Marriage Fatwas and Women's Companionship

ابن تیمیه d. 728 AH

Marriage Fatwas and Women's Companionship

فتاوى الزواج وعشرة النساء

پوهندوی

فريد بن أمين الهنداوي

خپرندوی

مكتب التراث الإسلامي

د ایډیشن شمېره

الخامسة

د چاپ کال

۱۴۱۰ ه.ق

فتاوى

الزواج وعشرة النساء

شيخ الإسلام الإمام

أحمد بن عبدالحليم بن تيمية

الطبعة الخامسة

١٩٨٩م

تحقيق

فريد بن أمين الهنداوي

بإشراف مكتب السنة للبحث العلمي

مكتبة التراث الإسلامي

٨ شارع الجمهورية عابدين ت ٣٩١١٣٩٧

1

-

2

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

فهذه مجموعة «فتاوى» ذهبية تناولت موضوعاً على جانبٍ كبيرٍ من الأهميةِ والخطورةِ معاً: أمّا أهميتها فإنه لا يكاد يخلو بيتٌ مسلمٌ إلاّ ويحتاج إليها ويَسئل عنها ويقرأ فيها.

وأمَّا خطورتها فتكمن في تحررها المطلق من قيود المذهبيّة وجمودِها، والالتزام الكامل بنصوص الكتاب والسُّنَّةِ وفَهْمِ السَّلَفِ الصَّالح لهما.

ولقد استوعبت هذه الفتاوى كلَّ ما يتعلق بقضايا الخطبة والزواج والطَّلاقِ والرضاع والخُلْع ... الخ وأحاطتْ بجميع جوانبها تأصيلاً وتفريعاً ونقداً وتفسيرًا بأسلوبٍ سَهْلٍ مُشْرِقٍ ممتع.

إنَّ هذه الفتاوى التي بين يديك - أخي القارىء - أفرزتها عقلية فَذَّة وقَريحة وَقَّادة، لم يشهد لها الفقه الإسلاميُّ مثيلاً حاشا الأئمة الأربعة، أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد رضي الله عنهم أجمعين.

« لقد أُعطى ابن تيمية اليد الطولى في حسن التصنيف، وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتعيين، وقد ألان الله له العلوم كما ألان لداود الحديد كان إذا سُئل عن فنٍّ من العلم ظن الرائي والسَّامع أنَّه لا يعرف غير ذلك الفنِّ ».

3

وحقًّا ما قاله قاضى قضاة الإسلام «السُّبكي»: «والله ما يبغض ابن تيمية إلا جاهل، أو صاحب هوى».

لذا استخرنا الله تعالى في تحقيق وإخراج هذه الفتاوى والخاصة بجزء «الزواج وعشرة النساء والطلاق»؛ فانشرحت لهذا العمل الجليل صدورنا، ورفعنا أكف الضراعة إليه سبحانه وتعالى أن يجعل عملنا هذا خالصًا لوجهه الكريم وأن يخلصه من شوائب الرياء والسمعة والعجب، وحظوظ النفس الأمارة بالسوء.

فهذه - أخي القارئ الكريم - قطرات من فيض علم هذا الإمام العظيم نوّر الله مرقده، وقدّس روحه، وأسكنه دار كرامته، بمنه وفضله.

ولقد كان عملنا في الكتاب:

  1. أننا قمنا بتقسيم هذه الفتاوى إلى أبواب بدأت بباب «الزواج حكمة ومشروعيته» وانتهت بباب «الطلاق».

  2. وضعنا كل فتوى في الباب الذي يناسبها، حيث إنها كانت غير مرتبة ترتيبًا صحيحًا، فمثلًا قد تجد «فتوى» تخص مسألة من مسائل الخطبة موضوعة ضمن فتاوى الطلاق والعكس.

  3. ضبطنا ألفاظها ثم عرّجنا بتوضيح غامضها وتفسير مجملها وشرح العبارات الفقهية التي تضمنتها الفتاوى شرحًا مبسطًا يسهل على القارئ فهم الكتاب.

  4. ذيلنا لكل باب، المراجع التي قد يحتاج إليها طالب العلم للاستزادة وتوسيع دائرة بحثه والمتعلقة بموضوع الفتوى.

