فتقدمت وفتحت الجراب فاستخرج الطبيب منه قارورة صغيرة فتحها وأدناها من أنف كافور. فاستنشقها فأحس براحة وانتعاش، وبان ذلك في عينيه وجبينه، فتحرك في فراشه كأنه يريد الجلوس فأعانه الطبيب على ذلك وساعدهما يعقوب، وأسنداه بوسادة من الوراء. فجلس وتناول مذبة كانت بجانبه ليتلاهى بها ويطرد الذباب عنه - وهو كثير في تلك الساعة - ولم يشأ أن يتولى ذلك عنه أحد. فتقدم يعقوب وهو يبدي الاهتمام وقال: «إن الذباب كثير في هذه الساعة وسيدي الأمير منحرف المزاج ألا تأذن لي أن آخذ المذبة (النشاشة) عنك أو تأمر أن يقوم هذا الغلام باستخدامها؟» وأشار إلى لمياء. والتفت نحو الطبيب كأنه يستشيره بهذا الاقتراح.
فتقدم الطبيب وقال: «إن الأمير في حاجة إلى الراحة.» ومد يده وتناول المذبة من يده ودفعها إلى لمياء وأشار إليها أن تقف وراء السرير تطرد الذباب عن وجه كافور بدون أن تزعجه. فأطاعت وقد وافقها ذلك؛ إذ تكون قريبة منهم. وأدار كافور عينيه في جوانب السرادق كأنهما سراجان موقدان. ثم نظر إلى شالوم وقال: «بارك الله فيك أيها الطبيب إني أشعر بانبساط الآن.»
فقال الطبيب «وستشعر بأحسن من ذلك بعد قليل ...» ومد يده إلى الجراب فاستخرج منه قارورة فيها سائل صب منه قليلا في قدح ودفع القدح إلى كافور فشربه فازداد انتعاشا والتفت إلى يعقوب وقال: «إننا لا ننسى فضل طبيبنا هذا - بارك الله فيه - إنه صديق محب.»
فقال يعقوب: «كلنا عبيد مولانا نفديه بأرواحنا، فالحمد لله على سلامته، ولا أرانا الله مكروها به.»
قال: «لله أنت يا يعقوب! إنك موضع ثقتنا، وسوف نكافئك على مودتك وصدق خدمتك ...»
فقال: «إنما نطلب أن يتعافى الأمير وهذا خير مكافأة.»
فقال الطبيب «إن حال مولانا - بحمد الله - حسنة جدا، ولا يلبث أن يخرج على جواده في البساتين أو يركب حراقته يصعد فيها على النيل.»
فهز كافور رأسه وقال: «إن شاء الله ... إن شاء الله.» وفى غنة صوته أنه غير مصدق.
ثم بدا الاهتمام في وجهه وأشار إلى الوقوف بالخروج ولم يبق إلا الطبيب ويعقوب ولمياء واقفة عند رأسه.
الفصل الثامن والخمسون
ناپیژندل شوی مخ