41

فن معاصر: مقدمه قصیره جدا

الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا

ژانرونه

وفي نهاية المطاف، إن غرض الفن هو أن يكفل لمشاهديه المثقفين أنهم - رغم فساد الديمقراطية، وتلاعب الإعلام، وتلوث البيئة العقلية بالدعاية التجارية القوية التي لا تتوقف - كما هم، لم يمسسهم سوء، ويتمتعون بالحرية. عندما يصادق الفنانون عليه، بإمكانهم المشاركة في نقاش اجتماعي هادف مع غرباء من ذوي الميول المشتركة.

يواجه المشاهد العالمي بعالمية من نوع آخر. بين سيرجي جيلباوت كيف أن النزعة الإقليمية والنزعة القومية - الاهتمامات المحلية الخاصة - بفن الولايات المتحدة أخذتا تتناقصان مع تحرك الولايات المتحدة تجاه ترسيخ هيمنتها العالمية. في مرحلة متقدمة، بطلت هذه الهيمنة، بحيث أنه لم يعد يشترط أن يكون الفن أمريكيا، بل يجب أن يصنع وفقا للنموذج الأمريكي للنيوليبرالية العالمية.

يمكننا أن نخلص إلى أن الفن المعاصر الذي يحظى بأكثر إشادة هو الفن الذي يسهم في تدعيم مصالح الاقتصاد النيوليبرالي، وكسر الحواجز التجارية، وآليات التكافل المحلية، والارتباطات الثقافية في إطار عملية مستمرة من التهجين. لا ينبغي أن يكون هذا سببا يدعو للدهشة، لكن ثمة تباين ضخم بين نظرة عالم الفن المعاصر لنفسه ووظيفته الفعلية.

يتجاوز الفن حدود الخصوصية المحلية، ويساعد في تغيير ثقافات واقتصاديات العالم ومزجها. إن الجوانب التصاعدية والتنازلية لهذه العملية متصلة على نحو معقد. تنهزم مواطن المقاومة المحلية، وفي أماكن كثيرة تسوء الأوضاع نتيجة لذلك. على نحو مماثل، يمهد الفن الطريق أمام اندماج أكبر، وظهور تضامنات أوسع، أوضحها هارت ونيجري على نحو مقنع للغاية في كتاب «الإمبراطورية». ومع ذلك، فإن أية سمة تصاعدية بدعم عالم الفن للنيوليبرالية هي معاكسة لنظرته الخاصة لأفعاله، والتي تنصب على الخاص والشخصي وغير الذرائعي، وبالطبع ليس على التضحية بالطبائع الخاصة في سياق التجانس العالمي. هذا التباين تحديدا هو الذي يشكل الإسهام الرئيسي للفن، في النهاية، فيما تنفذه الثقافة الجماهيرية بصورة أكثر فاعلية كثيرا: اجتذاب قطاعات من النخبة تسمو فوق ثقافاتها المحلية وتبتعد عنها، وذريعة أيديولوجية فعالة للغاية لأفعال ذلك الجمهور في تواطئه مع رأس المال العالمي.

إلا أن هذا الموقف يتميز بتوترات وتناقضات مختلفة. لقد رأينا أن انعدام جدوى الفن - وهي جدواه الرئيسية - تشوه بحاجات خاصة بالحكومة والشركات. وفي تطور متصل، تعرضت نخبوية الفن للتشكيك نتيجة لمحاولة توسيع نطاق جاذبيتها: إذ تثمن الشركات الفن لسمته الحصرية، فيما تهتم الدول بوجه عام بالنقيض، وترغب في توسيع حيزه. وفي النهاية إن وسيلة الفن الإنتاجية، وهي تكنولوجية بصورة متزايدة، دخلت في صراع مع علاقاته الإنتاجية العتيقة.

