38

فن معاصر: مقدمه قصیره جدا

الفن المعاصر: مقدمة قصيرة جدا

ژانرونه

يفترض هيكي على نحو غريب أن الناس - وجماهير الفن المثقفة على وجه الخصوص - لا يمكنهم الاستمتاع بعمل مرهق، أو عمل سياسي، أو حتى تلاعب بالأفكار.

يصل النقاد الثلاثة، دانتو ومكافيلي وهيكي، عبر طرق مختلفة تماما إلى وجهات مماثلة: أن عالم الفن المعاصر (على حد التعبير الشائن لروبرت فينتوري ومعاونيه في كتاب «التعلم من لاس فيجاس»، والذي يضرب بجذوره في حركة ما بعد الحداثة) «لا بأس به تقريبا». ينبغي على مشاهدي الأعمال الفنية أن يتملكهم السرور جراء التمتع بالتنوع العظيم الذي لا يمكن تطويقه للفن.

رأينا أن هناك أسبابا عديدة وراء تحول هذا التنوع بعينه إلى تماثل محدد. يشير بورديو إلى سبب آخر: إن كلا من إنتاج الأعمال الفنية واستهلاكها، والتي انبثقت من تقليد مديد خاص بكسر التقاليد، يحملان معهما قدرا هائلا من الإشارات التاريخية، فتصير تاريخية وغير مؤرخة تماما في آن واحد؛ فهي تشير إلى عدد هائل من الأنماط لكنهما لا يذكران أيا منها، أو ظروف نشأتها؛ فيختزل التاريخ في تاريخ خالص للأنماط، ويمتد كأنه طاولة يتسنى انتقاء أي مزيج من الخيارات منها.

إن السمة المميزة لهذا السيناريو هي التقارب بين التفسيرات الأكاديمية للفن وتلك الكتابات الأكثر شعبية التي تحبذ الاستمتاع مطمئن البال بالجمال. يحبذ كل من الأكاديميين الذين يلتزمون بتطبيق مبدأ شفرة أوكام ضد أية مشكلة ثقافية محتملة، والنقاد الذين يجتهدون من أجل وضوح عقلاني ومدروس ومسل، كلهم يحبذون التشظي، الفرد أو النفسية المنقسمة، وحدود المعرفة المولدة اجتماعيا وسوء النية تجاهها، والإحساس المؤثر بالدوار من المجهول، وهم يفعلون ذلك في وقت تزداد فيه هيمنة أساليب وتقنيات معقولة تماما على الفن.

على أية حال، تعرضت مصداقية هذه الآراء مؤخرا لصفعة؛ فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر على وجه التحديد، يتعارض ظهور الإمبريالية الصارخة للولايات المتحدة - باستهانتها غير المبالية والفادحة بالقانون الدولي - مع العولمة والتعددية الثقافية المثالية التي تجلت في رؤية مكافيلي. إن عودة المعارضة القوية للرأسمالية، ومعها الفن الطليعي، كان يجب أن تكون مستحيلة إذا كانت رؤيتا فوكوياما ودانتو دقيقتين. أما تأييد هيكي للجمال والسوق، فقد بدا مقبولا فقط ما دام أن الاقتصاد منتعش، واستمر مستهلكو الفن في التلذذ بالأشياء الجميلة. سنرى في الفصل القادم كيف أن هذه العوامل وغيرها فاقمت التوترات الحالية في نظام عالم الفن.

هوامش

الفصل السادس

تناقضات

الفن المعاصر، لا بأس، لكن معاصر لأي شيء؟ (بول فيريليو، «الفن والخوف»)

من الناحية الأيديولوجية، زعم ماركس وإنجلز أن الأشياء تبدو مقلوبة رأسا على عقب. يحتفي الفن المعاصر بكل ما هو مفروض علينا باعتباره ممارسة للحرية، ويفعل ذلك على نحو معقول لأن الحرية المتحالفة مع الاستهلاك هي تجربة النخبة، التي ترى الفن - من حيث تبني الأدوار ونبذها، والهويات المتعددة التي تكونت - في ضوء اختيار المستهلك. لقد بدأت أحداث أخيرة - مداهمة ركود عالمي جديد، وظهور الحركات السياسية الراديكالية، والعواقب الكثيرة لمشروع إمبريالي تنتهجه الولايات المتحدة علنا - في تحطيم الاتفاق الذي ظل لفترة طويلة حول دور الفن وطابعه، ونتيجة لذلك، بدأ التعبير عن بعض من الآراء المتنوعة للغاية حول الفن، حتى من داخل نطاق النخبة المثقفة.

ناپیژندل شوی مخ