فلسفه تاریخ عند ویکو
فلسفة التاريخ عند فيكو
ژانرونه
على نحو ما كان عليه الحال في القانون الإقطاعي للعصر البربري الأول حيث كان هذا النوع من الملكية يعني ملكية النبلاء لإقطاعات مسلحة. كذلك كانت الأراضي الإقطاعية في البربرية الجديدة تدعى «حقوق أصحاب الحراب» - فالنبلاء وحدهم هم السادة الملاك
auctores - لتمييزهم عن أراض أخرى تسمى «أراضي العبيد»، وهي الأراضي التي استولى عليها العامة من السادة الأبطال في عصر الحريات الشعبية. ومثلما كان مجلس الشيوخ في العصر البربري الأول يتألف من الأبطال، كانت البرلمانات الأولى في أوروبا تتألف من البارونات والنبلاء والأمراء، الملوك على رأس البرلمان والنبلاء وكلاء مفوضون عن الملك في المجالس والمحاكمات القضائية كما يشهد بذلك تاريخ فرنسا.
ويعود فيكو مرة أخرى إلى نفي الرأي القائل ببراءة العصور الأولى فيقول إن علماء القانون المتأخرين استسلموا لهذا الرأي الزائف، كما استسلم بعض فلاسفة السياسة لرأي أرسطو القائل بأن الأمم القديمة لم تكن لديها قوانين لمعاقبة جرائم الأشخاص. وقد وقع تاسيتوس قديما في هذا الخطأ في الحوليات عندما ذكر أن البشر في الأمم القديمة السابقة على نشأة المدن كانوا يعيشون عيشة آدم في حال من البراءة المطلقة. وينفي فيكو هذا الرأي ويثبت خطأ السابقين لأن فعل القتل معروف منذ العصور المبكرة ولكنه لم يكن يعد جريمة إلا في حالة قتل الآباء، أما قتل العبيد فلا يعد جريمة؛ فالمجتمع في هذه العصور الأولى ينقسم إلى: مواطنين (وهم الآباء أو الأبطال) وعبيد، وكان قتل المواطن جريمة تسمى
أي قتل الأب ويعد فعلا عدائيا موجها للوطن كله، بينما قتل العبيد لا يعد جريمة؛ فالعبد إما أن يقتل من قبل سيده وهذا ليس جريمة لأن العبد ملك لسيده وله عليه حق الموت، وإما أن يقتل العبد من قبل شخص آخر ومثل هذه الحالة أيضا لا تعد جريمة بل يعوض سيده عنه لأنه مالكه. ويؤكد فيكو أن هذا ما زال يحدث في بعض البلدان في العصور البربرية الثانية مثل بولندا، ولاتوانيا، والسويد والدانمارك، ولكن في عصر الحريات الشعبية أصبح قتل الإنسان جريمة سواء أكان هذا الإنسان نبيلا أو عبدا.
ويستمر فيكو في بيان تشابه سمات العصور البطولية الأولى والثانية، فكما كانت المبادئ الأبدية للنظام الإقطاعي وراء نشأة نظم الحكم في الحكومات الأولى، كما نشأ القانون الروماني من النظام الإقطاعي الذي ساد في إقليم لاتيوم، كذلك نشأت أيضا نظم الحكم الملكية في أوروبا الحديثة من المبادئ الأبدية للنظام الإقطاعي، فكانت القضايا الخاصة بالأراضي الإقطاعية تناقش في البرلمانات؛ ومن ثم نشأت العادات الإقطاعية - التي تعد من أقدم العادات في أوروبا - والتي تؤكد أن القانون الطبيعي للأمم نشأ عن تلك العادات البشرية التي سادت في ظل النظام الإقطاعي. ولقد شاهد فيكو بنفسه أثرا من آثار البربرية الثانية ممثلا في المجلس المقدس لمدينة نابولي؛ إذ كان رئيس هذا المجلس يلقب باسم الملك المقدس، كما كان أعضاؤه جنودا لأن النبلاء في البربرية الثانية كانوا وحدهم الجنود المحاربين، أما العامة فكانوا يخدمون في الحروب على نحو ما كان يحدث في البربرية الأولى سواء مما ذكره هوميروس أو ما نعرفه من التاريخ الروماني القديم.
