فلسفه تاریخ عند ویکو
فلسفة التاريخ عند فيكو
ژانرونه
ويستدل فيكو على صحة رأيه بنص هام من كتاب السياسة لأرسطو، يتحدث فيه عن أشكال الدول ويذكر الممالك البطولية التي كان فيها الملوك يطبقون القوانين في الداخل ويقودون الحروب في الخارج، كما كانوا في نفس الوقت هم رؤساء الكهنة في الطقوس الدينية. «من كتاب السياسة لأرسطو: إن الجماعات القديمة لم يكن لديها قوانين لمعاقبة العدوان على الأشخاص، أي لم يكن لديها قانون يحمي الأشخاص من الظلم الواقع عليهم، لقد كان هذا هو أسلوب الشعوب البربرية؛ لأن الشعوب في بدايتها كانت في حالة توحش ولم تستطع بعد أن تنظم عاداتها تنظيما قانونيا» (مسلمة 85). «نص آخر ورد في سياسة أرسطو يقول: إن الحكومات القديمة تبين أن النبلاء يقسمون على أن يكونوا أعداء دائمين لعامة الناس» (مسلمة 86). «إن الحكومات الأرستقراطية لا تميل للحروب لكيلا تجعل العامة جنودا محاربة» (مسلمة 87). «حافظت الحكومات الأرستقراطية على ثروة النبلاء لأن هذه الثروة عنصر من عناصر قوة هذه الطبقة» (مسلمة 88). «الشرف هو أسمى وأنبل الحوافز للشجاعة في الحروب» (مسلمة 89). «لا بد للشعوب في أوقات الحرب أن تستبسل أو أن تسلك سلوك الأبطال إذا أرادت أن تنال الشرف في أوقات السلام» (مسلمة 90). «إن صراع الطبقات من أجل الحصول على نفس الحقوق من أقوى العوامل على تقوية الدول» (مسلمة 91). «إن الضعفاء يريدون القوانين، والأقوياء يقاومونها، وأصحاب الطموح يشجعونها ليكسبوا أتباعا لهم» (مسلمة 92).
ويستمر الصراع الطبقي وتظل العامة تتطلع للمساواة في الحقوق المدنية وحقوق الشرف مع طبقة النبلاء إلى أن يضطر النبلاء للخضوع لسلطة القانون، فتتكون الجمهوريات الشعبية الحرة وتقوم المساواة بين النبلاء والعامة في الحقوق المدنية، وتبدأ العامة في سن القوانين ثم تضع نفسها فوق القانون فتسود الفوضى ويعم الاستبداد والطغيان وتنهار نظم الحكم الشعبية فيضطر كل من النبلاء والعامة إلى الخضوع لسلطة رجل واحد ينصب نفسه ملكا وتعود نظم الحكم الملكية، ويصور فيكو هذا في المسلمات التالية: «كان الطريق مفتوحا أمام العامة لإشباع نهمها في الحصول على حقوق الشرف والمناصب الكبيرة؛ لذلك نشأت الحروب الأهلية في الداخل والحروب العدوانية في الخارج» (مسلمة 93). «تزداد الحرية الطبيعية شراسة كلما دافع الفرد عن ملكيته الشخصية» (مسلمة 94).
ويستشهد فيكو بالتاريخ الروماني في تصوير الصراع الطبقي وتطور نظم الحكم فيه (مسلمة 95): «إن الناس تتطلع للمساواة وترفض حالة الخضوع، هكذا كان سلوك طبقة العامة في الحكومات الأرستقراطية الرومانية التي تحولت بفضل هذا السلوك إلى جمهوريات شعبية حرة، ثم حاول الأفراد أن يتفوقوا على بعضهم البعض ففسدت الجمهوريات الشعبية وتحولت إلى جمهوريات يتسلط عليها بعض الأفراد. وأخيرا حاولت العامة أن تخضع القوانين لسيطرتها فنشأت الفوضى، وهذه الحالة هي أسوأ حالات الطغيان إذ يكثر عدد الطغاة، وعند هذا تشعر العامة ببؤسها فتسترد وعيها وتحاول أن تنقذ نفسها بالخضوع لسيطرة فرد واحد، وفي هذه الحالة يسود القانون الملكي الطبيعي الذي حاول به تاسيتوس أن يبرر الملكية الرومانية تحت سيطرة أغسطس.» ويجمل فيكو هذا الصراع مرة أخرى في (مسلمة 96) فيقول: «بفضل الحرية الطبيعية التي لا تخضع لقانون تحلل النبلاء من كل الالتزامات والقيود عندما بدأ تأسيس المجتمعات الأولى على أساس أسري، فنشأت الحكومات الأرستقراطية التي كانوا هم سادتها، ثم اضطر النبلاء أن يتساووا مع العامة في الأعباء والقوانين بعد أن أجبرهم العامة على الخضوع لسلطة القانون. وعلى هذا استقر وضع النبلاء في الجمهوريات الشعبية، ولكنهم مالوا بصورة طبيعية إلى الخضوع لسلطة رجل واحد لكي يضمنوا لأنفسهم حياة مريحة وكان هذا هو حالهم في ظل الملكية.»
