عناية السيوطي بعلم الحديث وبراعته فيه:
وكان الشيخُ ﵀ أعلمَ أهلِ زمانه بعلوم الحديث وفنونِه وأنواعه كلها، حافظًا متقنًا عالمًا عارفًا بصحيحِه وحَسَنِه وضعيفه وأنواعه كلها: غريبِه وموضوعِه، وطرقِه كلّها وشرح معانيه وغريبِ ألفاظه وإعرابه وحلّ مشكله، واستنباط أحكامه، وفِقْهه، وأسماء رجاله وضبطهم وأَنسابهم ومواليدهم ووفياتهم وبلدانهم، وتجريحهم وتعديلهم، وطبقات الرواة ومراتبهم ومعرفة أزمانهم وتواريخهم. له اليد الطُّولى في هذه الأنواع كلها، بل له فيها مؤلف متكفل لا يُحتاج معه إلى غيره.
واتّفق لشيخ الإِسلام ابنِ حجر رحمه الله تعالى أنه سُئل عن أشياءَ في الحديث وغيره فأجابَ عن بعضها ولم يُجِبْ عن بقيتها بشيء معتذرًا عنها لعدم الوقوف عليها، فأجابَ عنها شيخُنا ﵀ بما دلَّ على حفظه وَسِعَةِ اطِّلاعه.
وقد خَرقَ اللَّه له انتظامَ العوائد، وأعطاه ما لم يُعْطِ أحدًا في زمانِه من الحفظِ وسرعةِ الاستحضار للعلومِ والفوائد، وساعَده على ذلك بعنايته سبحانه وأمدّه، فكان لا يغيب عن ذهنه شيءٌ ولو طالت المدّة.
وكان ﵀ إذا سُئِل عن مسألةٍ أجابَ عنها بديهةً في الحال. ثم يقولُ للسّائل: الذهنُ خَوّان، أعطِني ذلك الكتابَ الذي يُشير إليه، فيأخذُه ويفتحه في أول مرة، فكأنَّما ذلك الموضع الذي فيه الجواب مُعلّم معه بعلامة. ويقول للسائل: خذ واقرأ، فيجدُ الجوابَ الذي أجاب به كما ذكره بحروفه.
سُئل ﵀ في بعض الدروس عن محفوظ شيخ الإِسلام ابن حجر من الحديث: ما قدرُه؟ وعن محفوظِ الشيخ عثمان الدَّيمي، وعن محفوظ الشّيخ شمس الدين السَّخاوي، وعن محفوظ القاضي قطب الدِّين
1 / 16