وبهامشة التاج والأكليل فى فقه مالك ج 1 ص 32 وج 6 ص 92 وما بعدها.
والمجموع للنوى شرح المهذب للشيرازى الشافعى ج 1 من ص 54 إلى ص 58 وكشاف القناع للبهوتى الحنبلى ج 6 ص 246) إن السائل لا يصح له أن يسأل من لا يعتبر فى الشريعة جوابه لأنه إسناد أمر إلى غير أهله والإجماع على عدم صحة مثل هذا لأن السائل إذا سأل من ليس أهلا لما سئل عنه فكأنما يقول له أخبرنى عما لا تدرى وأنا أسند أمرى لك فيما نحن بالجهل فيه سواء.
ويؤخذ من هذا أن المسلم إذا جهل أمرا من أمور دينه وجب عليه أن يسأل من هو أهل لإفادته وأن يتحرى ذلك كالمريض الذى يبحث عن الطبيب المتخصص فيما ألم به، ونحن نرى فى واقعنا كيف يجهد الإنسان نفسه وغيره من المحيطين به فى السؤال والتقصى عن طبيب اشتهر فى علاج داء من الأدواء الجسدية أو النفسية فأولى تصحيحا لالتزاماتنا الدينية ألا نلجأ فى الاستفتاء فى أمور الدين إلا لأهل الذكر فيها إمتثالا لقول الله تعالى تعليما وتوجيها {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} الأنبياء 7، ويجب على السائل أن يتجه بسؤاله عن المفيد فى أمر التكليف فى دينه يرشدنا إلى هذا قول الله تعالى {يسألونك عن الأهلة قل هى مواقيت للناس والحج} البقرة 189، فالسؤال فى هذه الآية كان مقصودا به بيان حالات الهلال كيف يولد ولم يبد فى أول الشهر دقيقا كالخيط ثم يتسع ويكبر بمضى الأيام حتى يصير بدرا ثم يعود إلى حالته الأولى ولكن الجواب فى الآية كان صارفا للسائلين عن هذا القصد موجها لهم إلى ما ينبغى السؤال عنه وهو ما يتعلق بالهلال من أحكام شرعية ومواقيت وهذا من الأسلوب الحكيم الذى أريد به توجيه السائل إلى ما هو الأليق بحاله فى السؤال بتوجيه الفكر إلى ثمرة من ثمرات طريق سير الهلال فى مجراه بدلا من الدخول فى مناقشات قد لا يفهمها السائل بل ويعسر فهمها على الكثيرين.
ومن هذا القبيل جواب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لسائله عن الساعة أى القيامة بقوله - ماذا أعددت لها إذا صرفه هذا جواب إلى ما ينبغى عمله والاستعداد به.
آداب الفتوى تحدث الفقهاء عن هذه الآداب فى نواحى شتى بدور أكثرها على طريقة تفهم السؤال والإجابة عليه، وحفظ الترتيب والعدل بين المستفتين فلا يميل إلى الأغنياء وذوى النفوذ ويقدم أجوبتهم على الفقراء ولا يجوز الإفتاء بقول مهجور جدا لمنفعة يرجوها، ويلزم المفتى أن يبين الجواب بيانا يزيل الإلتباس، وليكتب بخط واضح بعبارة واضحة صحيحة تفهمها العامة ولا يزدريها الخاصة، وعليه أن يعيد النظر فيما كتب للاستيثاق من صحته وسلامته وعدم إخلاله ببعض المسئول عنه، واستحسن الفقهاء كذلك للمفتى أن يبدأ فتاويه بالدعاء ببعض الأدعية المأثورة طلبا للتوفيق من الله سبحانه وأن يختصر جوابه ويكون بحيث تفهمه العامة، ولا يميل مع المستفتى أو مع خصمه، ولا يفتى فيما تدفع به الدعاوى، وينبغى للمفتى إذا رأى للسائل طريقا يرشده إليه أن ينبهه عليه ما لم يضر غيره ضررا دون حق كمن حلف لا ينفق على زوجته يفتى بأن يعطيها قرضا أو بيعا ثم يبريها وكما حكى أن رجلا قال لأبى حنيفة رحمه الله حلفت أن أطأ امرأتى فى نهار رمضان ولا أكفر ولا أقضى فقال سافر بها.
ولا يسوغ لمفت إذا استفتى أن يتعرض لجواب غيره برد ولا تخطئة ويجيب بما عنده من موافقة أو مخالفة، وليس بمنكر أن يذكر المفتى فى فتواه الحجة إذا كانت نصا واضحا مختصرا لاسيما إذا أفتى فقيها أما إذا أفتى عاميا فلا يذكر الحجة، والأولى أن يبين فى المسائل الخلافية سند ومصدر القول الذى أفتى به (البحر الرائق لابن نجيم المصرى الحنفى ج 6 ص 292 والحطاب والتاج والأكليل فقه مالكى ج 6 ص 295، 296 والمجموع للنووى شرح المهذب للشيرازى ج 1 ص ق47 - 54 والفقيه والمتفقه للخطيب ج 2 ص 182 إلى 194 وكشاف القناع للبهوتى الحنبلى ج 6 ص 34 إلى 246) .
الإفتاء والقضاء المفتى مخبر عن الحكم للمستفتى والقاضى ملزم بالحكم وله حق الحبس والتعزيز عند عدم الامتثال كما أن له إقامة الحدود والقصاص (تاريخ القضاء فى الإسلام للقاضى محمود عرنوس ص 160) وفى الفقه المالكى (تهذيب الفروق بهامش الفروق للقرافى ج 4 ص 89 92) قاعدة الفتوى وقاعدة الحكم وإن كان كل منهما خبرا عن الله تعالى ويجب على السامع اعتقاد ذلك ويلزم المكلف.
إلا أن بينهما فرقا من وجهين.
الأول أن الفتوى محض إخبار عن الله تعالى فى إلزام أو إباحة، أما الحكم فاخبار مآله الإنشاء والألزام، فالمفتى - مع الله تعالى - كالمترجم مع القاضى ينقل عنه ما وجده عنده وما استفاده من النصوص الشرعية بعبارة أو إشارة أو فعل أو تقرير أو ترك، والحاكم (القاضى) - مع الله تعالى - كنائب ينفذ ويمضى ما قضى به - موافقا للقواعد - بين الخصوم.
والوجه الثانى أن كل ما يأتى فيه الحكم تتأتى فيه الفتوى ولا عكس.
ذلك أن العبارات كلها لا يدخلها الحكم (القضاء) ، وإنما تدخلها الفتيا فقط فلا يدخل تحت القضاء الحكم بصحة الصلاة أو بطلانها وكذلك أسباب العبادات كمواقيت الصلاة ودخول شهر رمضان وغير هذا من أسباب الأضاحى والكفارات والنذور والعقيقة لأن القول فى كل ذلك من باب الفتوى وإن حكم فيها القاضى ومن ثم كانت الأحكام الشرعية قسمين.
الأول ما يقبل حكم الحاكم مع الفتوى فيجتمع الحكمان كمسائل المعاملات من البيوع والرهون والإيجارات والوصايا والأوقاف والزواج والطلاق.
الثانى ما لا يقبل إلا الفتوى كالعبادات وأسبابها وشروطها وموانعها.
وتفارق الفتوى القضاء فى أن هذا الأخير إنما يقع فى خصومة يستمع فيها القاضى إلى أقوال المدعى والمدعى عليه ويفحص الأدلة التى تقام من بينة وإقرار وقرائن ويمين، أما الفتوى فليس فيها كل ذلك وإنما هى واقعة يبتغى صاحبها الوقوف على حكمها من واقع مصادر الأحكام الشرعية.
ويختلف المفتى والقاضى عن الفقيه المطلق بأن القضاء والفتوى أخص من العلم بالفقه لأن هذا أمر كلى يصدق على جزئيات أو قواعد متنوعة وبعبارة أخرى فإن عمل المفتى والقاضى تطبيقى وعمل الفقيه تأصيل لقاعدة أو تفريع على أصل مقرر.
هذا ولا تختلف كلمة المذاهب الأخرى عما تقدم فى هذا الموضع (المجموع للنوى شرح المهذب ج 1 ص 41، 42 وكشاف القناع للبهوتى الحنبلى ج 6 ص 240) .
متى تكون الفتوى ملزمة تقدم القول إن الفتوى مجرد بيان حكم الشرع فى الواقعة المسئول عنها وبهذا ليس فيها أولها قوة الإلزام ومع هذا تكون ملزمة للمستفتى فى الوجوه التالية.
الأول التزام المستفتى العمل بالتقوى.
الثانى شروعه فى تنفيذ الحكم الذى كشفته الفتوى.
الثالث إذا اطمأن قلبه إلى صحة الفتوى والوثوق بها لزمته.
الرابع إذا قصر جهده على الوقوف على حكم الواقعة ولم يجد سوى مفت واحد لزمه الأخذ بفتياه، أما إذا وجد مفتيا آخر فإن توافقت فتواهما لزم العمل بها وإن اختلفتا فإن استبان له الحق فى إحداهما لزمه العمل بها وإن لم يستبن له الصواب لوم يتيسر له الاستيثاق بمفت آخر كان عليه أن يعمل بقول المفتى الذى تطمئن إليه نفسه فى دينه وعلمه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم (استفت نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك) (تاريخ القضاء فى الإسلام للقاضى محمود عرنوس ص 174 المطبعة المصرية الأهلية الحديثة بالقاهرة سنة 1934 والدر المختار للحصكفى ورد المختار لابن عابدين ج 4 ص 315 فى كتاب القضاء) .
هل للقاضى أن يفتى اختلفت نقول الفقهاء فى هذا الموطن ففى الفقه الحنفى يفتى القاضى ولو فى مجلس القضاء من لم يخاصم إليه هذا هو الصحيح.
قال ابن عابدين وفى الظهيرية ولا بأس للقاضى أن يفتى من لم يخاصم إليه ولا يفتى أحد الخصوم فيما خوصم إليه فيه وفى الخلاصة.
القاضى هل يفتى فيه أقاويل والصحيح لا بأس به فى مجلس القضاء وغيره من الديانات والمعاملات وفى كافى الحاكم أكره للقاضى أن يفتى فى القضاء للخصوم كراهة أن يعلم خصمه قوله فيحترز منه بالباطل وفى معين الحكام لا يفتى القاضى فى مسائل الخصومات لأهل بلده لئلا يحترز الخصم بالباطل وأما إلى غيره فلا بأس.
وفى الفقه الشافعى (المجموع للنووى ج 1 ص 41، 42) نقل الخطيب أن القاضى كغيره فى الفتيا بلا كراهة هذا هو الصحيح المشهور من مذهبنا، وفى تعاليق الشيخ أبى حامد أن له الفتوى فى العبادات ومالا يتعلق بالقضاء أما ما يتعلق بالقضاء فوجهان لأصحابنا.
أحدهما ليس له أن يفتى فى مسائل الأحكام، لأن لكلام الناس عليه مجالا ولأحد الخصمين عليه مقالا.
والثانى للأصحاب أيضا للقاضى أن يفتى فى مسائل الأحكام كغيرها لأنه أهل لها.
وقال ابن المنذر - تكره الفتوى فى مسائل الأحكام الشرعية وقال شريح أنا أقضى ولا أفتى (أعلام الموقعين لابن القيم ج 4 ص 192) .
