قال: «إننا إذن في ركابك إلى عمان ثم إلى حيث تشاء.» قال ذلك وأمسك بيده وسار به فمشى عبد الله وسيف حماد بيده يتنسم منه رائحته وعادوا جميعا إلى القافلة.
وكان عبد الله في أثناء عودته صامتا يفكر في حاله ويتردد بين أن يسير إلى عمان وهو لا يدري ما يلقى هناك بعد ما داخله من الريب في أمر حماد وهو يرجح موته على أنه لما نظر في الأمر طويلا وراجع ما مر به من أهوال ذلك اليوم اعترضه أمل رأى من خلاله بصيصا هيأ له حمادا حيا وذلك أنه فكر في أمر ما عثر عليه من بقاياه فلم يجد دليلا قاطعا بموته وهو لم يعثر بشيء من جثته فقال في نفسه (لو أكلته السباع لبقيت منه بقية مثل بقية ذلك الجواد من جمجمة أو عظام أخرى أو قطع من ثوبه ممزقة) ثم فكر في ما وجده من السلاح فإذا به لم يره في الموضع الذي رأى فيه بقايا الجواد فقضى مدة يتردد بين اليأس والرجاء حتى وصلوا القافلة.
فقال أبو سفيان: «ما ترى يا أخا لخم هل تسير معنا إلى الحجاز أو تزمع إلى مكان نوصلك إليه في أنحاء الشام أم تريد أمرا نقضيه لك.»
فقال عبد الله: «إني والله لا أدري ماذا أقول ولا أعلم ماذا أعمل فأرى أن تتركوني في هذا المكان أفكر في أمري حتى ألهم أمرا أعمله فإني لا أفقه من أمري شيئا.»
فقال أبو سفيان: «لسنا تاركيك وأنت في هذه الحال.»
فقال عبد الله: «لقد غمرتوني بفضلكم وأنسيتموني حزني بتعزيتكم أما وقد أصررتم على ذلك فإني أود الذهاب إلى عمان لعلي أستطلع خبرا جديدا.»
وكانت الشمس قد آذنت بالزوال فباتوا ليلتهم هناك وأصبحوا باكرا يريدون عمان فدنوا منها والشمس قد دنت من مغيبها فقال عبد الله: «أستودعكم الله فإني معرج إلى عمان أنتظر ما يأتي به القضاء.»
الفصل التاسع عشر
عمان
فودعوه وانصرفوا وقد تركوا عنده فرس حماد وبعض الزاد فلما انفرد عبد الله بنفسه نظر إلى عمان وقد أشرف عليها من مرتفع فإذا هي مدينة خربة لم يبق من أبنيتها الرومانية إلا بضعة متهدمة أعظمها هيكل خرب على تل بالقرب من غدير كاد ماءه أن يجف ورأى على مقربة من ذلك المكان بيوتا حقيرة يسكنها بعض الفقراء لا تكاد تزيد على قرية حقيرة فسار نحو الهيكل وقطع إليه على جسر يظهر من منظره أنه كان عظيما وتهدم فوصل الهيكل ماشيا يقود الفرس وراءه وهو يحرص عليه حرصه على ابنه لأنه من آثاره.
ناپیژندل شوی مخ