ومع نشأة المدارس والجامعات في إيطاليا وانتشار تعليم القانون الروماني وخاصة تلك القوانين التي احتوتها مدونة جوستنيان وقامت على القانون الطبيعي للبشر، تهيأت العقول لقبول قانون المساواة الطبيعية الذي يجعل الشعب والنبلاء على السواء متساوين في الحقوق المدنية كما هم متساوون في الطبيعية البشرية، وكما حدث في البربرية الأولى عندما تسربت القوانين إلى العامة فانهارت سلطة النبلاء تدريجيا، حدث نفس الشيء في ممالك أوروبا في العصور البربرية الثانية مع انتشار التعليم ودراسة القوانين في الجامعات، فانتقل الحكم في هذه الممالك من الحكم الأرستقراطي إلى الحكومات الشعبية الحرة لكي تنتهي أخيرا إلى النظم الملكية الكاملة وهما مرحلتا العصر البشري، وهذان الشكلان الأخيران من أشكال الدولة يسمحان بالانتقال من أحدهما إلى الآخر، ولكن العودة من أحدهما إلى النظام الأرستقراطي هو أمر مستحيل لا تسمح به الطبيعة البشرية المدنية. فعندما تصل الشعوب إلى نظم الحكم الشعبية الحرة ومنها إلى الملكية لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترتد مرة أخرى إلى النظام الأرستقراطي، وهذا ما أثبتته الشواهد التاريخية كما حدث مثلا عندما ذبح ديون
Dion
44
بطريقة بربرية حين حاول أن يعيد الأرستقراطية مرة أخرى، كذلك ما حدث للفيثاغوريين من إعدام وحرق بسبب محاولاتهم إعادة النظام الأرستقراطي. إن العامة عندما يبلغ بهم الوعي إلى إدراك المساواة المدنية مع النبلاء يرفضون تماما أن يكونوا دونهم في الحقوق، ويرى فيكو أن بعض النظم الأرستقراطية القليلة التي كانت لا تزال موجودة في عصره تضطر لبذل قصارى جهدها لإرضاء العامة للمحافظة على هذا الوضع الطبقي.
ولا بد أن نلاحظ هنا أن الزمن الذي عاش فيه فيكو كان عصر بشرية جديدة انتشرت بين كل الأمم، وأن عددا قليلا من الملوك العظام كان يحكم عالم الشعوب، وإذا كانت قد بقيت هناك بقية من الشعوب البربرية فمرجع ذلك إلى أن النظم الملكية لهذه الشعوب قد استمرت بفضل الحكمة الشعبية الكامنة في ديانتها وبسبب طبائع شعوبها المضطربة غير المتوازنة، ومن أمثلة النظم التي عاصرها فيكو نجد النظام القيصري في روسيا الذي ظل يعيش في المرحلة الدينية، كذلك خان التتار الذي يحكم شعبا مخنثا - كما يصفه فيكو - أو أنثوي الطبيعة، وأيضا نجاشي الحبشة وملوك فارس ومراكش الأقوياء الذين يحكمون في رأي فيكو شعوبا قبلية ضعيفة ومشتتة ما زالت تعيش المرحلة الدينية. أما في المناطق المعتدلة حيث تسود الطبائع المتوازنة فالأمر مختلف، ففي الشرق الأقصى تعيش اليابان المرحلة البطولية حيث يمارس إمبراطور اليابان حكما عسكريا قاسيا شبيها بحكم الرومان في زمن الحرب القرطاجية؛ لذلك فما زالت اليابان تحتفظ بقدر كبير من طبيعة الحكم البطولي، ويرجع فيكو سبب احتفاظ بعض الشعوب بالمرحلة البطولية إلى أن حكامهم لم يقتنعوا بأن لرعاياهم نفس طبيعتهم البشرية ونفس الحقوق المدنية. ولا بد أن نشير هنا إلى أن المجتمعات البشرية كما يراها فيكو - لا تتقدم دفعة واحدة ولا تسير الأمم جميعها نحو التقدم في آن واحد، بل تمر كل أمة بمراحل التطور التاريخي منفصلة عن الأمم الأخرى، فهل نستطيع أن نقول إن تحليل فيكو أو نظرته للمجتمعات البشرية المتنوعة يختلف عن نظرة فلاسفة عصر التنوير لفكرة تقدم الأمم؟ هذا ما سوف نناقشه في الباب الأخير من البحث، ولكن نكتفي الآن بالقول إن فيكو قد أثبت أن بعض الأمم ما زالت تعيش في المرحلة الدينية وبعضها الآخر يعيش في المرحلة البطولية في الوقت الذي تعيش فيه أوروبا في المرحلة الإنسانية بفضل الديانة المسيحية، وتتمتع بالنظم والحكومات الملكية التي تزدهر فيها العادات والتقاليد الإنسانية؛ فالفكرة النقية الكاملة عن الله - التي جاءت بها المسيحية - حثت على الإحسان والتسامح مع كل البشر، كما أن شعوبا مثل السويد والدانمارك وبولندا وإنجلترا تتمتع بالدستور والحكم الملكي الذي يرى فيه فيكو أفضل نظم الحكم. وفي هذا الجزء من العالم - أي أوروبا - توجد أيضا نظم الحكم الشعبية التي لا نظير لها في العالم، وقد بعثت في ظل هذه النظم - وبحكم الضرورة والمنفعة - الاتحادات والأحلاف التي قامت نظائرها قديما بين المدن الإغريقية لمواجهة خطر الفرس ثم الخطر الروماني. بعثت هذه الاتحادات والأحلاف بين الولايات والمدن الحرة المختلفة في سويسرا وألمانيا وهولندا، وهي آخر شكل من أشكال الحكومات المدنية، ولكن هل تعد نظم الحكم الشعبية والنظم الملكية وحدهما آخر أشكال الحكومات؟ يعتبر فيكو أن النظم الأرستقراطية أيضا تمثل العصر البشري ومن الممكن أن تكون هي آخر شكل من أشكال نظم الحكم. ويؤكد أنه إذا كان في أوروبا خمسة نظم أرستقراطية للحكم فقط، كالتي توجد في البندقية
ناپیژندل شوی مخ