وفى الفقه الأباضى (كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد يوسف أطفيش ج 6 ص 558) ويكره للقاضى أن يفتى فى الأحكام إذا سئل عنها وإن أفتى فى أمور الدين جازو عن عمر أنه كتب إلى شريح لا تسارر إلا أحد فى مجلسك ولا تبع ولا تتبع ولا تفت فى مسألة من الأحكام ولا تضر ولا تضار وقال العاصمى ومنع الإفتاء للحكام فى كل ما يرجع للخصام.
وأجيز الإفتاء فى مسألة عامة لا فى خصومة معينة.
ولعله وضح من هذا أمر من كرهوا للقاضى الإفتاء فيما تثور فيه الخصومات أمامه أقوى حجة وأولى بالاتباع لأنه يبتعد بالقاضى عن مظان التهم ويضمن حياده بين الخصوم.
ماذا لو رجع المفتى عن فتواه، أو تغير اجتهاده قال ابن القيم إذا أفتى المفتى بشىء ثم رجع عنه فإن على المستفتى برجوعه ولم يكن عمل بالأول فقيل يحرم العمل به، وقيل إنه لا يحرم عليه الأول بمجرد رجوع المفتى، بل يتوقف المستفتى حتى يسأل غير المفتى، فإن أفتاه بما يوافق الأول استمر على العمل به وإن أفتاه برأى آخر ولم يفته أحد بما خالف الخير حرم عليه العمل بالأول، وإن لم يكن فى البلد إلا مفت واحد، سأله عن رجوعه عما أفتاه به، فإن كان رجوعه إلى اختيار قول آخر مع تسويغه الأول لم يحرم عليه، وإن كان رجوعه لخطأ بان له وأن ما افتاه به لم يكن صوابا حرم عليه العمل بالأول إذا كان رجوعه لمخالفة دليل شرعى، أما إذا كان رجوعه لمجرد أنه بان له أن ما أفتى به خلاف مذهبه لم يحرم على المستفتى العمل بالفتوى الأولى، إلا أن تكون المسألة إجماعية، فلو تزوج المستفتى بالفتوى ودخل بالزوجة ثم رجع المفتى لم يحرم عليه إمساك امرأته إلا بدليل شرعى يقتضى تحريمها ولا يجب عليه مفارقتها بمجرد رجوعه ولا سيما إذا كان الرجوع لما تبين له من مخالفة مذهبه وإن وافق مذهب غيره.
وإذا تغير اجتهاد المفتى فهل يلزمه إعلام المستفتى اختلف فى ذلك، فقيل لا يلزمه لأنه عمل أولا بما يسوغ له، فإذا لم يعلم ببطلانه لم يكن آثما فهو فى سعة من استمراره، وقيل بل يلزمه إعلامه، لأن ما رجع عنه قد اعتقد بطلانه وبان له أن ما أفتاه به ليس من الدين فيجب عليه إعلامه، والصواب التفصيل فإن كان المفتى ظهر له الخطأ قطعا لكونه خالف نص الكتاب أو السنة التى لا معارض لها أو خالف إجماع الأمة فعليه إعلام المستفتى، وإن كان إنما ظهر له أنه خالف مجرد مذهبه أو نص إمامه لم يجب عليه إعلام المستفتى (اعلام الموقعين ج 4 ص 195، 196 وا8لمجموع للنووى ج 1 ص 45، 46 ومختصر الطحاوى - فقه حنفى ص 327 وقوانين الأحكام الشرعية لابن جزى المالكى ص 322 طبعة دار العلم بيروت 1974 تحقيق الأستاذ عبد العزيز سيد الأهل) .
ماذا لو أخطأ المفتى فى أعلام الموقعين لابن القيم (ج 4 ص 196 197 الطبعة السابقة) خطأ المفتى كخطأ الحاكم (القاضى) والشاهد وقد اختلفت الرواية فى خطأ الحاكم فى النفس أو الطرف.
فعن الإمام أحمد فى ذلك روايتان - احدهما - أنه فى بيت المال لأنه يكثر منه ذلك الحكم فلو حملته العاقلة لكان ذلك إضرارا عظيما بهم والثانية أنه على عاقلته كما لو كان الخطأ بسبب غير الحاكم، أما خطؤه فى المال فإذا حكم بحق ثم بان كفر الشهود أو فسقهم نقض حكمه، ثم رجع المحكوم عليه ببدل المال على المحكوم له.
وكذلك إذا كان الحكم بقود رجع أولياء المقتول ببدله على المحكوم له وإذا كان الحكم بحق لله بإتلاف مباشر أو بالسراية ففيه ثلاثة أوجه أحدها أن الضمان على المزكين لأن الحكم إنما وجب بتزكيتهم.
والثانى يضمنه الحاكم لأنه لم يثبت، بل فرط فى المبادرة إلى الحكم وترك البحث والاستقصاء.
والثالث أن للمستحق تضمين أيهما شاء وعن أحمد رواية أخرى أنه لا ينقض بفسق الشهود، وعلى هذا إذا استفتى الإمام أو الوالى مفتيا فأفتاه ثم بان له خطؤه فحكم المفتى مع الإمام حكم المزكين مع الحاكم (القاضى) وإن عمل المستفتى بفتواه من غير حاكم ولا إمام فأتلف نفسا أو مالا، فإن كان المفتى أهلا فلا ضمان عليه والضمان على المستفتى وإن لم يكن أهلا فعليه الضمان لقول النبى - صلى الله عليه وسلم - (من تطبب ولم يعرف منه طب فهو ضامن) وهذا يدل على أنه إذا عرف منه طب وأخطأ لم يضمن، والمفتى أولى بعدم الضمان من الحاكم والإمام.
وفى الفقه الحنفى (الدر المختار وحاشية ابن عابدين رد المحتار ج 4 كتاب القضاء ص 335 360 والأشباه والنظائر لابن نجيم مع حاشية الحموى فى ذات الموضع ص 355 ومجمع الضمانات ص 364 آخر الباب الثلاثين) أن خطأ القاضى تارة يكون فى بيت المال، وهو إذا أخطأ فى حد ترتب عليه تلف نفس أو عضو، وتارة يكون فى مال المقضى له وهذا إذا أخطأ فى قضائه فى الأموال، وتارة يكون هدرا وهو إذا أخطأ فى حد ولم يترتب على ذلك تلف نفس أو عضو كحد الشرب مثلا، وتارة يكون فى مال القاضى وهو ما إذا تعمد الجور.
ولقد نص الفقه المالكى (مواهب الجليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 202 فى الرجوع عن الشهادة) على أن القاضى لو علم بكذب الشهود فحكم بالجور وأرق الدماء كان حكمه حكم الشهود إذا لم يباشر القتل بنفسه، بل أمر به من تلزمه طاعته، وفى المدونة إن أقر القاضى أنه رجم أو قطع الأيدى أو جلد تعمدا للجور أقيد منه وهو ظاهر فى أن القود يلزم القاضى وإن لم يباشر ومن هذا النص وغيره مما ساقه فقهاء المالكية يتضح أن حكم الشاهد فى الرجوع عن الشهادة يسرى على القاضى والمفتى بالبيان السابق نقله عن ابن القيم.
وقد جرى الفقه (حواشى تحفة المحتاج بشرح المنهاج ج 10 ص 280 وما بعدها) الشافعى فى بيان حكم خطأ القاضى والمفتى والشهود على نحو ما ردده فقهاء المذاهب الثلاثة فيما سبق.
ويخلص مما تقدم أن خطأ المفتى والقاضى يكون ضمانه فى بيت المال إذا ثبت أنهما جدا واجتهدا فى الفحص واستقصاء الوقائع والأدلة ولم يقصرا فى البحث بمقارنة الحجج والبيانات والتعرف على عدالة الشهود واستظهار دلالة الشهادة.
ثم الوصول إلى الحكم الشرعى فى الواقعة.
أما إذا ثبت تقصير المفتى أو القاضى وقعوده عن التقصى فيما هو مطروح أمامه كان ضامنا لما أفسده بفتواه أو قضائه لاسيما إذا كان المفتى غير أهل للفتيا، كما تقدم.
المصادر التى يعتمد عليها المفتى والقاضى غير المجتهد قال الشيخ عز الدين (تاريخ القضاء فى الإسلام للقاضى محمود عرنوس 154، 155) بن عبد السلام وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء فى هذا العصر على جواز الاعتماد عليها لأن الثقة قد حصلت فيها، كما تحصل بالرواية، ولذلك فقد اعتمد الناس على الكتب المشهورة فى النحو واللغة والطب وسائر العلوم لحصول الثقة وبعد التدليس، ومن اعتقد أن الناس قد اتفقوا على الخطأ فى ذلك لهو أولى بالخطأ منهم، ولولا جواز ذلك لتعطل كثير من المصالح.
ومثل هذا ذكره القرافى (المرجع السابق فى ذات الموضع) فى كتابه الأحكام فى تمييز الفتيا عن الأحكام وتصرفات القاضى والأمام قال كان الأصل يقتضى ألا تجوز الفتيا إلا بما يرويه العدل عن المجتهد الذى يقلده المفتى حتى يصح ذلك عند المفتى كما تصح الأحاديث عند المجتهد، لأنه نقل فى دين الله فى الموضعين، وعلى هذا كان ينبغى أن يحرم غير ذلك غير أن الناس توسعوا فى هذا العصر، فصاروا يفتون من كتب يطالعونها من غير رواية وهو خطر عظيم فى الدين وخروج عن القواعد، غير أن الكتب المشهورة لأجل شهرتها بعدت بعدا شديدا عن التحريف والتزوير فاعتمد الناس عليها اعتمادا على ظاهر الحال.
ونقل المواق فى التاج والإكليل (التاج والاكليل على هامش مواهب الجليل للحطاب ج 6 ص 88) قول ابن عبد السلام مواد الاجتهاد فى زماننا أيسر منها فى زمن المتقدمين لو أراد الله بنا الهداية.
وقال الكمال (فتح القدير على الهداية ج 5 ص 456، 457 طبعة أولى المطبعة الأميرية 1316 هجرية) بن الهمام الحنفى إن طريق النقل عن المجتهد أحد أمرين إما أن يكون له سند فيه أو يأخذه عن كتاب معروف تداولته الأيدى نحو كتب محمد بن الحسن لأنه بمنزلة الخبر المتواتر أو المشهور وبمثل هذا قال ابن نجيم المصرى الحنفى فى كتابه البحر الرائق شرح كنز الدقائق (ج 6 ص 289 إلى 292) وقد تقدم.
التحقق من الصلاحية للفتوى روى الخطيب (كتابه الفقيه والمتفقه المجلد الثانى ج 7 ص 125 - 154 الطبعة الأولى طبعة دار الافتاء السعودية سنة 1389 هجرية وأعلام الموقعين لابن القيم ج 4 ص 180، 181) أبو بكر الحافظ البغدادى بسنده عن أبى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج فى آخر الزمان رجال - وفى رواية - قوم رءوس جهال يفتون الناس فيضلون ويضلون وروى بسنده أيضا عن مالك قال أخبرنى رجل أنه دخل على ربيعة بن عبد الرحمن فوجده يبكى فقال ما يبكيك وارتاع لبكائه، فقال أدخلت عليك مصيبة فقال لا ولكن استفتى من لا علم له وظهر فى الإسلام أمر عظيم ثم عقب الشيخ أبو بكر الحافظ رحمه الله بقوله ينبغى لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المفتين، فمن كان يصلح للفتوى اقره عليها ومن لم يكن من أهلها منعه منها وتقدم إليه بألا يتعرض لها وأوعده بالعقوبة إن لم ينته عنها وقد كان الخلفاء من بنى أمية ينصبون للفتوى بمكة فى أيام الموسم قوما يفتونهم ويأمرون بألا يستفتى غيرهم.