  5. قمنا بتخريج الأحاديث التي استشهد بها الإمام في تضاعيف كلامه، وذلك ببيان درجة الحديث من حيث الصحة والضعف، مع الإحالة - وهذه في غاية الأهمية لطالب العلم المستزيد - إلى شروح كتب السنة التي اعتمدنا عليها في تخريجنا.

4

. إنَّ فى الصفحات التالية ستلمس جهداً، نرجو أن يتناسب وموضوع كتابنا ، فإن وفقنا فهذا من فضل الله تعالى علينا ، وإن كانت الأخرى فنستغفر اللّه تعالى .

وسبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك .

أبو عبد الرحمن

فريد بن أمين بن إبراهيم الهنداوى

الجيزة في ٧ رجب ١٤٠ هـ

٢٥ فبراير ١٩٨٨ م

5

تَرْجَمةُ المؤلفِ

هو الإمام العلاَّمة ناصر السُنّة وقامع البِدْعة شيخ الإسلام:

- تقى الدين أبو العَبَّاس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السَّلام بن تيمية الحرّانى الحنبلى الدمشقى.

- وُلد بحرّان. فى العاشر من ربيع الأول سنة : ٦٦١ هـ.

سنة ٦٦٧ هـ : قدم مع أهله وأبيه إلى دمشق.

سنة ٦٨٢ هـ : توفى والده الشيخ عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية فى سلخ ذى الحجة وكان شيخ دار الحديث السكرية وبها كان يسكن ودفن بمقابر الصوفية.

سنة ٦٨٣ هـ : فى الثانى من المحرم. أول درس يلقيه الشيخ بدار الحديث السكرية بالقصَّاعين خَلَفاً لأبيه، فيحضر عنده قاضى القضاة ابن الزكى الشافعى، والشيخ تاج الدين الفزارى، وزين الدين ابن المرحّل، وزين الدين ابن المنجا، وكان درساً هائلاً، وقد كتبه تاج الدين الفزارى بخطه لكثرة فوائده، وكان عُمر الشيخ إذ ذاك عشرين سنة وسنتين، ثم جلس فى عاشر ((صفر)) بالجامع الأموى بعد صلاة الجمعة على منبر قد هُيِّىءَ له، لتفسير القرآن العزيز، وكان يجتمع عنده الخَلْق الكثير والجم الغفير.

سنة ٦٩٢ هـ : قام الشيخ الإمام بحجّ بيت الله الحرام.

سنة ٦٩٤ هـ : أذِنَ الإمام شرف الدين أحمد المقدسى لابن تيمية بالإفتاء، وكان يفتخر بذلك ويقول: أنا أذنتُ لابن تيمية بالإفتاء.

8

سنة ٦٩٥ هـ : الإمام يدرّس في المدرسة الحنبلية (١٧ شعبان) عوضاً عن الشيخ زين الدين ابن المنجّا المتوفى، وبقي يدرّس فيها إلى سنة ٧٢٦ هـ.

سنة ٦٩٨ هـ : محنة الشيخ بسبب العقيدة الحموية.

سنة ٦٩٩ هـ : مجيء «قازان» إلى الشام، ووقعة وادي الخزندار عند سلمية وانكسار الجيش المصري، وتوجه «قازان» نحو دمشق، الشيخ يتوجه للقائه عند «النبك» مع أعيان البلد.

سنة ٦٩٩ هـ : الشيخ يصحب الحملة إلى جبال كسروان لقتال الرافضة، ويعودون منصورين.

سنة ٧٠٠ هـ : ذهاب الشيخ إلى مصر لحثّ السلطان على الجهاد ومعونة أهل دمشق.

سنة ٧٠١ هـ : جماعة من الحسدة يثورون بدمشق على الشيخ ويشكون أنه يقيم الحدود، ويعزّر، ويحلق رؤوس الصبيان، فبيّن لهم خطأهم.

سنة ٧٠٢ هـ : تزوير كتاب على الشيخ وعلى القاضي شمس الدين الحريري وجماعة من الأمراء والخواص أنهم يناصحون التتر ويكاتبونهم، فعرف نائب السلطنة أن الكتاب مفتعل، وقطع يد كاتبه.

سنة ٧٠٢ هـ : وقعة «شقحب» مع التتار وخروج الشيخ إلى العسكر يحلف لهم إنكم في هذه الكرة منصورون فانتصروا وعاد الشيخ وأصحابه إلى دمشق.

