قبل أنه عابد لله تعالى، وأما هذا الثاني فلم يقصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله ولا يهمه أن يثني الناس عليه بذلك.
القسم الثالث: أن يقصد بها التقرب إلى الله تعالى والغرض الدنيوي الحاصل بها، مثل أن يقصد مع نية التعبد لله تعالى بالطهارة تنشيط الجسم وتنظيفه، وبالصلاة تمرين الجسم وتحريكه، وبالصيام تخفيف الجسم وإزالة فضلاته، وبالحج مشاهدة المشاعر والحجاج فهذا ينقص أجر الإخلاص، ولكن إن كان الأغلب عليه نية التعبد فقد فاته كمال الأجر، ولكن لا يضره ذلك باقتراف إثم أو زور لقوله تعالى في الحجاج: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) . (البقرة: من الآية١٩٨) .
وإن كان الأغلب عليه نية غير التعبد فليس له ثواب في الآخرة وإنما ثوابه ما حصله في الدنيا، وأخشى أن يأثم بذلك لأنه جعل العبادة التي هي أعلى الغايات وسيلة للدنيا الحقيرة، فهو كمن قال الله فيهم: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) (التوبة: ٥٨) وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة ﵁ أن رجلًا قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد وهو يريد عرضًا من عرض الدنيا. فق النبي ﷺ: «لا أجر له» (١) . فأعاد ثلاثًا والنبي ﷺ يقول: «لا أجر له» . وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب ﵁ أن النبي ﷺ قال: «من كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى
_________
(١) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب فيمن يغزو ويلتمس الدنيا (٢٥١٦) . والنسائي كتاب الجهاد باب من غزا يلتمس الأجر والذكر (٣١٤٠) .
1 / 57