وروى أيضا بسنده (المرجع السابق ص 168) عن محمد بن سماعة قال سمعت أبا يوسف يقول سمعت أبا حنيفة يقول من تكلم فى شىء من العلم وتقلده وهو يظن أن الله لا يسأله عنه كيف أفتيت فى دين الله فقد سهلت عليه نفسه ودينه.
وفى ذات الموضع أيضا قول الإمام أبى حنيفة لولا الفرق من الله تعالى أن يضيع العلم.
ما افتيت أحدا يكون له المهنأ وعلى الوزر.
وقد نقل ابن نجيم الحنفى فى البحر (ج 6 ص 286) الرائق عن شرح الروض أنه ينبغى للإمام أن يسأل أهل العلم المشهورين فى عصره عمن يصلح للفتوى ليمنع من لا يصلح ويتوعده بالعقوبة إذا عاد.
كما نقل البهوتى الحنبلى فى كتابه (ج 6 ص 241) كشاف القناع قول الخطيب البغدادى ويبنغى للإمام أن يتصفح أحوال المفتين فمن صلح للفتيا أقره ومن لا يصلح نهاه ومنعه وحكى ما نقل عن الإمام مالك من أقوال فى هذا الشأن.
ومن هذا الفقه نستبين أن الفتوى خطيرة الأثر.
وقد قيل إن حكم الله ورسوله يظهر على أربعة ألسنة لسان الراوى ولسان المفتى ولسان الحاكم (القاضى) ولسان الشاهد فالراوى يظهر على لسانه حكم الله ورسوله والمفتى يظهر على لسانه معناه وما استنبطه من لفظه والحاكم يظهر على لسانه الأخبار بحكم الله وتنفيذه والشاهد يظهر على لسانه الإخبار بالسبب الذى يثبت حكم الشارع والواجب على هؤلاء الأربعة أن يخبروا بالصدق المستند إلى العلم فيكونون عالمين بما يخبرون به صادقين فى الإخبار به.. ومن التزم الصدق والبيان والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما (أعلام الموقعين لابن القيم ج 4 ص 152 الطبعة السابقة) .
هذا وقد عرض سلطان العلماء العز بن عبد السلام لعدة أمور فى الاجتهاد والتقليد فى كتابه قواعد (ج 2 ص 151 154) الأحكام فى مصالح الأنام تحت عنوان قاعدة فيمن تجب طاعته ومن تجوز طاعته ومن لا تجوز طاعته.
فقال لا طاعة لأحد المخلوقين إلا لمن أذن الله فى طاعته كالرسل والعلماء والأئمة والقضاة والولاة والآباء والأمهات والسادات والأزواج والمستأجرين فى الإجارات على الأعمال والصناعات ولا طاعة لأحد فى معصية الله عز وجل لما فيه من المفسدة الموبقة فى الدارين أو فى أحدهما، فمن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة له، إلا أن يكره إنسانا على أمر يبيحه الإكراه فلا إثم على مطيعه وقد تجب طاعته ولا لكونه آمرا بل لدفع مفسدة ما يهدده به من قتل أو قطع أو جناية على بضع، ولو أمر الإمام أو الحاكم إنسانا بما يعتقد الآمر حله والمأمور تحريمه فهل له فعله نظرا إلى رأى الآمر أو يمتنع نظرا إلى رأى المأمور فيه خلاف، وهذا مختص فيما لا ينقض حكم الآمر به فإنه كان مما ينقض حكمه به فلا سمع ولا طاعة، وكذلك لا طاعة لجهلة الملوك والأمراء إلا فيما يعلم المأمور أنه مأذون فى الشرع.
وتفرد الإله بالطاعة لاختصاصه بنعم الإنشاء والإبقاء والتغذية والإصلاح الدينى والدنيوى فما من خير إلا هو جالبه، وما من ضير إلا هو سالبه وليس بعض العباد بأن يكون مطاعا بأولى من البعض، إذ ليس لأحد منهم إنعام بشىء مما ذكرته فى حق الإله، وكذلك لا حكم إلا له فأحكامه مستفادة من الكتاب والسنة والإجماع والأقيسة الصحيحة والاستدلالات المعتبرة فليس لأحد أن يستحسن ولا أن يستعمل مصلحة مرسلة، ولا أن يقلد أحدا لم يؤمر بتقليده كالمجتهد فى تقليد المجتهد، أو فى تقليد الصحابة، وفى هذه المسائل اختلاف بين العلماء، ويرد على من مخالف ذلك فى قوله عز وجل {إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه} يوسف 40، ويستثنى من ذلك العامة فإن وظيفتهم التقليد بعجزهم عن التوصل إلى معرفة الأحكام بالاجتهاد بخلاف المجتهد فإنه قادر على النظر المؤدى إلى الحكم ومن قلد إماما من الأئمة ثم أراد تقليد غيره فهل له ذلك فيه خلاف والمختار التفصيل فإن كان المذهب الذى أراد الانتقال إليه مما ينقض فيه الحكم، فليس له الانتقال إلى حكم يجب نقضه، فإنه لم يجب نقضه إلا لبطلانه، فإن كان المأخذان متقاربين جاز التقليد والانتقال، لأن الناس لم يزالوا من زمن الصحابة إلى أن ظهرت المذاهب الأربعة يقلدون من اتفق من العلماء من غير نكير من أحد يعتبر إنكاره، ولو كان ذلك باطلا لأنكروه وكذلك لا يجب تقليد الأفضل وإن كان هو الأولى لأنه لو وجب تقليده لما قلد الناس الفاضل والمفضول فى زمن الصحابة والتابعين من غير نكير بل كانوا مسترسلين فى تقليد الفاضل والأفضل ولم يكن الأفضل يدعو الكل إلى تقليد نفسه، ولا المفضول يمنع من سأله عن وجود الفاضل وهذا مما لا يرتاب فيه عاقل.
ومن العجب العجيب أن الفقهاء المقلدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا ومع هذا يقلده فيه، ويترك من الكتاب والسنة والأقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقليد إمامه، بل يتحلل لدفع ظواهر الكتاب والسنة، ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده، وقد رأيناهم يجتمعون فى المجالس فإذا ذكر لأحدهم فى خلاف ما وطن نفسه عليه تعجب إمامه حتى ظن أن الحق غير استرواح إلى دليل بل لما ألفه من تقليد إمامه حتى ظن أن الحق منحصر فى مذهب إمامه أولى من تعجبه من مذهب غيره، فالبحث مع هؤلاء ضائع مفض إلى التقاطع والتدابر من غير فائدة يجديها، وما رأيت أحدا رجع عن مذهب إمامه إذا ظهر له الحق فى غيره بل يصير عليه مع علمه بضعفه وبعده، فالأولى ترك البحث مع هؤلاء الذين إذا عجز أحدهم عن تمشية مذهب إمامه قال لعل إمامى وقف على دليل لم أقف عليه ولم أهتد إليه، ولم يعلم المسكين أن هذا مقابل بمثله لخصمه ما ذكره من الدليل الواضح والبرهان اللائح، فسبحان الله ما أكثر ما أعمى التقليد بصره حتى حمله على مثل ما ذكر وفقنا الله لاتباع الحق أينما كان وعلى لسان من ظهر، وأين هذا من مناظرة السلف ومشاورتهم فى الحكام ومسارعتهم إلى اتباع الحق إذا ظهر لسان الخصم وقد نقل عن الشافعى رحمه الله أنه قال ما ناظرت أحدا إلا قلت اللهم أجر الحق على قلبه ولسانه فإن كان الحق معى اتبعني وإن كان الحق معه ابتعته.
(فائدة) اختلف العلماء فى تقليد الحاكم المجتهد لمجتهد آخر فأجازه بعضهم لأن الظاهر من المجتهدين أنهم أصابوا الحق، فلا فرق بين مجتهد ومجتهد فإذا جاز للمجتهد أن يعتمد على ظنه المستفاد من الشرع فلم لا يجوز له الاعتماد على ظن المجتهد الآخر المعتمد على أدلة الشرع، ولا سيما إذا كان المقلد أنبل وأفضل فى معرفة الأدلة الشرعية ومنعه الشافعى وغيره وقالوا ثقته بما يجده من نفسه من الظن المستفاد ومن أدلة الشرع أقوى مما يستفيده من غيره ولا سيما إن كان هو أفضل الجماعة، وخير أبو حنيفة فى تقليد من شاء من المجتهدين لأن كل واحد منهم على حق وصواب، وهذا ظاهر متجه إذا قلنا كل مجتهد مصيب.
وبعد فلعل هذه الكلمة الراشدة من الشيخ العز بن عبد السلام بيان للمنهج الذى يجب أن يسير عليه المفتون فى نطاق ما تواتر واشتهر فى كتب فقه المذاهب من آداب للمفتى والمستفتى وللفتيا إذ تكاد نصوص السلف الصالح من العلماء تتفق على تلك الآداب ولقد نهج المفتون فى مصر هذا السبيل، إذا تكشف تطبيقاتهم واختياراتهم عن التزامهم بما تواتر من فقه المذاهب، مؤثرين ما صح دليله، وصلح عليه حال المستفتى.
وهذا ما ينبغى أن يلتزمه كل مفت مستعينا بالله رب العالمين معلم إبراهيم.
والله يقول الحق وهو يهدى السبيل وهو الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب.
وصلى الله على سيدنا محمد عبد الله ورسوله.
وعلى آله وأصحابه وسلم.
القاهرة فى رمضان 1400 هجرية يوليو 1980 م.
جاد الحق على جاد الحق.
مفتى جمهورية مصر العربية
مخ ۲
قراءة سورة الكهف والترقية وما يذكر بعد الأذان
المفتي
محمد عبده.
رمضان 1312
المبادئ
1- قراءة سورة الكهف جهرا وتلحينا على وجه يشوش على المصلين محظورة.
2 -
الترقية قبل الخطبة حرام على مذهب أبى حنيفة.
3 -
ما يذكر بعد الأذان أو قبله كله من المحدثات المبتدعة للتلحين لا لشىء آخر ولا يقول أحد بجواز هذا التلحين.
4 -
الذكر جهرا أمام الجنازة مكروه.
5 -
الأذان بين يدى الخطيب هو الباقى من سنة النبى صلى الله عليه وسلم
السؤال
بإفادة من مديرية المنوفية مؤرخة فى 24 مايو سنة 1904 مضمونها أنه مرسل معها عريضة مقدمة للمديرية من م ع ورفقائه والورقتان معها بأمل الاطلاع عليها والإفادة بما يرى نحو ما اشتملت عليه - والذى اشتملت عليه ست مسائل وهى المرغوب الاستفهام عما يرى فيها.
الأولى - ما المفيد من قراءة بقية سورة الكهف جهرا يوم الجمعة لأجل عدم غوغاء الفلاحين بالكلام الدنيوى.
الثانية - ما اشتهر من الترقية قبل الخطبة مع مراعاة الآداب فى الإلقاء وحديث إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب إلى أخره.
