178

غسان خورې

فتاة غسان

ژانرونه

قال: «نعم يا سيدي أظنني توفقت إلى شيء من هذا القبيل».

قال: «ما هو؟»

قال: «خرجت في هذا الصباح على بركة الله وقد عولت في باطن سري أن لا أعود إليك إلا ببشرى خير فسرت في أسواق مكة وأنا أتوسل إلى الله أن يلهمني رشدا وسدادا أو يهديني سبيلا أخفف به اليأس عن مولاي فمررت ببعض البيوت فرأيت عند بابه بغلة عليها بردعة ثمينة والى جانبها غلام فحدثتني نفسي أن أسأله عن صاحب البغلة فقال: «هو حسان بن ثابت شاعر الأنصار» فتذكرت إني أعرف هذا الاسم فأخذت في التفكر لعلي أذكر الرجل فعلمت إني كنت أسمع اسمه منذ كنت في العراق وأنه كثيرا ما كان يأم الحيرة فينظم القصائد في مدح الملك النعمان رحمه الله وكثيرا ما كان يفد على ملوك بني غسان فيمتدح جبلة والحارث بن أبي شمر وغيرهم فقلت في نفسي أظنني أصبت ضالتي أن الرجل يجالس أعظم ملوك العرب فربما كان له إلمام بأمر القرطين فسألت الغلام عن حسان فقال: «أنه في البيت» فاستأذنت في الدخول عليه فأذن فدخلت عليه حتى أقبلت على الرجل فإذا هو جالس على وسادة في بعض زوايا الغرفة فتأملته فإذا به قد تبدلت حاله عما كنت أعرفه فأحناه الكبر وضعف بصره وشاب شعره واسترسلت لحيته فبادرت إلى يده فقبلتها وحييته فرد التحية ورحب بي وأجلسني إلى جانبه وسألني عن أمري فما زلت أدخل معه في حديث وأخرج من آخر حتى توصلت إلى القرطين فسألته عما يعرفه من أمرهما ففكر قليلا ثم قال: «أظنني سمعت ذكرهما في بعض مجالس النعمان بن المنذر في الحيرة». فقلت: «وكيف كان ذلك».

فقال: «يغلب على ظني أن بعض تجار الفرس الذين يحملون الأقمشة الفارسية إلى مكة عاد منها ذات عام ومعه قرطا مارية فعرضهما على النعمان وأظنه اشتراهما منه فإذا صدق ظني كان القرطان الآن في خزينة الملك النعمان في الحيرة».

فلما سمعت ذلك هرولت إليك مسرعا لنسير إليه فهل تسير معي».

قال: «نعم ولا بد من المسير إني أرى في كلام الشاعر بابا للفرج هلم بنا».

فنهض حماد وقد انبسطت نفسه وعادت إليه بعض الآمال وإن لم يكن في الخبر ما يدعو إلى الأمل ولكن المرء إذا كان في ضيق كان سريع التعلق بالأمل ولو كان أوهى من خيط العنكبوت. وأحس حماد بفراغ معدته فتناول شيئا من التمر يسد بها جوعه وخرج مع سلمان ماشيين حتى أتيا ببيت حسان فاستأذنا ودخلا فتقدم أولا سلمان فسلم وذكر اسم حماد أمام حسان وقال أنه سيده وأنه من أمراء العراق ولما سمع بوجود حسان هناك أراد المثول بين يديه فتقدم حماد وهم بتقبيل يدي الشيخ فمنعه ولكنه رفع نظره إليه وتفرس فيه كأنه يراجع في ذاكرته صور أمراء الحيرة لعله يعرف حمادا فتشابه عليه أمره فسأله عن اسمه واسم عائلته.

فقال حماد: «إني حماد بن الأمير عبد الله».

فقال حسان: «لا أذكر رجلا بهذا الاسم في بلاط النعمان أو لعلي نسيته فقد قتل النعمان رحمه الله قتلوه غدرا منذ نيف وعشرين عاما وتفرقت أصدقاؤه على انني انقطعت عن الحيرة قبل ذلك العهد فلم أعد أقدمها ولا رأيت أحدا من أمرائها ولكن سقى الله تلك الربوع وأعاد سلطة المناذرة فقد كانوا زينة الدولة الفارسية وبيت قصيد وخصوصا النعمان بن المنذر رحمه الله وجازى الباغين عليه شرا».

فقال حماد: «وهل كنت تفد عليه كثيرا».

ناپیژندل شوی مخ