أبي بكر ﵁ تدل على شدة جهله بحال السلف الصالح؛ فإن النبي ﷺ كان يعطي العمال من بيت المال، وكان الخلفاء الراشدون يأكلون من بيت المال، ويفرضون لعمالهم؛ ولا أعلم عاملًا في زمن الخلفاء الراشدين لا ١ يأكل من ذلك، بل الزكاة التي هي للفقراء جعل الله فيها نصيبًا للعمال الأغنياء، ولكن أبا بكر ﵁ لما ولي واشتغل بالخلافة عن الحرفة، وضع رأس ماله في بيت المال، واحترف للمسلمين فيه، فأكل بسبب وضع ماله في بيت المال وبسبب الحرفة. فأين هذا من أكل الرشوة التي حرمها الله ورسوله؟ وأين هذا من الحاكم الذي إذا وقعت الخصومة، فأكثرهم برطيلًا يغلب صاحبه؟ سبحانك هذا بهتان عظيم! فإن قالوا: لما عدم بيت المال، أكلنا من هذا. قلنا: هذا مثل من يقول: أنا أزني لأني أعزب لا زوجة لي؛ فهو هذا من غير مجازفة.
وقولهم: نفعل هذا لأجل مصلحة الناس. فنقول: ما على الناس أضر من إبليس ومنكم، أذهبتم دنياهم وآخرتهم، والناس يشهدون عليكم بذلك. هؤلاء أهل شقرا شرطوا لابن إسماعيل كل سنة ثلاثة وثلاثين أحمر، ويسكت عن الناس ويريحهم من أذاه، ولا يحكم بين اثنين، ولا يفتي; فلم يفعل واختار حرفته الأولى.
وأما جوابه لمن استدل عليه: ﴿وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ ٢، بقوله: نزلت في كعب بن الأشرف، فهذا ترس قد أعده هؤلاء ٣ الجهال الضلال لرد كلام الله؛ إذا قال لهم أحد: قال الله كذا، قالوا: نزلت في اليهود ونزلت في النصارى، نزلت في فلان.
_________
١ في طبعة أبا بطين بدون لا.
٢ سورة البقرة آية: ٤١.
٣ في طبعة الأسد ساقطة، وكذا في طبعة أبا بطين.
1 / 23