الثالثة - ما يحصل من الأذان قبل الوقت يوم الجمعة بما يشتمل على استغاثات وصلوات على النبى - صلى الله عليه وسلم - لتنبيه الفلاحين الموجودين بالغيطان الغافلين عن مكان الجمعة.
الرابعة - الأذان داخل المسجد بين يدى الخطيب.
الخامسة - ما اشتهر فى الصلاة والسلام على النبى - صلى الله عليه وسلم - عقب الأذان فى الأوقات الخمس إلا المغرب.
السادسة - الذكر جهرا أمام الجنازة بكيفية معتدلة خالية عن التلحين.
هل ذلك كله جار على السنن القويم أو فيه إخلال بالدين
الجواب
اطلعت على رقيم سعادتكم المؤرخ 24 مايو الماضى وعلى ما معه من الأوراق.
وأفيد سعادتكم أن كل عبادة لم يرد بها نص عن النبى صلى الله عليه وسلم.
ولم يأت فى عمله - صلى الله عليه وسلم - ولا فى عمل أصحابه اقتداء به وإن لم نعرف وجهة الاقتداء فهى بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار فهى ممقوتة للشارع يجب منعها وهذه الأمور التى جاءت فى العرائض المقدمة لسعادتكم جميعها ما عدا الأذان بين يدى الخطيب صور عادات محدثة لم تكن على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه ولا التابعين ولا تابعيهم ولا يعرف بالتحقيق من أحدثها وما ينقل عن بعض العلماء فى الترقية مثلا من أنها فى العادات كالأكل والشرب واللباس والمسكن وما يستحدث فى العبادات.
فكل ما يحدث فى النوع الأول مما لا ضرر فيه بالدين ولا بالبدن وكان مما يخفف مشقة أو يدفع أذى أو يفيد منفعة فهو مستحسن ولا مانع منه إذا لم يكن ممنوعا بالنص كاستعمال الذهب والفضة والحرير للرجال ونحو ذلك.
وأما ما يحدث فى القسم الثانى أعنى قسم العبادات فالحديث فيه على عمومه، أعنى كل ما حدث منه بدعة والبدعة ضلالة والضلالة فى النار بلا شبهة.
وقد ذكر فى البحر فى كتب الحنفية أن ما تعورف من أن المرقى للخطيب يقرأ الحديث النبوى وأن المؤذنين يؤمنون عند الدعاء ويدعون لصحابة بالرضاء ونحو ذلك فكله حرام على مذهب أبى حنيفة رحمه الله.
وما قاله بعضهم من حمل الترقية على الكلام بأخروى عند محمد لا يصح الالتفات إليه لأن الترقية عمل وقت بوقت مخصوص يؤدى على نحو مخصوص فهو ليس من قبيل الكلام الذى يعرض لقائله فى أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو ذكر الله، خصوصا والترقية على حالها الموجودة فى القرى والمدن لا يقول أحد من الأئمة بجوازها بما فيها من التلحين والتغنى.
لو زعم السائلون أنه لا تلحين فيها لأنها لم يتخرج إلا للتلحين فإذا ذهب منها لم تعد تسمى ترقية ولم تبق فهم فيها حاجة.
فالصواب منعها على كل حال لأنها بدعة سيئة.
أما الأذان فقد جاء فى الخانية أنه ليس لغير المكتوبات وأنه خمس عشرة كلمة وآخره عندنا لا إله إلا الله.
وما يذكر بعده أو قبله كله من المحرمات المبتدعة ابتدعت للتلحين لا لشىء آخر.
ولا يقول أحد بجواز هذا التلحين ولا عبرة بقول من قال إن شيئا من ذلك بدعة حسنة، لأن كل بدعة فى العبادات على هذا النحو فهى سيئة، ومن ادعى أن ذلك ليس فيه تلحين فهو كاذب.
وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة جاء فى عبارة الأشباه عند تعداد المكروهات ما نصه وكره إفراده بالصوم وإفراد ليله بالقيام وقراءة الكهف فيه خصوصا وهى لا تقرأ إلا بالتلحين وأهل المسجد يلغون ويتحدثون ولا ينصتون، ثم إن القارئ كثيرا ما يشوش على المصلين بصوته وتلحينه، فقراءتها على هذا الوجه محظورة.
أما الذكر جهرا أمام الجنازة ففى الفتح والأنقروية فى باب الجنائز يكره للماشى أمام الجنازة رفع الصوت بالذكر فإن أراد أن يذكر الله فليذكره فى نفسه.
وعلى ذلك فجميع الأشياء التى سألتم عنها مما يلزم منعه ما عدا الأذان الثانى وحده وهو الأذان بين يدى الخطيب فإنه هو الباقى من سنة النبى صلى الله عليه وسلم من بين السنن وما عداه مما ذكر لا يصح الإبقاء عليه لأن جميعه من مخترعات العامة ولا يتمسك به إلا جهالهم وليس من الجائز أن يؤخذ فى الدين بشىء لم تتقدم فيه أسوة حسنة معروفة ولا سنة مقررة منقولة.
وكيف يجوز اتباع مخترعين مجهولين لا يمكن الثقة بهم فى غير عبادة الله فضلا عن شىء فى دين الله.
والله أعلم
مخ ۳
حجم المصحف وتصغيره
المفتي
بكرى الصدفى.
ذو القعدة 1329 هجرية
المبادئ
1- يكره تنزيها تصغير حجم المصحف وكتابته بقلم دقيق.
2-
إمساك الشخص مصحفا ببيته ولا يقرأ فيه ينوى بذلك الخير والبركة لا يأثم بذلك بل يرجى له الثواب
السؤال
من مشيخة الجامع الأزهر بناء على ما ورد لها من نظارة الداخلية عن مصحف مطبوع بخط دقيق جدا مع صغر الحجم كذلك هل يجوز تداوله أو لا
الجواب
صرح العلماء بأنه يكره تنزيها تصغير حجم المصحف وكتابته بقلم دقيق وبأنه ينبغى أن يكتب بأحسن خط وأبينه على أحسن ورق وأبيضه بأفخم قلم وأبرق مداد وتفرج السطور وتضخم الحروف ويضخم المصحف وصرحوا أيضا بأن الشخص إذا أمسك المصحف فى بيته ولا يقرأ ونوى به الخير والبركة لا يأثم بل يرجى له الثواب فتداول هذا المصحف بالصفة التى وجد عليها بين المسلمين بنحو بيع وشراء وقراءة منه متى أمكنت ولم يكن فيه تغيير ولا تبديل غير ممنوع شرعا وإن كان تصغير حجمه على وجه ما سبق مكروها تنزيها والله تعالى أعلم
مخ ۴
ترجمة القرآن الكريم والزكاة لطلبة العلم الأغنياء
المفتي
بكرى الصدفى.
ذو القعدة 1325 هجرية
المبادئ
1 - يجوز كتابة آية أو آيتين باللغات المتداولة بين المسلمين ويكره كتابة التفسير تحتها.
2 -
إذا اعتاد شخص القراءة بالفارسية وأراد أن يكتب بها مصحفا يمنع من ذلك.
3 -
لا يجوز دفع الزكاة إلى طلبة العلم الأغنياء
السؤال
هل يجوز ترجمة القرآن الكريم باللغات المتداولة بين المسلمين وهل يجوز لمن وجبت عليه زكاة المال أو زكاة الفطر أن يدفعها إلى طلبة العلوم الشرعية الأغنياء منهم والفقراء إذا لم يوجد فقراء فى بلد المزكى ولا فى ضواحيها أم لا وهل يجب العشر فى خارج ما يزرع ويجعل قوتا للنحل خاصة كسائر ما تخرجه الأرض العشرية فما الحكم الشرعى فى ذلك كله
الجواب
فى الدر المختار ما نصه ويجوز كتابة آية أو آيتين بالفارسية لا أكثر ويكره كتب تفسيره تحته بها انتهى وفى رد المحتار ما نصه فى الفتح عن الكافى إن اعتاد القراءة بالفارسية أو أراد أن يكتب مصحفا بها يمنع وإن فعل فى آية أو آيتين لا.
فإن كتب القرآن وتفسير كل حرف وترجمته جاز انتهى ومنه يعلم الجواب عن المسألة الأولى فى السؤال.
وأن كتابة القرآن جميعه بغير العربية ممنوعة إذ الفارسية غير قيد كما صرحوا به وفى الدر أيضا بعد كلام ما نصه وبهذا التعليل يقوى ما نسب للواقعات فى أن طالب العلم يجوز له أخذ الزكاة ولو غنيا إذا فرغ نفسه لإفادة العلم واستفادته لعجزه عن الكسب والحاجة داعية إلى مالا بد منه كذا ذكره المصنف انتهى وفى رد المحتار ما ملخصه ما نسب للواقعات رآه المصنف بخط ثقة معزيا إليها وفى المبسوط لا يجوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابا إلا طالب العلم والغازى ومنقطع الحج لقوله عليه الصلاة والسلام (يجوز دفع الزكاة لطالب العلم وإن كان له نفقة أربعين سنة) انتهى ثم قال أيضا بعد ذلك ما نسب للواقعات مخالف لإطلاق الحرمة فى الغنى ولم يعتمده أحد الأوجه تقييده بالفقير انتهى ملخصا ومنه يعلم أيضا الجواب عن المسألة الثانية فى السؤال وأن الوجه عدم جواز دفع الزكاة لطلبة العلوم الشرعية الأغنياء.
وأما ما يزرع فى الأرض العشرية ويجعل قوتا للنحل ففيه العشر متى كان مقصودا باستثمار الأرض واستغلالها إذ المدار على القصد وذلك كأن يزرع صاحب الأرض ما ذكر ليبيعه ممن يتخذه قوتا للنحل كما ذكر ففى البحر بعد كلام ما نصه ولأن النحل يتناول من النوار والثمار وفيهما العشر فكذا فيما يتولد منهما انتهى ومثله فى الفتح.
وفى الفتاوى الأنقروية ما نصه. ثم الأصل عند أبى حنيفة أن كل ما يستنبت فى الجنان ويقصد بالزراعة فى البساتين والأراضى ففيه العشر الحبوب والبقول والرطاب والرياحين والوسم والزعفران والورس فى ذلك سواء ولا يجب فى الحطب والقصب والحشيش عنده لأنه لا تشتغل بها البساتين والأراضى بل ينقى منها عادة حتى لو اتخذها مقصبة أو مشجرة أو منبتا للحشيش ففيها العشر والمراد بالمذكور القصب الفارسى أما قصب السكر وقصب الذريرة ففيهما العشر لأنه يقصد بهما استغلال الأرض بخلاف السعف وأغصان الشجر والتبن فإنه لا يقصد بها استغلال الأرض حتى يجب العشر فى قوائم الخلاف لأنه يقصد به الاستثمار قلت ويمكن أن يلحق به أغصان التوت عندنا وأوراقها لأنه يقصد بهما الاستغلال بخوارزم وخراسان وقد نص عليه فى درر الفقه فقال يجب العشر فى ورق التوت وفى أغصان الخلاف التى تقطع فى كل أوان كقوائم الكروم وغير ذلك زاهدى شرح القدورى فى باب زكاة الزروع والثمار ولو جعل أرضه مشجرة أو مقصبة يقطعها ويبيعها فى كل سنة كان فيه العشر قاضيخان فى العشر من كتاب الزكاة.
وعن أبى حنيفة يجب العشر فى كل ما أخرجته قل أو كثر إلا الحطب وقوائم الخلاف من الثانى فى زكاة فتاوى الظهيرية.