سنة ٧٠٤ هـ : الشيخ يذهب إلى مسجد «النارنج» بدمشق ويأمر أصحابه ومعهم حجّارون بقطع صخرة هناك بنهر «قلوط» تزار وينذر لها، فقطعها.

سنة ٧٠٤ هـ : الشيخ يُحضر شيخاً كان يلبس دلقاً كبيراً متسعاً جداً، يسمى

7

المجاهد إبراهيم القطان، فيأمر بتقطيع الدلق، وحلق رأسه، وتقليم أظفاره، وحفّ شاربه المسبل على فمه المخالف للسُّنة واستتابه من كلام الفحش، وأكل ما يغير العقل.

سنة ٧٠٤ هـ : في ذي الحجة ركب الشيخ ومعه جماعة من أصحابه إلى جبل ((الجرد)) والكسروانيين فاستتاب خلقاً منهم وألزمهم بشرائع الإسلام، ورجع مؤيداً منصوراً.

سنة ٧٠٥ هـ : خروج الشيخ للغزاة، مع الجيش الشامي في بلاد الجرد والرفض والتيامنة، فنصروا.

سنة ٧٠٥ هـ : الفقراء الأحمدية يشكون الشيخ إلى نائب السلطة، طالبين رفع إمارته عنهم، وأن يسلّم لهم حالهم. فأصرّ الشيخ على أن يدخلوا تحت الكتاب والسُّنَّة. وانتصر الشيخ عليهم بعد ثلاثة مجالس عقدت.

سنة ٧٠٥ هـ : الشيخ يذهب إلى السجن ويخرج الحافظ المزي دون إذن القاضي.

ذهاب الشيخ إلى القاهرة لمقابلة السلطان. عقد مجلس له في القلعة وسؤاله عما ينسب إليه ((أنَّ اللّه فوق العرش حقيقة وأنَّ اللّه يتكلم بحرفٍ وصوتٍ)).

حبس الشيخ بحبس ((الجبّ)).

قراءة كتاب من السلطات في الجامع الأموي بالحطِّ على الشيخ تقي الدين، ومخالفته في العقيدة، وأن ينادى ذلك في البلاد الشامية، وإلزام أهل مذهبه بمخالفته. وكذلك وقع بمصر.

سنة ٧٠٧ هـ : خروج الشيخ من السجن وبقاؤه في مصر.

سنة ٧٠٩ هـ : الشيخ يتوجه من القاهرة إلى الإسكندرية وينزل في دار

8

سنة ٧٠٩ هـ: السلطان ناصر يطلب الشيخ إلى مصر ويجتمع به، ويُصلح ما بينه وبين القضاة المصريين والشاميين. ثم ينزل إلى القاهرة ويسكن بالقرب من مشهد الحسين.

سنة ٧١٢ هـ: الشيخ يخرج من القاهرة بصحبة السلطان الناصر بنية الغزو، فلما تبين له عدم الغزو توجه من غزة إلى القدس وعاد إلى دمشق عن طريق عجلون، أزرع، واستقر بها.

سنة ٧١٥ هـ: وفاة والدة الشيخ.

سنة ٧١٨ هـ: قاضي القضاة شمس الدين ابن مسلم يجتمع بالشيخ ويشير عليه ترك الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق، فيجيبه إلى ما طلب.

وورد كتاب من السلطان بمنع الشيخ من الإفتاء في مسألة الحلف بالطلاق ونودي في دمشق.

سنة ٧٢٠ هـ: اعتقال الشيخ بقلعة دمشق بسبب عودته إلى الإفتاء بمسألة الطلاق.

سنة ٧٢١ هـ: الإفراج عنه يوم عاشوراء من القلعة. كانت مدة إقامته معتقلاً خمسة أشهر وثمانية عشر يوماً.

سنة ٧٢٦ هـ: سادس عشر شعبان: اعتقال الشيخ بقلعة دمشق ومنعه من الفتيا. وكان ذلك بسبب فتواه في السفر وإعمال المطىّ إلى زيارة قبور الأنبياء وقبور الصالحين.

سنة ٧٢٨ هـ: جمادى الآخرة. أُخرج ما كان عند الشيخ من الكتب والأوراق والدواة والقلم ومنع من الكتب والمطالعة. وحملت كتبه في مستهل رجب إلى خزانة الكتب بالعادلية الكبيرة.

