لاستحالة التوقُّعُ والطمع عليه تعالى، والتحقيق: أنَّ عسى ولعلَّ إذا وقعتا في كلامه تعالى كانتا على معناهما الأصلي وهو التوقُّعُ والطمع ويكون ذلك بالنسبة إلى المخاطَبين لا بالنسبة للمتكلِّم، كما قال تعالى لموسى وهارون ﵉: (﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)﴾ [طه: ٤٤]،
والمعنى أنَّ كُلًاّ من تَذَكُّرِه وخشيته متوقَّعٌ ومظنون لكما، والذي في علمي القديم أنه لا يتذكَّر ولا يخشى، ولكن أرسلتكما إليه لئلا يكون للناس على الله حجَّة بعد الرسل.
وقوله في الحديث: "وأبغض بغيضكَ" بهمزة القطع لأنه رباعي، يُقال: أَبغضَ زيدٌ عمرًا، قال في المصباح (١): قالوا: ولا يقال: بَغَضْتُه بغير ألف. اهـ.
قلت: وتعبيره بصيغة التبرِّي تشير إلى أنَّ بَغَضَه لغةٌ. أقول: ويشهد له ما في الحديث وهو قوله: "بغيضك" لأنَّ صفة فعيل لا تصاغ إلاَّ من ثلاثي، لكن الإنسب في الحديث أن يكون رباعيًّا، وتكون همزته همزة قطع ليشاكل قوله فيها قوله: "أحبب". ولا يخفى أنَّ المشاكلة من أنواع البديع.
وفي الحديث أيضًا من أنواع البديع الطباق بين قوله: "حبيبك" و"بغيضك" و"أحبب" و"أبغض"، وفيه الاشتقاق بين "أحبب" و"حبيبك" و"أبغض" و"بغيضك"، وفيه الفرائد: وهو الِإتيان بلفظة لا يقوم غيرُها مقامها، وهي في الحديث لفظ: "ما"، وفيه الانسجام والِإيجاز، وفيه الموازنة بين قوله: "أحبب حبيبك" و"أبغض بغيضك"،
_________
(١) المصباح المنير ص ٥٦.
1 / 53