وأصناف البقول والحبوب والرياحين والقثاء والخيار يجب فيها العشر عند أبى حنيفة انتهى
مخ ۵
عدم جواز اتخاذ آية من القرآن الكريم أساسا للمسابقات
المفتي
عبد المجيد سليم.
صفر 1352 هجرية
المبادئ
لا يجوز اتخاذ القرآن الكريم وسيلة للهو واللعب لما فيه من الإخلال بما يجب له من كمال التعظيم ونهاية الإجلال
السؤال
أذاعت محطة إذاعة المسابقة الآتية (آية من سورة طه تكتب بخط جميل وتوضع فى إطارات وتعلق فى المتاجر والمنازل وهى مكونة من أربع كلمات عبارة عن 12 حرفا.
الكلمة الأولى حرفان والثانية أربعة والثالثة حرفان والرابعة أربعة وإذا أخذنا الحروف 9، 3، 6، 2 كانت بمعنى صديق.
وإذا أخذنا الحروف 8، 10، 1، 12 كانت فعل مضارع بمعنى يعلم.
وإذا أخذنا الحروف 4، 11، 5 كانت بمعنى ما يتطاير من النار والحرف السابع مجهول شروط المسابقة أن يكتب الحل على ورقة ويوضع الإسم والعنوان فى أعلى الخطاب.
الخ (هذه هى المسابقة وحلها رب اشرح لى صدرى) . فهل يصح أن تكون الآيات القرآنية محورا لمثل هذه الأغراض التى يرتكز أكثرها على التجارة والربح وهل يصح أن تكون الآيات معرضة للتحوير والتغيير والتقديم والتأخير فضلا عن أن نص الآية هو {قال رب اشرح لى صدرى} .
ولكن المسابقة تزعم أن الآية نصها (رب اشرح لى صدرى) خصوصا وأن أصحاب ومديرى محطة الإذاعة المذكورة ليس الإسلام دينهم
الجواب
نفيد بأنه لا يجوز مثل هذا العمل لما فيه من اتخاذ القرآن وسيلة للهو واللعب ولما فيه أيضا من الإخلال بما يجب له من كمال التعظيم ونهاية الإجلال فضلا عما فيه مما جاء فى السؤال ولأن فتح هذا الباب لمثل هؤلاء الناس يؤدى إلى مفاسد كبيرة يجب لمنع حصولها درء كل ما يفضى إليها.
والله سبحانه وتعالى أعلم
مخ ۶
كتابة شىء من القرآن على العملة
المفتي
محمد خاطر.
محرم 1363 هجرية 24 فبراير 1973 م
المبادئ
1 - يكره كتابة شىء من القرآن على الدراهم والدنانير.
2 -
الأحوط فى المحافظة على القرآن وآياته البعد به عن كل ما يخل بتقديسه وتكريمه، أو الوقوع فى الممنوع بسبب مسه ممن هو غير طاهر أثناء تداوله
السؤال
من المجلس الوطنى لدولة الإمارات العربية المتحدة بكتابه المتضمن أن المجلس علم بأن الحكومة بصدد طبع عملة جديدة للدولة كتب عليها الآية القرآنية الكريمة {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} آل عمران 103، وطلب بيان الحكم الشرعى فى جواز طبع آية من آيات القرآن الكريم على العملة التى تصدرها الدولة، علما بأن عملة الدولة يحملها ويتداولها المسلم والكافر، ويشترى بها الحلال والحرام وتستعمل فى غير ما أحله الله وتحمل إلى أماكن غير طاهرة
الجواب
نفيد بأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وكما يطلق القرآن على كل ما بين دفتى المصحف يطلق على السورة والآية منه.
والقرآن كتاب تعبد وهداية وإرشاد للبشر كما فيه سعادتهم فى الدارين (الدنيا والآخرة) من عبادات ومعاملات وأخلاق.
ولذلك يجب تقديسه وتكريمه والبعد عن كل ما يخل بشىء من ذلك.
ولذلك لم يجز الفقهاء للمحدث حدثا أصغر (غير المتوضئ) ولا المحدث حدثا أكبر (الجنب) والحائض والنفساء مس القرآن ولا شىء من آياته إلا بغلاف منفصل لقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه (لا يمس القرآن إلا طاهر) وأجازوا ذلك للضرورة كدفع اللوح أو المصحف إلى الصبيان لأن فى المنع من ذلك تضييع حفظ القرآن، وفى الأمر بالتطهير حرج عليهم.
كما نصوا على كراهة كتابة القرآن وأسماء الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وكل ما يفرش (الهداية وفتح القدير ج 1) ومما ذكر يتبين أنه يكره كتابة شىء من القرآن على الدراهم والدنانير لأن فى ذلك تعريضا لمسها أثناء تداولها من الجنب والحائض والنفساء والمحدث وغيرهم، وليس هناك ضرورة تدعو إلى ذلك، فيكون الأحوط فى المحافظة على القرآن وآياته والبعد به عن كل ما يخل بتقديسة وتكريمه أو الوقوع فى الممنوع بسبب مسه ممن هو غير طاهر أثناء تداوله.
ے
مخ ۷
جواز التيمم مع وجود الماء اذا خيف الضرر
المفتي
محمد بخيت.
رجب 1333 هجرية
المبادئ
يجوز التيمم عند خوف الضرر من استعمال الماء
السؤال
شخص بيديه ورجليه حرارة مزمنة تمكث ستة شهور فى السنة فى أيام الصيف وأن الماء يضرها ثلثى ضرر فإذا وصل إليها الماء حصل فيها قشف وخشونة وتصلب فى الجلد وإذا لم يصل إليها الماء طرى الجلد ودبل.
فهل يسوغ لهذا الشخص التيمم أو لابد من الماء
الجواب
فى الفتاوى الهندية ولو كان يجد الماء إلا أنه مريض يخاف إن استعمل الماء اشتد مرضه أو أبطأ برؤه يتيمم لا فرق بين أن يشتد بالتحرك كالمشتكى من العرق المدنى أو المبطون أو بالاستعمال كالجدرى ونحوه ويعرف ذلك الخوف إما بغلبة الظن عن أمارة أو تجربة أو إخبار طبيب حاذق مسلم غير ظاهر الفسق وإن كان به جدرى أو جراحات يعتبر الأكثر محدثا كان أو جنبا، ففى الجنابة يعتبر أكثر البدن، وفى الحدث يعتبر أكثر أعضاء الوضوء فإن كان الأكثر صحيحا والأقل جريحا يغسل الصحيح ويمسح على الجريح إن أمكنه وإن لم يمكنه المسح يمسح على الجبائر أو فوق الخرقة ولا يجمع بين الغسل والتيمم وإن كان نصف البدن صحيحا والنصف جريحا اختلف المشايخ فيه والأصح أنه يتيمم ولا يستعمل الماء.
وفى الفتاوى المهدية أن مثل الجراحة كل داء يضره الغسل كما تفيده عباراتهم إذ المدار على الضرر - إنتهى -.
وعلى هذا ففى حادثة السؤال إن كان السائل يخاف الضرر من غسل يديه ورجليه كما ذكر فى السؤال جاز له التيمم
مخ ۸
التبليغ فى الصلاة للحاجة
المفتي
محمد عبده.
رجب 1319 هجرية
المبادئ
1- التبليغ فى الصلاة عند عدم الحاجة مكروه وأما عند الاحتياج فمستحب.
2-
تكره الزيادة فى الإعلام.
3-
الإمام يجهر وجوبا بحسب الجماعة فإن زاد عليه أساء.
4-
من يقرأ القرآن يأثم إذا آذى غيره أو قرأ حال اشتغال المصلى بالصلاة
السؤال
ما الحكم فى رفع صوت القارئ (سورة الكهف) بالجامع يوم الجمعة والناس مجتمعون ومنهم الذاكر والمتنفل واللاغى وفى الترقية والدعاء عند جلوس الخطيب والدعاء للسلطان وفى تبليغ أحد المأمومين عند قلة الجماعة وسماعهم صوت الإمام
الجواب
صرحوا بأن التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن بلغ الجماعة صوت الإمام مكروه بل نقل بعضهم اتفاق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة أى مكروهة وأما عند الاحتياج إليه فمستحب وصرحوا بأن المبلغ يكره له الزيادة فى الإعلام على قدر الحاجة وصرحوا بكراهة ما يفعله المؤذن وهو المعروف بالترقية فى الصلاة على النبى صلى الله عليه وسلم عند صعود الخطيب وما يفعله من الدعاء حال لجلسته والدعاء للسلطان بالنصر ونحو ذلك بأصوات مرتفعة وصرحوا بأن الإمام يجهر وجوبا بحسب الجماعة فإن زاد عليه أساء وقال الزاهدى لو زاد على الحاجة فهو أفضل إلا إذا أجهد نفسه وآذى غيره كما فى القهستانى وصرح فى الفتح عن الخلاصة بأنه إذا كان رجل يكتب الفقه وبجانبه رجل يقرأ القرآن ولا يمكن للكاتب استماع القرآن فالإثم على القارى وعلى هذا لو قرأ على السطح والناس نيام يأثم.
لأن ذلك يكون سببا لإعراضهم عن السماع أو لأنه يؤذيهم بإيقاظهم وقالوا إنه يجب على القارئ احترام القرآن.
بأن لا يقرأ فى الأسواق ومواضع الاشتغال فإذا قرأه فيها كان هو المضيع لحرمته فيكون الإثم عليه دون أهل الاشتغال دفعا للحرج ومن ذلك يتبين أن رفع الصوت فى الترقية والتبليغ زيادة عن الحاجة مكروه وكذلك رفعه بالدعاء عند جلوس الخطيب والدعاء للسلطان ونحو ذلك مما يفعله المؤذن حال الخطبة وأن القارئ لسورة الكهف ونحوها من القرآن يأثم إذا آذى غيره أو قرأ حال اشتغال المصلى بالصلاة بأن ابتدأ فى القراءة والمصلى يصلى لما فى ذلك من تضييع احترام القرآن الواجب عليه والله أعلم
مخ ۹
صلاة أسير الحرب
المفتي
محمد بخيت.
شعبان 1334 هجرية يونيه 1916 م
المبادئ
إذا أقام أسير الحرب فى مكان صالح للإقامة فإنه يصلى صلاة المقيم إذا غلب على ظنه أنه يقيم خمسة عشر يوما فأكثر
السؤال
ما الحكم الشرعى فى صلاة أسير الحرب هل يصليها تماما أم يصليها قصرا
الجواب
نفيد أن أسير الحرب متى كان مسافرا وقت وقوعه فى الأسر ثم أقام فى مكان صالح للإقامة فإن غلب على ظنه أنه يقيم فى المكان الذى هو فيه خمسة عشر يوما فأكثر بإخبار من أسره أو غير ذلك كان مقيما وأتم صلاته وإلا فلا والله تعالى أعلم
مخ ۱۰
أمامة الالثغ
المفتي
محمد بخيت.
ذى القعدة 1334 هجرية سبتمبر 1916 م
المبادئ
1 - إمامة الألثغ لغيره ممن ليس بألثغ غير صحيحة على الصحيح.
2 -
صلاة غير خطيب الجمعة بالناس بغير إذنه لا تجوز إلا إذا اقتدى به من له ولاية الجمعة
السؤال
رجل يصلى بالناس إماما مع كونه ألثغ يبدل الراء ياء - وأهل البلدة يكرهون الصلاة وراءه وهناك من يحسن القراءة.