9

وكانت نحو ستين مجلداً ، وأربع عشرة ربطة كراريس ، فنظر القضاة والفقهاء فيها وتفرّقوها بينهم .

سنة ٧٢٨ هـ : وفاة الشيخ رضى الله عنه فى ليلة الأثنين ، العشرين من ذى القعدة . ودُفن يوم الأثنين فى مقابر الصوفية بدمشق .

10

ثناء العلماء عليه

- قال الإمام الحافظ العالم البارع ((ابن سيد الناس)) في ترجمته ((لابن تيمية)) :

((... فألفيته ممن أدرك من العلوم حظاً، وكاد أن يستوعب السنن والآثار حفظاً. إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته، أو ذاكر في الحديث فهو صاحب علمه وذو روايته. أو حاضر بالملل والنحل لم يُرَ أوسع من نحلته في ذلك ولا أرفع من درايته، برز في كل فن على أبناء جنسه، ولم تر عين من رآه مثله، ولا رأت عينه مثل نفسه)) أهـ.

- وترجم له الإمام ((ابن عبد الهادي)) فقال:

((هو الشيخ الإمام الرباني إمام الأئمة، ومفتي الأمة، وبحر العلوم. سيد الحفاظ وفارس المعاني والألفاظ. فريد العصر، وحيد الدهر. شيخ الإسلام. بركة الأنام. علامة الزمان. وترجمان القرآن. علم الزهاد. وأوحد العباد. قامع المبتدعين وآخر المجتهدين، تقي الدين أبو العباس أحمد ابن الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين أبي المحاسن عبد الحليم ابن الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام مجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن أبي محمد عبد الله ابن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن علي بن عبد الله ابن تيمية الحراني، نزيل دمشق، وصاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها، ولا يلحق في شكلها توحيداً أو تفسيراً، وإخلاصاً وفقهاً. وحديثاً ولغة ونحواً، وجميع العلوم، كتبه طافحة بذلك. أهـ.

11

وترجم له الإمام «الذهبى» فقال:

«شيخ الإسلام، فرد الزمان، بحر العلوم تقى الدين، مولده عاشر ربيع الأول، سنة إحدى وستين وستمائة، وقرأ القرآن والفقه، وناظر واستدلّ وهو دون البلوغ، برع في العلم والتفسير، وأفتى ودرَّس، وله نحو العشرين، وصنف التصانيف، وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه، وله المصنفات الكبار، التي سارت بها الركبان، ولعلَّ تصانيفه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كراس وأكثر، وفسَّر كتاب الله تعالى مدة سنين من صدره في أيام الجُمع، وكان يتوقد ذكاء، وسماعاته من الحديث كثيرة، وشيوخه أكثر من مائتي شيخ، ومعرفته بالتفسير إليها المنتهى، وحفظه للحديث ورجاله وصحته وسقمه فما يلحق فيه، وأما نقله للفقه، ومذاهب الصحابة والتابعين، فضلاً عن المذاهب الأربعة، فليس له فيه نظير، وأمَّا معرفته بالملل والنحل، والأصول والكلام، فلا أعلم له فيه نظيراً، ويدري جملة صالحة من اللغة، وعربيته قوية جداً، ومعرفته بالتاريخ والسّر فعجب عجيب. وأمَّا شجاعته وجهاده وإقدامه، فأمرٌ يتجاوز الوصف، ويفوق النعت، وهو أحد الأجواد الأسخياء الذين يضرب بهم المثل، وفيه زهدُ وقناعة باليسير في المأكل والملبس.

وقال العلامة الشيخ مرعى الكرمى الحنبلى في كتابه «الكواكب الدرارى» الذي ألفه في مناقب الإمام «ابن تيمية»: قد أكثر أئمة الإسلام من الثناء على هذا الإمام، كالحافظ المزي وابن دقيق العيد، وأبي حيان النحوي، والحافظ ابن سيد الناس والحافظ الزملكاني، والحافظ الذهبي، وغيرهم من أئمة العلماء.

وقال الحافظ المزي: ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه. وما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسُنّة رسوله ولا أتبع لهما منه.

وقال القاضي أبو الفتح ابن دقيق العيد: لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً

12

كل العلوم بين عينيه يأخذ ما يريد ويدع ما يريد، وقلت له: ما كنت أظن أن يخلق مثلك.

