قال: «لا أعلم ولكن عندنا من الرهبان والقسس كثيرين يفعلون ذلك».
قال: «صدقت ولكنني أفضل ذلك الراهب الشيخ لأني أعرفه».
قال: «هلم بنا إليه نسأله فعساه أن يرضى».
وسارا إلى غرفة من غرف الدير مغلقة الباب فقرعاه وانتظرا ريثما ينهض الشيخ لفتحه وبعد هنيهة فتح الباب وبان من ورائه شيخ هرم قد ابيض شعره بياضا ناصعا واسترسل من رأسه ولحيته وحاجبيه وشاربيه حتى لا تكاد ترى من جلد وجهه إلا بعض وجنتيه وقد تجعدتا وتثنت جبهته وبرز أنفه أعقف وأحدودب ظهره حتى لا يستطيع النظر إلى واقف أمامه إلا بجهد وعناية فتقدم الشيخ ويده الواحدة على الباب ويده الأخرى يتوكأ بها على عصا قديمة العهد ربما رافقته في صباه وقد قبض عليها بأنامل لم تترك الشيخوخة عليها لحما فلصق الجلد بالعظم حتى كان اعرض ما في الكف عقد الأمشاط عند اتصالها بالأصابع.
فلما فتح الباب رفع الشيخ نظره وحدق بزائريه وكان قد عرف الرئيس من مجمل قيافته ولكنه لم يعرف رفيقه فنظر إليه نظر المتأمل وشعر حاجبيه المسترسل يحجب معظم النظر عنه فأرسل يده يرفع بها شعر الحاجبين وهي ترتعش لضعف الشيخوخة فابتدره عبد الله بالسلام وهم بتقبيل يديه فعرفه الراهب فقال: «أهلا بولدنا الأميرعبد الله ابن الوطن العزيز تفضل يا ولدي ادخل». فدخل ودخل الرئيس معه وجلس كل منهما على وسادة وهما لا يحسران على فتح الحديث احتراما لشيخوخة الراهب.
ثم تكلم الرئيس فقال: «إن ولدكم الأمير عبد الله يلتمس حضوركم الاحتفال بقص شعر ابنه وفاء لنذر نذره منذ بضع وعشرين سنة».
فتأمل الشيخ برهة ثم رفع نظره إلى عبد الله بغتة والنور ينبعث من حدقتيه في خلال شعر الحاجبين كأن الزمن لم يؤثر على حدتهما وقال: «ما اسم غلامكم؟»
قال: «حماد».
قال: «نعم حماد أذكر أني رأيته في الصومعة منذ عامين وأخبرني أنه جاء لقص شعره وكان يوم الشعانين قريبا ألم تفوا النذر بعد».
قال: «لا يا مولاي لم نستطع ذلك لأسباب فرقت بيننا أعواما فلما اجتمعنا جئنا لنفي النذر فهل تريد أن يكون وفاؤه على يدك».
ناپیژندل شوی مخ