فهل تصح صلاة من لم يكن ألثغ وراءه أم تفسد أم تكره تحريما أو تنزيها.
وإذا خطب هذا الألثغ يوم الجمعة ونوى الصلاة ثم أخرجه آخر وأدخل غيره وصلى بالناس ذلك الغير.
فهل صحت الصلاة أم بطلت مع العلم بأن الفصل لم يطل
الجواب
نفيد أنه قال فى شرح الدر من باب الإمامة ما نصه - ولا يصح اقتداء رجل بامرأة وصبى إلى أن قال ولا غير الألثغ به أى بالألثغ على الأصح كما فى البحر عن المجتبى - انتهى -.
وقال فى رد المختار على الدر المختار ما نصه (قوله ولا غير الألثغ به) هو بالثاء المثلثة بعد اللام مع الألثغ بالتحريك قال فى المغرب هو الذى يتحول لسانه من السين إلى الثاء وقيل من الراء إلى الغين أو اللام أو الياء زاد فى القاموس أو من حرف إلى حرف - انتهى -.
وهذا الخلاف فى معنى لفظ الألثغ لغة وأما من جهة الحكم الشرعى فكل من أبدل حرفا بحرف فهو ألثغ كما عليه صاحب القاموس وكما يؤخذ من الدر المختار وحاشيته رد المحتار وفى رد المحتار أيضا ما نصه (قوله على الأصح) أى خلافا لما فى الخلاصة عن الفضلى من أنها جائزة لأن ما يقوله صار لغة له ومثله فى التاتر خانية وفى الظهيرية وإمامة الألثغ لغيره تجوز وقيل لا ونحوه فى الخانية عن الفضلى وظاهره اعتمادهم الصحة وكذا اعتمدها صاحب الحلية قال لما أطلقه غير واحد من المشايخ من أنه ينبغى له أن لا يؤم غيره ولما فى خزانة الأكمل وتكره إمامة الفأفاء - انتهى -.
ولكن الأحوط عدم الصحة كما مشى عليه المصنف ونظمه فى منظومته تحفة الأقران وأفتى به الخير الرملى وقال فى فتاواه الراجح المفتى به عدم صحة إمامة الألثغ لغيره ممن ليس به لثغة - انتهى -.
وقال فى شرح الدر أيضا من باب الجمعة ما نصه وفى السراجية لوصلى أحد بغير إذن الخطيب لا يجوز إلا إذا اقتدى به من له ولاية الجمعة ويؤيد ذلك أن يلزم أداء النفل بجماعة وأقره شيخ الإسلام.
وفى رد المحتار ما نصه (قوله إلا إذا اقتدى به من له ولاية الجمعة) شمل الخطيب المأذون - انتهى -.
ومن ذلك يعلم أن إمامه الألثغ لغيره ممن ليس بألثغ غير صحيحة على الراجح المفتى به وأنه إذا صلى الجمعة بالناس غير الخطيب بغير إذنه لا تجوز الصلاة إلا إذا اقتدى به من له ولاية الجمعة ولو الخطيب المأذون فإن لم يقتد به من له ولاية الجمعة ولو الخطيب المأذون فأن لم يقتد به من له ولايه الجمعة ولو الخطيب المأذون لا تجوز الصلاة.
والله تعالى أعلم
مخ ۱۱
تأخير الجمعة عن أول وقتها
المفتي
محمد بخيت.
شوال 1335 هجرية أغسطس 1917 م
المبادئ
1 - تأخير صلاة الجمعة عن أول وقتها جائز كتأخير صلاة الظهر مطلقا صيفا أو شتاء متى وقعت الصلاة بأكملها فى وقتها والأفضل التبكير بها شتاء وتأخيرها صيفا.
2 -
حد التأخير صيفا أن تصلى قبل بلوغ ظل كل شىء مثله
السؤال
فى تأخير صلاة الجمعة عن أول وقتها لأجل اجتماع المصلين والقرية لم يكن بها إلا جامع واحد - فهل يجوز تأخير صلاة الجمعة عن أول وقتها لاجتماع المصلين أم لا
الجواب
أطلعنا على هذا السؤال ونفيد أن تأخير الجمعة عن أول الوقت جائز كتأخير الظهر مطلقا سواء كان فى زمن الصيف أو فى زمن الشتاء متى وقعت الصلاة بأكملها فى وقتها ولكن الأفضل فى زمن الشتاء هو التبكير أو التعجيل وفى زمن الصيف هو التأخير.
وحد التأخير فى زمن الصيف أن تصلى قبل بلوغ ظل كل شىء مثله قال فى البحر بصحيفة 260 جزء أول عند قول الكنز (وندب تأخير الفجر وظهر الصيف) ما نصه أى ندب تأخيره لرواية البخارى كان إذا أشتد البرد بكر بالصلاة وإذا اشتد الحر ابرد بالصلاة والمراد الظهر لأن جواب السؤال عنها وحده أن يصلى قبل المثل أطلقه فأفاد أنه لا فرق بين أن يصلى بجماعة أو لا وبين أن يكون فى بلاد حارة أو لا وبين أن يكون فى شدة الحر أو لا ولهذا قال فى المجمع ونفل الابراد بالظهر مطلقا فما فى السراج الوهاج من أنه إنما يستحب الابراد بثلاثة شروط ففيه نظر بل هو مذهب الشافعى على ما قيل والجمعة كالظهر أصلا واستحبابا فى الزمانين كذا ذكره الاسبيجابى انتهى، ومن ذلك يعلم صحة ما قلناه فى جواب هذا السؤال والله أعلم
مخ ۱۲
تعدد صلاة الجمعة
المفتي
محمد بخيت.
محرم 1336 هجرية نوفمبر 1917 م
المبادئ
يجوز تعدد الجمعة فى البلد الواحدة متى كانت مصرا إذا استوفيت باقى الشروط اللازمة شرعا
السؤال
يوجد فى بعض البلدان جامع تقام فيه صلاة الجمعة، ولكنه لا يتسع لصلاة المكلفين بها.
ويوجد بهذه البلدة سوق وبها صنايع لا تحتاج لغيرها وبها مساجد أخرى.
فهل يجوز إقامتها فى أحد هذه المساجد
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أنه قال فى متن التنوير وشرحه (وتؤدى فى مصر واحد بمواضع كثيرة) مطلقا على المذهب وعليه الفتوى شرح المجمع للعينى وإمامة فتح القدير دفعا للحرج - انتهى -.
قال فى حاشية رد المحتار عليه فقد ذكر الإمام السرخسى أن الصحيح من مذهب أبى حنيفة جواز إقامتها فى مصر واحد فى مسجدين وأكثر وبه نأخذ لإطلاق لا جمعة إلا فى مصر شرط المصر فقط.
وبما ذكرنا اندفع ما فى البدائع من أن ظاهر الرواية جوازها فى موضعين لا فى أكثر وعليه الاعتماد - انتهى -.
فإن المذهب الجواز مطلقا بحر - انتهى -.
ولأن فى إلزام اتحاد الموضع حرجا بينا لاستدعائه تطويل المسافة على أكثر الحاضرين ولم يؤخذ دليل عدم جواز التعدد بل قضية الضرورة عدم اشتراط لا سيما إذا كان مصرا كبيرا كمصرنا كما قاله الكمال - انتهى -.
طحطاوى كذا فى رد المحتار أيضا.
ومن ذلك يعلم جواز تعدد الجمعة فى البلد المذكور متى كانت مصرا وأذن بإقامتها فى المسجد الذى تقام فيه من قبل ولى الأمر واستوفيت باقى الشروط اللازمة شرعا لذلك
مخ ۱۳
السعى لصلاة الجمعة
المفتي
عبد الرحمن قراعة.
شوال 1340 هجرية 11 يونية 1922 م
المبادئ
1- السعى لصلاة الجمعة واجب بالأذان الأول الذى على المنارة بعد الزوال على الأصح.
2-
فتح المحلات التجارية وغيرها باق على الإباحة ولا يجب إغلاقها لا قبل الصلاة ولا بعدها
السؤال
هل يجب على التجار فى يوم الجمعة إقفال محالهم التجارية فى ذلك اليوم جميعه وقت الصلاة وقبلها أو لا يجب إلا وقت الصلاة حسبما يرشد إليه قوله عز وجل {وذروا البيع} أفيدونا الجواب لا زلتم ملجأ للقاصدين
الجواب
قال فى متن التنوير وشرحه الدر من باب صلاة الجمعة ما نصه (ووجب سعى إليها وترك البيع ولو مع السعى وفى المسجد أعظم وزرا بالأذان الأول فى الأصح وإن لم يكن فى زمن الرسول بل فى زمن عثمان وأفاد فى البحر صحة إطلاق الحرمة على المكروه تحريما - انتهى - وقال فى رد المحتار أراد به (أى البيع) كل عمل ينافى السعى وخصه إتباعا للآية ثم قال واختلفوا فى المراد بالأذان الأول فقيل الأول باعتبار المشروعية وهو الذى بين يدى المنبر لأنه الذى كان أولا فى زمنه عليه الصلاة والسلام وزمن أبى بكر وعمر حتى أحدث عثمان الأذان الثانى على الزوراء حين كثر الناس والأصح أنه الأول باعتبار الوقت وهو الذى يكون على المنارة بعد الزوال - انتهى -.
ومن ذلك يعلم أن الواجب هو ترك البيع وكل عمل ينافى السعى إلى الجمعة بالأذان الأول وهو الذى يكون على المنارة بعد الزوال على القول الأصح عملا بقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} الجمعة 9، وليس فى هذه الآية الشريفة ما يدل على وجوب إغلاق محال التجارة فى يوم الجمعة لا فى وقت الصلاة ولا بعد الفراغ منها فهى باقية على إباحة فتحها وإغلاقها على أن قوله تعالى {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله} الجمعة 10، صريح فى الأمر بالانتشار للتجارة والتصرف فى الحوائج وابتغاء الرزق وإن لم يكن الأمر هنا للوجوب بل هو للإباحة فالقائل بوجوب إغلاق أماكن التجارة فى يوم الجمعة مثبت حكما لم يثبته الشرع لأنه إنما أثبت وجوب السعى للصلاة فقط.
والله أعلم
مخ ۱۴
جواز التنفل ممن عليه فوائت
المفتي
عبد المجيد سليم.
رجب 1347 هجرية ديسمبر 1928 م
المبادئ
المبدأ: يجوز لمن عليه فوائت أن يتنفل ولا يكره منه ذلك
السؤال
لقد وقع خلاف فى هذه الأيام بين العلماء الحاويين فى مسألة السنة والقضاء.
فقد أفتى جمهورهم ببطلان السنة وتركها ويحرم فعلها إذا كان عليه قضاء مطلقا وقد اتخذ هذا سلاحا لهدم السنة لدى العوام مرتكزين على أقوال علمائهم.
حتى أن صلاة العيدين والجنائز والتراويح لم يفعلها إلا القليل النادر.
ولذلك اصحبت شعائر الإسلام آخذة فى الوهن نرجو بيان الحكم الشرعى فى ذلك
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد بأنه نقل الطحاوى فى حاشيته على الدر وابن عابدين فى رد المحتار عن المضمرات ما نصه (الاشتغال بقضاء الفوائت أولى وأهم من النوافل إلا سنن المفروضة وصلاة الضحى وصلاة التسبيح والصلوات التى رويت فيها الأخبار - انتهى -.
