واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، وقلت يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي
صلى الله عليه وسلم
في الغيرة عليه فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن، فنزلت هذه الآية.» ولعل نزول الوحي موافقا رأي عمر في هذه المواقف هو الذي جعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقول: «جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه.» أو يقول: «إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به.»
لهذه المواقف الكثيرة التي وقفها عمر من أسرى بدر، ومن عبد الله بن أبي، ومن الحديبية، ومن حكم الخمر، ومن نساء النبي، دلالة تلفت النظر، وتكشف عن جانب من شخصية عمر كان يزداد على الزمن وضوحا وقوة، ولسنا نقصد جرأته وصراحته وبروز شخصيته، وما إلى ذلك مما أسلفنا ذكره، ولسنا كذلك نريد حسن رأيه وواسع علمه، وإنما نرمي إلى ما دلت هذه المواقف عليه من عظيم اشتغاله بالشئون العامة، وتوفره عليها توفر من تعنيه سياسة قومه وتدبير أمورهم والعمل على حسن نظامهم، والواقع أنه برز في هذه الناحية أكثر مما برز غيره؛ ولذلك كان النبي يدعوه وزيره، وكان حين يشاور أصحابه يجعل لرأي عمر مكانة تعدل مكانة الرأي الذي يبديه أبو بكر صفي رسول الله وخليله.
وكان قدر عمر لا يفتأ لهذا يسمو في عيون المسلمين جميعا، مع أن النبي كان يخالف رأيه في كثير من المواقف مخالفة ترجع إلى ما كان لعمر من صلابة تجاوز الحزم، ولا تلتقي من ثم مع ما جمع رسول الله بين الحزم والحسنى، وبين القدرة والعفو.
لما سار المسلمون إلى فتح مكة، خرج العباس بن عبد المطلب، فرأى جيش ابن أخيه وقوته وأن لا قبل لقريش به، وخرج أبو سفيان بن حرب في جماعة يتنطسون الأخبار، وفيما أبو سفيان يتحدث إلى أصحابه عرف العباس صوته فقال له: يا أبا سفيان، هذا رسول الله في الناس، وا صباح قريش إذا دخل مكة عنوة! قال أبو سفيان: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟ وكان العباس على بغلة النبي البيضاء، فأركبه في عجزها، ورد أصحابه إلى مكة وسار به يريد النبي، ورأى عمر البغلة وعرف أبو سفيان، وأدرك أن العباس يريد أن يجيره، فأسرع إلى خيمة النبي وطلب إليه أن يضرب عنقه، فقال العباس: إني يا رسول الله قد أجرته، واحتدمت المناقشة بين عمر والعباس في أمر أبي سفيان، فأرجأ رسول الله الأمر إلى الصباح، وفي الصباح أسلم أبو سفيان بعد حوار بينه وبين رسول الله، فجعل النبي له من الفخر أنه: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن.» وذهب عمر محنقا لنجاة أبي سفيان، حتى إذا فتحت مكة أبوابها، علم أن أمر رسول الله في هذه كأمره من قبل في قصة ابن أبي، كان أعظم بركة من أمره.
على أن صرامة عمر وصراحته ومخالفة النبي رأيه في بعض ما أشار به لم تنقص يوما من مكانة عمر أو من احترامه، ذلك بأنه كان صادق الإخلاص في كل ما يراه ويشير به، وللمخلص علينا حق احترامه وإكباره، وإن لم نأخذ بمشورته؛ ما بالك به إذا جاء الحق على لسانه في الكثير من مواقفه! ثم ما بالك به إذا خالفناه فرأيناه على الحق فرجعنا إلى رأيه! بعث النبي أبا هريرة يبشر بالجنة من شهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه، فلما سمعه عمر رده إلى رسول الله ردا عنيفا، وذهب في أثره يسأل رسول الله: أحق قد بعثته يبشر الناس هذه البشرى؟ فلما أجاب رسول الله أن نعم، قال عمر: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، وأخذ رسول الله برأيه وقال: فخلهم.
ولما اشتد برسول الله مرضه الأخير أشار إلى رجال من المسلمين كانوا في البيت حوله فقال: «إيتوني بدواة وصحيفة، أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا.» واختلف الحاضرون، يقول بعضهم: «قربوا ليكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده.» ويخالفهم آخرون على رأسهم عمر فيقولون: «إن رسول الله قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن وحسبنا كتاب الله.»
ناپیژندل شوی مخ