وقال الشيخ إبراهيم الرقي: إن تقى الدين يؤخذ عنه ويقلد في العلم، فإن طال عمره ملأ الأرض علماً وهو على الحق، ولا بدّ من أن يعاديه الناس لأنه وارث علم النبوة.

وقال القاضي ابن الحريري: إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن هو؟!

وقال فيه شيخ النحاة أبو حيان لما اجتمع به: ما رأت عيناي مثله. ولو ذهبنا نسرد ثناء العلماء عليه لاحتاج ذلك إلى مجلد ولكن حسبك ما ذكرنا. وراجع لزاماً الردُّ الوافر لابن ناصر الدين الدمشقي والإعلام العلية للحافظ أبي حفص عمر بن علي البزار وابن تيمية للشيخ محمود مهدي الإستانبولي..

13

-

14

الباب الأول

الزواج والحكمة في مشروعيته (١)

[ ١ - ١٠ ]


(١) [للاستزادة]

السيل الجرار (٢٤٣/٢)، نيل الأوطار (٩٩/٦)، سبل السلام (١٤٢/٣).
فقه السُّنة (٧/٢)، كفاية الأخيار (٣٧/٢).

15

-

16

١ - سئل رحمه الله تعالى:

عمن أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة؟

فأجاب:

مَنْ أصابه جرح مسموم فعليه بما يخرج السم ويبرىء الجرح بالترياق والمرهم. وذلك بأمور:

«منها»: أن يتزوج أو يتسرى، فإن النبي ﷺ قال: «إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُم إِلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ؛ فَإِنَّ مَعَهَا مِثْلُ مَا مَعَهَا»(١) وهذا مما ينقص الشهوة، ويضعف العشق.

«الثاني»: أن يداوم على الصلوات الخمس، والدعاء، والتضرع وقت السحر. وتكون صلاته بحضور قلب وخشوع. وليكثر من الدعاء بقوله: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ(٢)! يَا مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قَلْبِي إِلَى طَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ(٣)» فإنه متى أدمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عن ذلك، كما قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاءَ، إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ﴾(٤).

(١) رواه الدارمي (٢/١٤٦) بلفظ «أيما رجل رأى امرأة تعجبه فليقم إلى أهله فإن معها مثل الذي معها» عن ابن مسعود.

ورواه مسلم (٩/١٧٧ - نووي) وأبو داود (٦/١٨٧ - عون المعبود)، أحمد (٣/٣٣٠) والترمذي (٥/١٠٦ - عارضة الأحوذي) بلفظ: «إذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه» عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.

(٢) كان هذا الدعاء من أدعية النبي ﷺ وكان يكثر منه رواه أحمد (٤/١٨٢ - ٦/٩١، ٢٥١، ٢٩٤، ٣٠٢، ٣١٥)، ابن ماجة (٢/١٢٦٠)، الترمذي (١٣/٤٩ و٨٤ - عارضة الأحوذي)، الآجري في «الشريعة» (٣١٧) والحاكم (٢/٢٨٨) وابن أبي عاصم في «السنة» (١/١٠١ و١٠٣ و١٠٤) قال العلامة الألباني: صحيح انظر [صحيح الجامع (٦/٣٠٩) و«السنة» (١/١٠٤)].

(٣) رواه مسلم (١٦/٢٠٤ - نووي)، ابن أبي عاصم في «كتاب السنة» (١/١٠٤)، أحمد (٢/١٦٨)، الآجري في «الشريعة» (٣١٦) دون زيادة (وطاعة رسولك).

(٤) سورة يوسف: ٣٤

17

الثالث: أن يبعد عن مسكن هذا الشخص، والاجتماع بمن يجتمع به. حيث لا يسمع له خبر، ولا يقع له على عين ولا أثر؛ فإن البعد جفا، ومتى قل الذكر ضعف الأثر في القلب. فليفعل هذه الأمور، وليطالع بما تجدد له من الأحوال. والله أعلم.

***

٢ - وسئل رحمه الله تعالى:

عن رجل تحت حجر والده، وقد تزوج بغير إذن والده، وشهد المعروفون أن والده مات وهو حي: فهل يصح العقد أم لا؟ وهل يجب على الولد إذا تزوج بغير إذن والده حق أم لا؟

فأجاب:

إن كان سفيهاً(١) محجوراً(٢) عليه: لا يصح نكاحه بدون إذن أبيه ويفرق بينهما. وإذا فرق بينهما قبل الدخول فلا شيء عليه. وإن كان رشيداً صح نكاحه، وإن لم يأذن له أبوه. وإذا تنازع الزوجان: هل نكح وهو رشيد أو وهو سفيه: فالقول قول مدعي صحة النكاح.