قال ابن عابدين كتحية المسجد والأربع قبل العصر والست بعد المغرب - انتهى -.
وقال صاحب الدر فى فصل فى العوارض المبيحة لعدم الصوم إن قضاء الصوم واجب على التراخى ولذا جاز التطوع قبله بخلاف قضاء الصلاة - انتهى -.
وكتب الطحاوى على قوله بخلاف قضاء الصلاة ما نصه أى فإنه على الفور لقوله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة نسيها فليصلها إذا ذكرها لأن جزاء الشرط لا يتأخر عنه وظاهره أنه يكره التنفل بالصلاة لمن عليه فوائت ولم أره نهى قلت قدمنا حكمه فى قضاء الفوائت وهو الكراهة إلا فى الرواتب والرغائب فليراجع، انتهت عبارة الطحاوى.
وما قدمه فى باب قضاء الفوائت هو ما سلف ذكره من عبارة المضمرات.
ومن هذا يعلم جواز أداء السنن وصلاة العيدين وصلاة الجنائر والتراويح ممن عليه فوائت.
وأنه ليس فعل شىء من ذلك محرما عليه ولا مكروها لمجرد أن عليه فوائت والله سبحانه وتعالى أعلم
مخ ۱۵
جواز الصلاة بالنعلين اذا كانا طاهرين
المفتي
عبد المجيد سليم.
رجب 1347 هجرية
المبادئ
1- الصلاة بالنعلين جائزة متى كان طاهرين.
2-
النجاسة ذات الجرم تطهر بالتراب وغير ذات الجرم لا تطهر حتى تغسل
السؤال
رجل صلى فى محل عمله لابسا حذائه المعتاد لبسه فى كل حين غير أنه لم يكن فى مكان الوطء من نعليه أى خبث أو أذى ظاهر فما حكم صلاته بالحذاء
الجواب
نفيد أنه متى كان النعلان طاهرتين فالصلاة صحيحة لما فى البخارى عن يزيد الأزدى قال سألت أنس بن مالك.
أكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى فى نعليه قال نعم.
وفى منتقى الأخبار عن شداد بن أوس قال - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون فى نعالهم ولا خفافهم وقد أخرج أبو داود من حديث أبى هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحدا ليجعلهما بين رجليه أو ليصل فيهما وقد كان يصلى فى النعلين كثير من الصحابة والتابعين - انتهى -.
ملخصا من نيل الأوطار. وفى شرح منية المصلى لإبراهيم الحلبى نقلا عن فتاوى الحجة ما نصه الصلاة فى النعلين تفضل على صلاة الحافى أضعافا مخالفة لليهود - انتهى -.
ومن هنا يعلم صحة الصلاة فى النعلين الطاهرتين بل ذهب كثير من علماء المسلمين إلى أنها مستحبة.
وتتميما للفائدة نقول إن النعل إذا كانت متنجسة بنجس ذى جرم سواء أكان الجرم من النجاسة كالدم والعذرة أو من غيرها بأن ابتلت النعل ببول مثلا فمشى بها صاحبها على رمل أو رماد فاستجمد طهرت بالدلك حتى يذهب الأثر مطلقا على ما هو المختار عند بعض فقهاء الحنفية لما روى أبو داود عن أبى سعيد الخدرى أنه صلى الله عليه وسلم قال (إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى فى نعله أذى أو قذر فليمسحه وليصل فيهما) وأخرج ابن خزيمة عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسم قال إذا وطئ أحدكم الأذى بنعليه أو خفيه فطهورهما التراب.
وأما إذا كانت النعل متنجسة بنجس غير ذى جرم كالبول إذا يبس فلا تطهر حتى تغسل والله سبحانه وتعالى أعلم
مخ ۱۶
تحرير قبلة الصلاة
المفتي
عبد المجيد سليم.
جمادى الآخرة 1351 هجرية أكتوبر 1932 م
المبادئ
1- يشترط لصحة الصلاة لمن لم يكن مشاهدا للكعبة إصابة جهتها تحقيقا أو تقريبا.
2-
إصابة الجهة تحقيقا بمعنى أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون ذلك مارا على الكعبة أو هوائها.
3 -
إصابة الجهة تقريبا يكون بمرور ذلك الخط منحرفا عن الكعبة إنحرافا لا تزول به المقابلة الكلية بأن يبقى شىء من سطح الوجه مسامتا للكعبة أو لهوائها فمن فعل ذلك صحت صلاته وإلا فلا
السؤال
بنى فاعل خير مسجدا بناحية محتاجة لوجوده ليتقرب إلى الله تعالى وأنفق فى تشييده وفخامته كل ثروته وكان حرر قبلته أحد المهندسين.
وفى يوم افتتاحه حضر فيه فضيلة الحاكم الشرعى رئيس المحكمة الشرعية، وبعد أن تحرى وحقق بنفسه صحة اتجاه قبلته بواسطة البوصلة التى أحضرها معه خصيصا لذلك أجاز الصلاة فيه وأداها فضيلته وكثير من العلماء والمتفقهين مرارا عديدة ثم جاء مهندس آخر ادعى أن بالقبلة انحرفا لا يخرجها عن الاتجاه الحقيقى فعلى فرض وجود ذلك الانحراف مع ما فى الدين الحنيف والشريعة السمحاء من اليسر أفلا تكون الصلاة فيه صحيحة أو يغلق وتعطل فى الشعائر الدينية
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد بأنه يشترط لصحة الصلاة لمن لم يكن مشاهدا للكعبة إصابة جهة الكعبة وجهتها هى التى إذا توجه إليها الإنسان يكون مسامتا للكعبة أو لهوائها تحقيقا أو تقريبا ومعنى التحقيق أنه لو فرض خط من تلقاء وجهه على زاوية قائمة إلى الأفق يكون مارا على الكعبة أو هوائها ومعنى التقريب أن يكون ذلك منحرفا عن الكعبة أو هوائها إنحرافا لا تزول به المقابلة بالكلية بأن يبقى شىء من سطح الوجه مسامتا لها أو لهوائها.
وعلى ذلك فمتى كان المصلى فى هذا المسجد غير منحرف عن القبلة إنحرافا تزول به المقابلة بالكلية بل يبقى شىء من سطح وجهه مسامتا لها أو لهوائها صحت صلاته وإلا فلا.
هذا والله سبحانه وتعالى أعلم
مخ ۱۷
حكم الصوم والصلاة لمدينة تطلع فيها الشمس عقب الشفق
المفتي
عبد المجيد سليم.
ذى الحجة 1353 هجرية مارس 1935 م
المبادئ
1- إذا كان الفجر يطلع فى بلد قبل غروب الشفق فلا تجب صلاة العشاء على أهل هذا البلد لعدم وجود وقتها ويكون الواجب عليهم أربع صلوات فقط عند بعض الحنفية.
وذهب آخرون منهم إلى أن العشاء لا تسقط عنهم ولكن عليهم أن يصلوها بعد الفجر لا على أنها أداء حيث لا وقت للأداء عندهم.
2-
يجب الصوم عليهم ويكون ابتداء النهار عندهم من طلوع الشمس الذى هو وقت زوال الليل بالنسبة لهم.
3-
إذا كان البياض المستطير فى الأفق ظاهرا كان وقت الفجر معلوما وكان النهار من طلوع هذا البياض
السؤال
طلب من مصلحة المساحة أن تحسب أوقات الصلاة والصوم لمدينة جرينتش بانجلترا.
وهذه المدينة تقع على خط عرض 52 درجة شمال خط الاستواء حيث لا يبلغ انخفاض الشمس عن الأفق (فى أشهر مايو ويونيو ويوليو) القدر الذى يترتب عليه زوال الشفق الأحمر بمعنى أن هذا الشفق يظل طول الليل مرئيا وبذلك لا يمكن تعيين وقت العشاء ولا وقت الفجر.
أما فى الجهات القريبة من خط الاستواء مثل مصر فيزول الشفق الأحمر عندما يبلغ انخفاض الشمس سبعة عشر درجة ونصف درجة تحت الأفق ويظهر الضوء الأبيض وقت طلوع الفجر الصادق عندما تكون الشمس تحت الأفق بمدار تسعة عشر درجة ونصف.
أما فى جرينتش فيقل انخفاض الشمس عن هذين المقدارين فى أشهر الصيف كما سبق القول ولذلك يستحيل حساب أوقات العشاء والفجر طبقا للطريقة المتبعة فى عمل الحساب لمصر والمبنية على هبوط الشمس تحت الأفق بالمقدارين المشار إليهما، وأن الشفق فى هذه المدينة يبقى بحالة واحدة إلى طلوع الشمس كما أن الظلام يبقى بحالة واحدة من غير تفاوت إلى طلوعها ولا يظهر بياض من جهة المشرق قبل طلوع الشمس.
وطلبت المصلحة المذكورة بيان الحكام الشرعية بالنسبة للصوم والصلاة بالنسبة لهذه المدينة وقالت إن مدة الليل فى هذه المدينة فى الأشهر المذكورة تبلغ نحو السبع ساعات
الجواب
نفيد بأننا لم نر لمشايخ الحنفية كلاما فى بيان حكم مثل هذه المدينه التى تطلع فيها الشمس عقب الشفق ويبقى فيها الظلام على حالة واحد إلى طلوعها وإنما المذكور فى كتبهم حكم أهل بلد يطلع فيه الفجر قبل غروب الشفق وقد اختلف فيه مشايخ الحنفية هل تجب العشاء حينئذ فمنهم من قال لا تجب العشاء لعدم وجود وقتها وعلى هذا لا يجب على أهل هذا البلد إلا أربع صلوات وقال قوم منهم إنها تجب على أهل هذا البلد بمعنى أنه يجب عليهم صلاة العشاء بعد الفجر لا على أنها أداء إذ ليس لها وقت أداء عندهم وعلى قياس هذا يؤخذ حكم أهل المدينة المذكورة بالنسبة لصلاتى العشاء والفجر فعلى القول الأول لا تجبان عليهم لعدم وجود وقت لكل منهما وعلى القول الثانى تجبان بعد طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمح على ما هو الظاهر لنا وتجبان حينئذ لا على أنهما من قبيل الأداء.
هذا حكم الصلاة أما حكم الصوم فالظاهر لنا،وإن لم نجده منصوصا أنه على مذهب الحنفية يجب الصوم عليهم ويكون ابتداء النهار عندهم من طلوع الشمس الذى هو وقت زوال الليل بالنسبة إليهم وهذا إذا كان الأمر كما ذكر بكلام حضرة مندوب المصلحة من أن الشفق يبقى فى هذه المدينة بحالة واحدة إلى طلوع الشمس كما أن الظلام يبقى بحالة واحدة من غير تفاوت إلى طلوعها أما إذا كان يظهر البياض المستطير فى الأفق وهو الذى ينتشر ضوءه فى أطراف السماء لم يكن وقت الفجر حينئذ معدوما بل كان موجودا وكان النهار من طلوع هذا البياض وكان المعدوم حينئذ هو وقت العشاء فقط والحكم فيه ما سبق ذكره نصا عن الفقهاء هذا ما يتعلق بحكم الصلاة والصوم على مذهب الحنفية ومذهب الشافعية، يخالف مذهب الحنفية فى هذا الموضوع ونرى إحالة الأوراق على شيخ السادة الشافعية وهو حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر الجامع الأزهر لبيان ما تقتضيه نصوص مذهب الشافعى فى هذا الموضوع
مخ ۱۸
صلاة العيد والجمعة
المفتي
عبد المجيد سليم.
