په بل پوهېدل شامل دی او په زاتي حالت کې یې ناپوهي

ابن حزم d. 456 AH

په بل پوهېدل شامل دی او په زاتي حالت کې یې ناپوهي

فصل في معرفة النفس بغيرها و جهلها بذاتها

پوهندوی

د . إحسان عباس

خپرندوی

المؤسسة العربية للدراسات والنشر

د ایډیشن شمېره

الثانية

د چاپ کال

1987 م

د خپرونکي ځای

بيروت / لبنان

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلى على سيدنا محمد وآله

فصل في معرفة النفس بغيرها وجهلها بذاتها

قال أبو محمد علي بن أحمد بن حزم رضي الله عنه :

أطلت الفكر في نفسي ، بعد تيقني أنها المدبرة للجسد ، الحساسة الحية العاقلة المميزة العالمة ، وأن الجسد موات لا حياة له ، وجماد لا حركة فيه إلا أن تحركه النفس ، وبعد إيقاني أنها صاحبة هذه الفكرة ، والمحركة للساني بما تريد إخراجه مما استقر عندها فقالت مخاطبة لنفسها ، باحثة عن حقيقة أمرها :

يا أيتها النفس المدبرة لهذا الجسد : الست التي قد عرفت صفات جسدك الذي واليت تدبيره ، وحققتها وضبطتها

قالت : بلى .

قالت : يا أيتها النفس المدبرة لهذا الجسد : الست التي تجاوزت جسدك المضاف تدبيره إليك ، فخلص فهمك وبحثك ( 1 ) إلى سائر ما يليك من الأرض والماء والهواء وسائر الأجرام ، ثم إلى ما لم يلك من الأجرام ، فميزت أجناس كل ذلك وأنواعه وأشخاصه ، وحققت صفات كل ذلك : الذاتية والغيرية ، وفرقت بين كل ذلك بالفروق الصحيحة ، ثم تخطيت كل ذلك إلى الأفلاك البعيدة وما فيها من الأجرام النيرة فعرفت كيفية أدوارها ، ووقفت على حقيقة مدارها ،

مخ ۴۴۳

وضبطت كل ذلك ، وأشرفت عليه ، وسرحت ( 1 ) هنالك ، وأوغلت في تلك الطرق والمسالك ، وخضت إليه الأنوار والظلم ، واقتحمت نحوه الأبعاد حتى أتيته من أمم ، ولم يخف ما بعد وغمض

قالت : بلى .

قالت : يا أيتها النفس المشرفة على ذلك كله : ألست التي لم تقنعي بهذا المقدار من العلم على عظمه وطوله ، ولا ملأ خزانتك هذا الحظ من الإشراف ، على كبر شأنه وهوله ، حتى تعديت إلى ما كان قبل حلولك في هذا الجسد وارتباطك به ، من أخبار القرون البائدة والمماليك الدائرة والأمم الغابرة والوقائع الشنيعة والسير الذميمة والحميدة ، ووقفت على أخبارهم وعلومهم فشاهدت كل ذلك بمعرفتك إذ لم تشاهديه بحواسك

قالت : بلى .

قالت : يا أيتها النفس الغابطة لهذه العظائم المشرفة على هذه الأمور الشنيعة . ألست التي لم يكفك هذا كله حتى تجاوزت العالم بما فيه ، وطفرته من جميع نواحيه ، فشاهدت الواحد الأول ، ووقفت إلى الحق الأول المبدع للعالم بكل ما فيه ، فأشرفت ( 2 ) على انه هو ، وتوهمت إحداثه لكل ما دونه لتوهمك لكل ما شاهدته بحواسك ، فأحطت بكل هذا علما ، واحتويت على جميعه فهما

قالت : بلى . قالت : يا أيتها النفس التي بلغت هذه المبالغ النائية ، وترقت إلى هذه المراقي العالية ، وسربت في تبك السبل الغامضة ، واستسهلت الولوج في تلك الشعاب الخافية ، وسمت إلى التوقل إلى تلك المنازل

مخ ۴۴۴

السامية ، وتكلفت الارتقاء إلى دار تلك الفلك الشاهقة : تفكري إذ وصلت إلى هذه الرتب ، وخرقت تلك الحجب ، ورفعت دونك تلك الستور المسبلة ، وفتحت لك تلك الأبواب المغلقة المقفلة ، وسهل عليك تولج تلك المضايق الهائلة ، وتأتى لك تخلل تلك الثنايا البعيدة ، هل عرفت مائيتك ، وهل دريت كيفيتك ، وهل وقفت على أي شيء أنت ، وما جوهرك وهل أشرفت على حملك لصفاتك ، كيف حملتها

قالت : لا ، ما عرفت شيا من ذلك .

قالت : يا أيتها النفس العارفة بغيرها ، الجاهلة بذاتها : فهل تعرفين محلك ومن أين أنت ، ومن أين تتكلمين ، وكيف تحركين هذه الأعضاء المصونة إذا حركتها ، الساكنة إذا تركتها

قالت : لا . قالت : يا أيتها النفس المعجب شأنها فيما علمت وفيما جهلت : هل تذكرين أين كنت ومن أين أقبلت ، وكيف تعلقت بهذا الجسد المظلم الميت الجاهل ، وكيف تصريفك له ، وكيف بقاؤك فيه بالأسباب الممسكة لك معه ، وكيف انفصالك عنه عند الآفات العارضة له

قالت : لا .

قالت : يا أيتها النفس المعترفة بجهل ذاتها ، الواقفة على علم ما عداها : ألست أنت المخاطبة والمسؤولة السائلة قالت : بلى .

قالت : فما قطع بك عن معرفة ذاتك وصفاتك ، ومكانك وبدء شانك ، ومحلك وتنقلك ، وكيف تعلقت بهذا الجسد وكيف تصريفك له وكيف تنقلك عنه ؟

مخ ۴۴۵

فتدبرت هذا فأيقنت أنه لو كان علمها ما علمت بقوتها وطبيعتها ، دون مادة من غيرها ، لكان المعجز لها مما جهلته أسهل عليها من الممكن لها مما علمت . فاعترفت بان لها مدبرا علمها ما علمت من البعيدات فعلمته ، وجهلت ما لم يطلعها طلعه من القريبات فجهلته . فيا لك برهانا على عجز المخلوق ومهانته وضعفه وقلته ، نعم وعلى أن النفس لا تفعل ولا تقعد إلا بقوة وإرادة من قبل غيرها لا تتجاوزها ولا تتعداها ، ولله الأمر كله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وحسبنا الله ونعم الوكيل . انتهى القول في النفس والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله ، وسلم تسليما كثيرا

مخ ۴۴۶