***

(١) السَّفَهُ: خِفَّة العقل. والسفيه: هو الجاهل. وفي اصطلاح الفقهاء: خِفَّة تبعث الإنسان على العمل في ماله بخلاف مقتضى العقل. وعند الأحناف: خِفَّةٌ تَعْرُض للإنسان من الفَرَحِ والغضب، فيحمله على العمل بخلاف طور العقل وموجب الشرع.

(٢) أصل الحَجْرِ: المنع. وشرعاً: منع من نفاذ تصرُّف قولىّ بسبب صِغْرٍ وجنونٍ ورقِّ. وقيل: هو منع شخصٍ مخصوصٍ عن تصرفه القوْلى. ويقال لذلك الشخص بعد الحجرِ: مَحْجُور.

18

٣- وسئل رحمه الله تعالى :

عن رجل عازب، ونفسه تتوق إلى الزواج، غير أنه يخاف أن يتكلف من المرأة مالا يقدر عليه، وقد عاهد الله أن لا يسأل أحداً شيئاً فيه مِنَّةٌ لنفسه وهو كثير التطلع إلى الزواج: فهل يأثم بترك الزواج؟ أم لا؟

فأجاب:

قد ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: ((يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ. وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ؛ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)) (١)، و((استطاعة النكاح)) هو القدرة

(١) البخاري (١١٩/٤ - ١٠٦/٩ و١١٢ - فتح)، ومسلم (١٧٢/٩ - نووي)، أبو داود (٤٠/٦ - عون المعبود)، والنسائي (١٦٩/٤ و١٧٠ و١٧١ - ٥٧/٦ و٥٨ - السيوطي)، ابن ماجه (٥٩٢/١)، الدارمي (١٣٢/٢)، أحمد (٣٧٨/١ و٤٢٤ و٤٢٥ و٤٣٢ و٤٤٧)، الترمذي (٣٠٠/٤ و٣٠١ - عارضة الأحوذي)، ابن الجارود (٦٧٢)، البيهقي (٧٧/٧)، والمحلى (٣/١١).

(فائدة)

الباءة : أصلها في اللغة الجماع، مشتقة من المباءة وهي المنزل ومنه مباءة الإبل وهي مواطئها ثم قيل لعقد النكاح باءة لأن من تزوج امرأة بوأها منزلاً.

واختلف العلماء في المراد ((بالباءة)) هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحدٍ أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه وهي مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء.

والقول الثاني : أن المراد هنا بالباءة مؤن النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤن النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم ليدفع شهوته.

[قاله النووي (١٧٣/٩)]

قلت : ولا مانع من أن يشمل المعنيين معاً والله أعلم.

الوجاء : فبكسر الواو وبالمدّ هو رضّ الخصيتين والمراد هنا أن الصوم يقطع الشهوة ويقطع شر المني كما يفعله الوجاء.

[شرح النووي على مسلم (١٧٣/٩)]

19

على المؤنة ؛ ليس هو القدرة على الوطء؛ فإن الحديث إنما هو خطاب للقادر على فعل الوطء؛ ولهذا أمر من لم يستطع أن يصوم؛ فإنه له وجاء. ومن لا مال له: هل يستحب أن يقترض ويتزوج؟ فيه نزاع في مذهب الإمام أحمد وغيره. وقد قال تعالى ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾(١) وأما ((الرجل الصالح)) فهو القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده.

***

٤ - وسئل رحمه الله تعالى:

هل لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد؟

فأجاب:

ليس لأحد الأبوين أن يلزم الولد بنكاح من لا يريد، وأنه إذا امتنع لا يكون عاقًّا، وإذا لم يكن لأحد أن يلزمه بأكل ما ينفر عنه مع قدرته على أكل ما تشتهيه نفسه كان النكاح كذلك، وأولى؛ فإن أكل المكروه مرارة ساعة، وعشرة المكروه من الزوجين على طول يؤذي صاحبه كذلك، ولا يمكن فراقه.

***

(١) سورة النور آية: ٣٣.

20