ذى القعدة 1358 هجرية ديسمبر 1939 م
المبادئ
1- مذهب الحنفية أنه إذا اجتمع يوم العيد ويوم الجمعة فلا تجزئ إحدى الصلاتين عن الأخرى بل يسن للشخص أو يجب عليه صلاة العيد والجمعة لأن الأولى سنة والثانية فرض وهذا هو مذهب الشافعى غير أنه يرخص لأهل القرى الذين بلغهم النداء وشهدوا صلاة العيد ألا يشهدوا صلاة الجمعة.
2-
مذهب الإمام أحمد أن من صلى العيد سقطت عنه الجمعة إلا الإمام فلا تسقط عنه إلا إذا لم يجتمع معه من يصلى به الجمعة، وفى رواية عنه إذا صليت الجمعة فى وقت العيد اجزأت صلاة الجمعة عن صلاة العيد، بناء على جواز تقديم صلاة الجمعة عنده قبل الزوال.
ويرى الإمام مالك أن من صلى العيد تجب عليه صلاة الجمعة ولا تسقط.
3-
الصحيح فى ذلك ما ذهب إليه الإمام أحمد من أنه لا تجب صلاة الجمعة على من صلى العيد وأن الجمعة إذا أديت قبل الزوال أجزأت عن صلاة العيد
السؤال
إذا كان العيد يوم الجمعة هل تكون باقية على سنيتها أو وجوبها على الخلاف بين المذاهب أو تسقط لموافقتها ليوم الجمعة نرجو الإجابة
الجواب
اطلعنا على هذا السؤال ونفيد أن مذهب الحنفية أنه إذا اجتمع يوم العيد ويوم الجمعة فإن إحدى الصلاتين لا تجزىء عن الأخرى بل يسن للشخص أو يجب عليه صلاة العيد على حسب الخلاف فى ذلك فى المذهب وعليه أيضا صلاة الجمعة.
ففى الجامع الصغير لمحمد رحمه الله عيدان اجتمعا فى يوم واحد فالأول سنة والثانى فريضة ولا ترك واحد منهما.
وقد ذكر صاحب الدر عن القهستانى نقلا عن التمرتاشى أنهما لو اجتمعا أى يوم العيد ويوم الجمعة لم يلزم إلا صلاة أحدهما وقيل الأولى صلاة الجمعة وقيل صلاة العيد قال صاحب الدر قد راجعت التمرتاشى فرايته حكاه عن مذهب غيرنا أما مذهبنا فلزوم كل منها.
هذا والمذكور فى شرح المهذب للإمام النووى أن مذهب الإمام الشافعى أنه إذا اجتمع يوم العيد ويوم الجمعة فلا كلام فى أنه لا تسقط إحدى الصلاتين بالأخرى عن البلد الذى أقيمت فيه الصلاة ولكن يرخص لأهل القرى الذين بلغهم النداء وشهدوا صلاة العيد ألا يشهدوا صلاة الجمعة أخذا بما صح عن عثمان رضى الله عنه ورواه البخارى فى صحيحه مع أنه قال فى خطبة أيها الناس إنه قد اجتمع عيدان فى يومكم فمن أراد من أهل العالية قال النووى وهى قرية بالمدينة من جهة الشرق أن يصلى معنا الجمعة فليصل ومن أراد أن ينصرف وجاء فى المغنى لابن قدامة الحنبلى أن مذهب الإمام أحمد أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة إلا الإمام لا تسقط عنه إلا ألا يجتمع معه من يصلى به الجمعة وقيل فى وجوبها على الإمام روايتان وروى عنه أيضا أنه إذا صليت الجمعة فى وقت العيد أجزأت صلاة الجمعة عن صلاة العيد وذلك مبنى على رأيه فى جواز تقديم الجمعة قبل الزوال.
وفى الجزء الأول من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية صفحة 145 فى جواب سؤال ما نصه إذا اجتمع يوم الجمعة ويوم العيد ففيها ثلاثة أقوال للفقهاء إحداها أن الجمعة على من صلى العيد ومن لم يصله كقول مالك وغيره والثانى أن الجمعة سقطت عن السواد الخارج عن المصر كما يروى ذلك عن عثمان بن عفان رضى الله عنه إنه صلى العيد ثم أذن لأهل القرى فى ترك الجمعة واتبع ذلك الشافعى والثالث أن من صلى العيد سقطت عنه الجمعة لكن ينبغى للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من أحب كما فى السنن عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه اجتمع فى عهده عيدان فصلى العيد ثم رخص فى الجمعة وفى لفظ أنه صلى العيد وخطب الناس فقال أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرا فمن شاء منكم أن يشهد الجمعة فليشهد فإنا مجمعون.
وهذا الحديث روى فى السنن من وجهين أنه صلى العيد ثم خير الناس فى شهود الجمعة.
وفى السنن حديث ثالث فى ذلك أن ابن الزبير كان على عهده عيدان فجمعهما أول النهار ثم لم يصل إلا العصر وذكر أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه فعل ذلك وذكر ذلك لابن عباس رضى الله عنه فقال قد أصاب السنة.
وهذا المنقول هو الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو قول من بلغه من الأئمة كأحمد وغيره والذين خالفوه لم يبلغهم ما فى ذلك من السنن والآثار والله أعلم.
والذى يظهر لنا أن الصحيح فى هذا الموضوع هو ما ذهب إليه الإمام أحمد من أنه لا تجب صلاة الجمعة على من شهد صلاة العيد وأنه إذا أديت صلاة الجمعة قبل الزوال أجزأت عن صلاة العيد فلا تكون صلاة العيد فى هذه الحالة واجبة ولا سنة.
وذلك لقوة ما استند إليه الإمام أحمد من الأحاديث والأثار فى المسألتين أعنى جواز تقديم صلاة الجمعة عن الزوال والمسألة التى نحن بصددها ومن شاء الوقوف على ما استند إليه فى المسألة الأولى فليرجع إلى كتاب متنفس الأخبار وشرحه نيل الأوطار.
وبما ذكرنا علم الجواب عن السؤال على مذاهب الأئمة الأربعة والله أعلم
مخ ۱۹
صلاة النساء فى المسجد
المفتي
عبد المجيد سليم.
ذى الحجة 1360 هجرية يناير 1940 م
المبادئ
1- يباح للنساء حضور الجماعات للأحاديث الكثيرة الواردة فى ذلك إذا لم يترتب على حضورهن مفسدة وغير متطيبات وما فى معناه من حسن الملبس والتحلى الذى يظهر أمره وغير ذلك مما يكون مدعاة للفساد.
2-
أفضلية صلاتهن فى البيت محمولة على ما إذا كانت الصلاة فى المسجد غير مقترنة بسماع وعظ ونحوه مما لا يتيسر للنساء فى بيوتهن
السؤال
توجد غرفة ملاصقة لمسجد حائطها الملاصقة للمسجد مبنية بارتفاع مترين وبما فيها من فضاء بارتفاع مترين آخرين تقريبا.
أيجوز للنساء أن يصلين ويسمعن الوعظ بتلك الغرفة مع الإحاطة بأن بها أبوابا وشبابيك غير مطلة على المسجد وأن مدخل ومخرج تلك الغرفة بعيد عن مدخل ومخرج المسجد وبأن المسجد يملأ المصلين من الرجال بحيث لا يسع غيرهم من السيدات اللاتى يردن الصلاة وسماع الدروس الدينية.
فهل يجوز أن يلتحق به الغرفة المجاورة والتابعة له والتى لا ينتفع منها ليصلى فيها السيدات فيسمعن الوعظ والحكمة من غير أن يراهن الرجال حيث قد أصبحت الحائط التى بينها وبين المسجد على ارتفاع مترين إثنين فقط وتركت المترين الآخرين فضاء ليصل فيها صوت الواعظ إلى السيدات
الجواب
نفيد بأنه لا مانع شرعا من إلحاق هذه الغرفة بالمسجد هذا ونصوص مذهب الحنفية تقضى بأن مثل هذا الحائط لا يمنع اقتداء من بالحجرة بالإمام فيصح اقتداء من فيها بالإمام الذى بالمسجد إذا كان لا يشتبه حال الإمام عليه فقد نقل ابن عابدين فى رد المحتار عن التاتر خانية ما نصه (وإن صلى على سطح بيته المتصل بالمسجد ذكر شمس الأئمة الحلوانى أنه يجوز لأنه إن كان متصلا بالمسجد لا يكون أشد حالا من منزل بينه وبين المسجد حائط ولو صلى رجل فى مثل هذا المنزل وهو يسمع التبكير من الإمام أو المكبر يجوز وكذلك القيام على السطح.
هذا وقد اختلف العلماء فى جواز حضور النساء الجماعة والمعتمد عند متأخرى الحنفية منع كل النساء من حضور الجماعات مطلقا الآن ولو لسماع الوعظ لفساد الزمان وانتشار السفه فى كل الأوقات واستظهر صاحب الفتح العجائز المتفانيات ومذهب الإمام أحمد أنه يباح لهن حضور الجماعة مع الرجال ولكن صلاتهن فى بيوتهن خير لهن وأفضل فقد جاء فى المغنى لابن قدامة ص 35 من الجزء الثانى ما نصه (ومباح لهن حضور الجماعة مع الرجال لأن النساء كن يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال عائشة كان النساء يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الناس متفق عليه وقال النبى صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات (يعنى غير متطيبات) رواه أبو داود وصلاتهن فى بيوتهن خير لهن وأفضل لما روى ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تمنعوا نساءكم المساجد وبيوتهن خير لهن رواه أبو داود وقال صلى الله عليه وسلم صلاة المرأة فى بيتها أفضل من صلاتها فى حجرتها وصلاتها فى مخدعها أفضل من صلاتها فى بيتها.
رواه أبو داود انتهت عبارة المغنى (والمراد من الحجرة فى الحديث صحن الدار قال ابن مالك أراد بالحجرة ما تكون أبواب البيوت إليها والمخدع بضم الميم وتفتح وتكسر مع فتح الدال فى الكل هو البيت الصغير الذى يكون فى داخل البيت الكبير تحفظ فيه الأمتعة النفيسة ذكر هذا فى شرح عون المعبود لسنن أبى داود والظاهر لنا ما ذهب إليه الإمام أحمد من إباحة حضورهن الجماعة للأحاديث الكثيرة الواردة فى ذلك نعم ينبغى تقييد هذه الإباحة بما إذا لم يترتب على حضورهن مفسدة كما يرد عليه ما جاء فى الحديث من الأمر بخروجهن تفلات أى غير متطيبات ومثل الطيب ما فى معناه من حسن الملبس.
والتحلى الذى يظهر أثره والزينة الظاهرة وغير ذلك مما يكون مدعاة للفساد وفضل أفضلية الصلاة فى البيت عن الصلاة فى المسجد محمولة على ما إذا كانت الصلاة فى المسجد غير مقترنة بسماع وعظ ونحوه مما لا يتيسر للنساء فى بيوتهن أما إذا كان حضورهن للصلاة ولسماع ما يصلح شأنهن فى أمور دينهن وتربية أولادهن والقيام بحقوق أزواجهن فالظاهر أن حضورهن فى هذه الحالة أفضل وبما ذكر علم الجواب.
والله أعلم
مخ ۲۰