illusion
تخيل للناظر أنه يرى الطبيعة نفسها، وتبلغ ذروة الفن إذا عجز المشاهد عن أن يفرق بينها وبين الواقع.
ولكن إذا كان الفن تمثيلا أو نسخا للواقع، فأي نفع نناله من تمثيل ما هو ماثل؟ وأي جدوى تعود علينا من الحصول على «نسخ» ولدينا «الأصل» طوع يدنا؟ يقول أرسطو إن الناس تجد متعة في رؤية الشبيه؛ لأن في الاستدلال والتعرف على الأنموذج
model
متعة، غير أن بل والشكليين يرون أن متعة التعرف ليست متعة إستطيقية؛ فحين يكون اهتمام المتلقي منصرفا إلى التعلم أو الاستدلال أو التعرف، فإن إدراكه لا يقع على العمل الفني ككل، وإنما يقع على «موضوعه» فقط؛ أي على الشيء الذي يمثله العمل، حينئذ تكون صورة فوتوغرافية تافهة أوفى بالغرض من أي لوحة عظيمة، وبنفس القياس تكون الأعمال الوصفية التي لا هم لها إلا التمثيل الدقيق عبثا لا طائل منه و«إهدارا لساعات رجال ذوي اقتدار من الأجدى أن يستخدموا في أعمال أوسع نفعا»، إنما الفن عالم آخر مستقل نوعيا عن العالم الخارجي، ولا سبيل إلى رده إلى عالم الواقع، إنه عالم إنساني منبثق عن ذهن الإنسان ونشاطه الخالق، إنه إبداع بشري خالص غير ملزم بترديد الحقيقة الموضوعية أو نسخ الوجود الخارجي، وما كان لتمييز التشابه بين أشكال العمل الفني والأشكال المألوفة في الحياة أن يخلق انفعالا إستطيقيا، فليس غير «الشكل الدال» ما يقوى على ذلك، وليس هناك ما يمنع بطبيعة الحال أن تكون الأشكال الواقعية دالة إستطيقيا وأن يخلق منها الفنان عملا رائعا، غير أن ما يعنينا منها عندئذ هو قيمتها الإستطيقية لا قيمتها المعرفية، فبإمكان العنصر المعرفي أو التمثيلي في العمل الفني أن يكون مفيدا كوسيلة إلى إدراك العلاقات الشكلية وليس بأي طريقة أخرى.
لذا يؤكد بل على أن التذوق الفني الصحيح ينبغي أن يقع على الشكل، وهنا يكون العنصر التمثيلي عبئا على الإدراك الفني وحائلا بينه وبين دلالة الشكل، ولا يصبح العنصر التمثيلي مفيدا إلا إذا اقتصر دوره على أن يكون مفتاحا متروكا في العمل نفتح به - حين تعوزنا الخبرة الذوقية الكاملة - بابا خلفيا إلى عالم الشكل الدال، ولا يكون مفيدا ما لم يكن مدمجا ومستوعبا في الشكل، أما أن تستلفتنا «المشابهة» وتصرف انتباهنا عن العلاقات الشكلية، فنحن بنفس الدرجة نكون قد أدرنا ظهرنا لعالم الفن وطفقنا راجعين إلى عالم الحياة.
الفرضية الميتافيزيقية
لماذا تتأثر مشاعرنا كل هذا التأثر حيال الأشكال الدالة؟
لماذا نطرب كل هذا الطرب؟ ونجد كل هذا الوجد؟
يبدو ممكنا في رأي بل أن الشكل المبدع يهزنا بهذا العمق لأنه يعبر عن انفعال مبدعه ويوصل إلينا هذا الانفعال، فتجاه أي شيء إذن يشعر الفنان بذلك الانفعال الذي يفترض أنه يعبر عنه؟ يبدو من وجهة نظر بل أن الفنان في لحظات إلهامه يحس انفعالا تجاه الأشياء بوصفها «أشكالا خالصة»؛ أي بوصفها غايات في ذاتها، لا بوصفها وسائل ملفعة بالارتباطات؛ أي إن الفنان في لحظة الرؤية الإستطيقية يرى الأشياء مبرأة من كل ضروب الاهتمام السببي والطارئ، ومن كل ما يمكن أن تكون قد اكتسبته من طيلة صحبتها لبني البشر، ومن كل دلالة لها كوسيلة؛ ومن ثم يحس دلالتها كغاية في ذاتها.
ناپیژندل شوی مخ