فقال حماد: «طيبي نفسا يا حبيبتي فإن جنود غسان كلها وجنود قيصر وكسرى لا تستطيع أن تمس شعرة منك ما دمت حيا مقيما إلى جانبك ولقد شهدت منك اليوم شجاعة حقرتني في عيني نفسي فسبحان من جمع فيك شجاعة الرجال ورقة النساء وأراني ساعة وقنت وذلك الحسام بيدك حسبت الجنود تفر من أمامك وشعرت بقوة فوق العادة ولو اجتمعت حولي جيوش مجيشة ما حسبت لها حسابا.»
قالت: «تلك دوافع المحبة قد تذهب برشد صاحبها فيقتحم الأهوال ولا يبالي بحياته ولعلي أتيت بما أواخذ عليه ولكنني فعلت ذلك مدفوعة بحب حماد.»
فقال: «لا تكرهوا أمرا لعله خير لكم فقد شعرت بعد هذه الواقعة أن ربط المحبة بيننا قد زادت متانة ولا أرى في السماء أو الأرض ما يمكن أن يحول بيني وبينك.»
فأوقفت هند فرسها كأنها تريد التصريح بأمر ذي بال فأوقف حماد فرسه فمدت يدها إليه فمد يده وتصافحا وقالت: «أعاهدك عهدا مقدسا أني باقية على حبك إلى آخر نسمة من حياتي ولو حال دون ذلك كل مصاعب بني الإنسان.»
فنسي حماد موقفه لعظم غرامه بها وسروره بما شاهده من حبها وقال لها: «أن هذا العهد يا هند لينسيني كل أسباب الشقاء ووالله لاقتحمن أعظم الأخطار وأجوب الفيافى والقفار في سبيل حبك يشهد علينا سهيل والميزان وسائر نجوم السماء والله أكبر الشاهدين.»
فأطرقت هند وقد غلب عليها الحياء ولسان حالها يقول: «وأنا أعاهدك بذلك أيضا.»
فقال لها حماد: «أما وقد تعاهدنا على الحب فلتكن تلك الأساور عربون المحبة وقد قدمتهما لك عن غير قصد وهي تقدمة حقيرة بجانب مقام بنت ملك غسان فهل تقبلين بها تذكارا.»
فنظرت إليه وفرسها يشاغلها بالأقدام والأحجام كأنه شعر بما يتقد فوقه من لواعج الغرام وقالت: «ذلك يدلك على أن حبنا مقدر منذ الأزل وقد أراد الله أن تكون هذه الأساور عربونا لذلك الحب فسأحافظ عليها ما بقيت ولكن أتعلم ما هو تذكاري عندك.» قال: «كيف لا أعلم وصلصلة تلك الدرع لا تزال ترن في أذني فهي تسقيني غائلات الزمان بإذن الله.»
قالت: «لقد أحسنت فهم المراد حرسك الله ووقاك.»
فلما تبادلا العهد وخزا الفرسين ولم تمض برهة حتى صارا على مقربة من صرح الغدير وقد عرفاه من النيران الموقدة بالقرب منه وهي نار القرى كان يوقدها الغسانيون لإهداء المارة ممن يريدون طعاما أو مبيتا.
ناپیژندل شوی مخ