21
ولا شك أننا نلاحظ في مسلمة 94 نوعا من التنبؤ بما قاله روسو والاشتراكيون الأوائل وما أكده ماركس بعد ذلك من أن الملكية الخاصة هي أصل الشراسة والعدوان والاستعباد، أي تتحول الحرية الطبيعية في الإنسان إلى شراسة كلما مس أحد أملاكه الشخصية. (1-9) أثر الجغرافيا في تأسيس الشعوب
استعان فيكو بعلم الجغرافيا لدراسة الطبيعة المشتركة للأمم ليبين كيف أن العامل الجغرافي له أثر كبير في تأسيس الشعوب؛ إذ عاش البشر في البداية داخل الجبال ثم انتقلوا إلى السفوح والسهول وأخيرا عاشوا على شواطئ البحار. ويستشهد فيكو بنص من أفلاطون يؤيد به صحة رأيه ويوضح أن البشر في كل العصور يبدءون حياتهم داخل الجبال ثم بالتدريج ينتشرون في السهول. ويستدل كذلك بأمثلة من التاريخ القديم عن تأسيس مدينة صور داخل البلاد، ثم نقلها إلى شاطئ البحر إلى أن جاء الإسكندر ونقلها إلى اليابسة، ومن هذا المنطلق واعتمادا على التاريخ العبري يبرهن فيكو على قدم الشعب اليهودي الذي أسسه نوح في بلاد ما بين الرافدين وأبعد بلاد العالم المأهول بالسكان بعيدا عن البحر؛ ولذلك فهم أقدم الشعوب، ويحاول فيكو أن يثبت صحة هذا بتأكيده أنه قد تأسست هناك أول دولة ملكية من الآشوريين التي حكمت الكلدانيين الذين نشأ بينهم الحكماء الأوائل في العالم ومنهم زرادشت.
ولا يفوتنا أن نأخذ على فيكو هذه الغلطة التاريخية التي وقع فيها؛ لأن أول حكومة ملكية ظهرت في العالم نشأت في ظل الحضارة المصرية القديمة كما أثبتت الحفريات في القرن التاسع عشر، وإن كنا نلتمس له العذر لأن علم الحفريات لم يتقدم ويزدهر إلا في القرن التاسع عشر؛ ولذا لم تتوفر الدراسات الكافية - في عصره - عن الحضارات القديمة. ولنتابع المسلمات لنرى أثر العامل الجغرافي في تأسيس الشعوب. «عاش البشر - بعد الطوفان - فوق الجبال ثم نزلوا للسفوح، وبعد عصور طويلة وجدوا في أنفسهم الشجاعة للاقتراب من شواطئ البحار» (مسلمة 97). «هناك فقرة لأفلاطون
22
يقول فيها: إن البشر بعد الطوفان المحلي (أوجيجن وديكلبينوت) عاشوا في كهوف فوق الجبال، وهؤلاء هم العمالقة السيكلوب الذين يتعرف أفلاطون عن طريقهم على أول رؤساء الأسر الذين ظهروا في العالم، ثم انحدروا على جانبي الجبال وأخيرا نزلوا للسهول» (مسلمة 98). «يقول التراث الشعبي إن صور أسست داخل البلاد ثم نقلت إلى ساحل البحر الفينيقي وانتقلت بعد ذلك إلى جزيرة قريبة إلى أن نقلها الإسكندر الأكبر إلى اليابسة»
23 (مسلمة 99).
ناپیژندل شوی مخ