15
إن الموضوعين المرئيين، الأصل والنسخة، يختلفان؛ لأن ذلك الشيء الذي أدار دفة العمل الفني لا يشرف على تصنيع النسخة، وإنني لأقترح أن ما يدير دفة العمل الفني هو ذلك الانفعال الذي يمكن الفنانين من خلق الشكل الدال. إن النسخة الجيدة، تلك التي تحرك مشاعرنا، هي دائما من عمل شخص استحوذ عليه هذا الانفعال الخفي؛ فالنسخ الجيدة ليست على الإطلاق محاولات للتقليد الدقيق؛ فنحن عند الفحص نجد دائما فروقا ضخمة بين النسخ والأصول، النسخ الجيدة هي عمل رجال أو نساء لا ينسخون بل بمكنتهم أن يترجموا فن الآخرين إلى لغتهم الخاصة. إن القدرة على خلق شكل دال لا تعتمد على بصر حاد كبصر الصقر بل على قدرة خاصة ذهنية وانفعالية، حتى في عملية نسخ لوحة، لا يتوجب على المرء أن ينظر كملاحظ مدرب، بل أن يشعر كفنان، ويبدو أنه يتحتم على المبدع لكي يلقي شعورا في روع المشاهد ... أن يشعر هو أيضا، ما هو هذا الشيء الذي تفتقر إليه الأشكال المقلدة وتتحلى به الأشكال المبدعة؟ ما هو هذا الشيء الخفي الذي يحكم الفنان في عملية خلق الأشكال؟ ما ذلك الذي يكمن من وراء الأشكال ويبدو أنه ينتقل إلينا من خلالها؟ ما الشيء الذي يميز المبدع عن الناسخ؟ وما عساه أن يكون غير انفعال؟ أليس ما يجعل أشكال الفنان أشكالا دالة هو أنها تعبر عن صنف معين من الانفعال؟ وما يجعلها مترابطة هو أنها تنطبق على الانفعال وتطوقه؟ وما يجعلها ترقى بنا إلى معارج الوجد هو أنها توصل الانفعال وتبثه؟
ثمة كلمة تحذير لا بد منها: يجب ألا يتخيل أحد أن التعبير عن انفعال هو العلامة الخارجية والمرئية للعمل الفني؛ فالسمة المميزة للعمل الفني هي قدرته على إثارة انفعال إستطيقي، ومن المحتمل أن يكون التعبير عن انفعال هو ما يمنح العمل تلك القدرة. إنه لمن العبث أن تذهب إلى معرض صور بحثا عن التعبير، بل ينبغي أن يكون ذهابك بحثا عن شكل دال، وحالما أطربك شكل فإن لك عندئذ أن تشرع في النظر فيما جعلك تطرب، فإذا صحت نظريتي فإن صواب الشكل هو بلا استثناء نتيجة مترتبة على صواب الانفعال. إنني أدعي أن الشكل الصائب يحكمه وينظمه نوع معين من الانفعال، ولكن سواء صحت نظريتي أم أخطأت فإن الشكل يظل صائبا، فمتى جاءت الأشكال مرضية فلا بد أن الحالة الذهنية التي اقتضتها كانت حالة صائبة إستطيقيا، أما إن جاءت الأشكال خاطئة فلن يترتب على ذلك أن الحالة الذهنية كانت خاطئة بالضرورة، فبين لحظة الإلهام ولحظة انتهاء العمل الفني ثمة متسع لزلات عديدة. إن الانفعال الواهن أو القاصر هو على أكثر تقدير مجرد تفسير واحد للشكل الفاشل؛ ولذا فعندما يصادف الناقد شكلا مرضيا فعليه ألا يكرث نفسه حول مشاعر الفنان، وبحسبه أن يحس الدلالة الإستطيقية للأشكال التي أبدعها، فإذا اكترث بالحالة الذهنية للفنان فليكن على ثقة بأنها كانت صائبة ما دامت الأشكال صائبة، أما عندما يحاول الناقد أن يعلل لقصور الأشكال فإن له أن يبحث في الحالة الذهنية للفنان، وهو لن يسعه أن يثق بخطأ الحالة الذهنية قياسا على خطأ الأشكال؛ ذلك أن الأشكال الصائبة تدل ضمنا على شعور صائب، ولكن إذا سعى الناقد إلى تفسير خطأ الشكل فثم احتمال لا يمكن إغفاله؛ أنه سيكون قد غادر الأرض الصلبة للإستطيقا لكي يترحل في جو غير مستقر. إن المرء في نطاق النقد ليتعلق بأية قشة، ولا ضير في ذلك ما تذكر دائما أنه مهما تكن عبقرية النظريات التي قد يقدمها فهي لن تعدو أن تكون محاولات لتفسير حقيقة مركزية واحدة؛ هي أن بعض الأشكال يحركنا إستطيقيا والبعض الآخر لا يفعل ذلك.
لقد جذبني هذا البحث قريبا من مسألة لا هي إستطيقية ولا ميتافيزيقية، ولكنها تمس كلا المجالين. إنها مسألة المشكلة الفنية، وهي في حقيقة الأمر مسألة تكنيكية. لقد زعمت أن مهمة الفنان هي إما أن يخلق شكلا دالا وإما أن يعبر عن حس بالواقع - حسبما تفضل من تعبير. غير أن من المؤكد أننا قلما نجد فنانا، إن وجدنا أحدا على الإطلاق، يمكن أن يقعد أو يقوم لا لشيء إلا لكي يبدع شكلا دالا، أو لكي يعبر عن حس بالواقع، دون أي تحديد أبعد من ذلك، إنما يتوجب على الفنانين أن يتخذوا لانفعالهم مجرى معينا ... أن يركزوا طاقاتهم على مشكلة محددة؛ فالشخص الذي يشرع في رحلة صوب العالم كله هيهات له أن يبلغ مكانا، هذه الحقيقة تفسر لنا الضرورة المطلقة للمواضعات الفنية، وتفسر لنا لماذا تعد كتابة شعر جيد أيسر من كتابة نثر جيد، ولماذا تكون كتابة الشعر المرسل
16
الجيد أصعب من كتابة مقاطع جيدة من شعر الدوبيت المقفى ، هذا هو مغزى القوالب الفنية مثل السونيتة،
17
والبالاد،
18
والروندو:
ناپیژندل شوی مخ