تندرج فرص استغلال هذه التوترات ضمن فئات أربع. الأولى: تحطيم الأيقونات؛ فتدمير الفن - أو حتى محاولة فعل ذلك - هو الاعتراض الأساسي على الفكرة الضمنية للفن المعاصر القاضية بأن كل الرموز متاحة بالتساوي أمام التلاعب. إن أقارب ضحايا مايرا هيندلي رأوا أن صورتها لا يجب أن تكون عرضة لمثل هذا التلاعب، ودعمهم شخصان حاولا تدمير عمل ماركوس هارفي «مايرا» إبان عرضه في معرض «شعور»، بالمثل تعرضت لوحة كريس أوفيلي «مريم العذراء»، التي جاور فيها الرسم الرئيسي بمقصوصات من مجلات إباحية، للهجوم عند عرضها بمعرض «إحساس» بنيويورك. إن مثل هذه الأعمال تتحدى أيضا الرأي الذي يؤمن به الكثيرون بأن جميع الأعمال الفنية جيدة، وهو نتاج التعبير المطلق عن الذات. حين تتعرض الأعمال الفنية العامة للهجوم، يتبين محيطها وغايتها وسياسة مباشرتها. كان الإحراق المتعمد المخطط جيدا في برمنجهام لمنحوتة «إلى الأمام» لريموند مايسون، والذي مقته الكثير من سكان المدينة؛ ممارسة للسلطة المبتذلة على قطعة فنية الغرض منها الدعاية للسلطة المحلية.

أما الفئتان الثانية والثالثة فتتمثلان في مذهب النشاط السياسي في الفن، والاستغلال المتصل لوسائل تكنولوجية لتفادي نظام عالم الفن. كان هناك بعض الانتقادات الصريحة للنيوليبرالية داخل نطاق البيناليات العالمية. اتخذت أحدث مناسبتين لمعارض «دوكيومنتا» من المشاركة السياسية موضوعا لهما: فمعرض «دوكيومنتا العاشر»، تحت إشراف كاثرين ديفيد، اتخذ سمة لا سياسية لعالم الفن في ذروة انتعاش التسعينيات، ونتيجة لذلك أدين أشد الإدانة في مناح كثيرة لكونه يتأمل الماضي ويشتاق إليه؛ ومعرض «دوكيومنتا الحادي عشر»، أشرف عليه أكوي إنويزر، وكان إشارة واضحة أخرى على أن الفن الهامشي انتقل إلى مركز الاهتمام، فقد ضم مجموعة هائلة من الأعمال النقدية، دعمها نقاشات جرت في أماكن كثيرة حول العالم، ونشر حوارات عن الديمقراطية، والصدق والتصالح، والكريولية والمدينة في أمريكا اللاتينية. مع ذلك، ما دام أن هذه الأعمال تبقى داخل نطاق بنى العالم الفني التقليدية، فإن هذه الانتقادات تحتوي تناقضات واضحة في ذاتها توهن من قوتها المحتملة.

في كتاب صغير مازح - يصور حوارا بين ماثيو أرنات وماثيو كولينجز عن معرض «دوكيومنتا الحادي عشر»، ومن خلاله حديث بالمثل عن شخصيهما ولغتهما النقدية - يعبر الكاتبان عن انزعاجهما من استعراض الأعمال المغايرة. وبصورة نمطية، لا يملك كولينجز، وفي سبيل جعل القارئ غير منزعج من سهوه وقلة خبرته، سوى ذكريات مبهمة ومشوشة عما شاهده، مع ذلك يذكر اعتراضه على الطريقة التي «عبس بها جميع الموجودين فوق المنصة بالمؤتمر الصحفي، ويشعرون بألم المعاناة، أو معاناة الألم، أو على الأقل كانوا يتحدثون بتكلف وكانوا يجفلون كثيرا.» إن المغزى المهم هنا أن مثل ردود الأفعال هذه متفق عليه مقدما. بالنسبة لهؤلاء - أمثال كولينجز - الذين يعادون الافتراضات «السليمة سياسيا»، فمثل هذه الأعمال ضعيفة.

يحدد أرنات، بلغة نثرية منمقة عدوانية، ما يمكن أن يمثله حراك هذه الرؤى من مغزى صنعها إلى فخامة الفن الألماني:

الجميع «يعلم»، وذلك بناء على عرفانية معكوسة - شيء مثل العجرفة ذات المبادئ - التي توظف في «خدمتها» الكائنات الحية بأفريقيا (الغنية بالألوان والراقصة في كل فرصة)، «والمشاعر» المعذبة لضحايا «البشاعات» السياسية والاقتصادية المبعدين جغرافيا، وتوحد بينها. بتلك الطريقة، فإن اعتذار المركز على مركزيته الخاصة ينسحب على إدارة شئونه المريعة والشاذة، إذ يأتي بفاكهة الغيرية العجيبة، ويخفقها لتتحول إلى شيء هلامي القوام؛ كم هو أمر مقزز!

ناپیژندل شوی مخ