أن أرسطوطاليس قاس طبيعة الجوامد على صفات الأحياء ومنها الإنسان، فقال: إن الحجر الذي يهوي إلى أسفل، لا يمكن أن يأخذ عادة الصعود، في حين أن الأحياء فيها أشياء زائدة على ماهية الجوامد جعلها حية وجعل لها خصائص وكيوفا غير تلك.
الثاني:
أنه يقول: إن الفضائل ليست فينا بفعل الطبع وحده، وإنها كذلك ليست فينا ضد إرادة الطبع، على أن قوله هذا يستتبع القول بأن الرذائل لا تخرج عن حكم ذلك، فكأنه أراد بهذا أن يقول إن الطبع في أصله صفحة نقية بيضاء، تقبل الفضائل والرذائل، وأن هذه تنمو فينا بحكم العادة وحدها، وهذا المذهب لا يقره عليه عالم واحد من علماء النفس؛ لأن الطبع يولد وفيه آثار ثابتة من الوراثة أو على الأقل من الميل إلى اللذة والفرار من الألم، وأن الطبيعة نفسها تستخدم هذا الطبع الأصيل في الأحياء العليا ليكون أداتها في تسيير المخلوقات، والاحتكام فيها بما يكفل لها الوصول إلى النتائج التي ترمي إليها النواميس الجبرية.
الثالث:
أن القول بأن العادة وحدها هي التي تنمي الفضائل وتتمها قول واسع غير محدود، لا من ناحية الاصطلاح اللفظي، ولا من ناحية المعنى المدرك منه، ولو كان للعادة من الأثر بقدر ما يقول أرسطوطاليس، لكفت المثل والمثلات أن تكون أبلغ الأشياء أثرا في غرس الفضائل في النفوس، ولكنا نرى أن الأكثرين لا ينتفعون بأرقى المثل ولا يكادون يزدجرون بأقسى المثلات كما يقول أرسطوطاليس نفسه.
تكلم أرسطوطاليس في كتابه «الأخلاق إلى نيقوماخس» (ج1 الباب الثالث من الكتاب الثاني ص233-236) في إحدى عشرة مسألة تتعلق برأيه في «اللذة والألم» ولا بد لنا من أن نذكر هذه المسائل ونستطرد في نقدها، وبيان مراميها، لنصل إلى غرضنا من البحث قال: (1)
علاقة ظاهرة للملكات التي نحصلها، هي «اللذة والألم»، أحدهما يقترن بأفعالنا ويعقبها، إن الإنسان الذي يمتنع عن لذات الجسم، ويرتاح لهذا الامتناع نفسه، هو معتدل (عفيف)، وذلك الذي لا يحتمله إلا بأسف، عنده شيء من عدم الاعتدال، والإنسان الذي يقتحم الأخطار ويرتاح لذلك، أو على الأقل لا يضطرب فيها؛ هو إنسان شجاع، والذي يضطرب فيها هو جبان، ذلك في الواقع بأن الفضيلة الأخلاقية، تتعلق بالآلام واللذات، ما دام أن طلب اللذة هو الذي يدفعنا إلى الشر، وخوف الألم هو الذي يمنعنا من فعل الخير. ا.ه.
ويتبين من هذا بديا أن أرسطوطاليس يعتقد أن «اللذة والألم» ظاهرتان تتعلقان بناحية من التطبع، بدليل قوله إنهما من الملكات التي نحصلها؛ أي من الملكات التي قد تحدث فينا أثرا حينا، وتتعطل عن إحداث هذا الأثر حينا آخر، وهذه القضية تناقض المبدأ الأساسي الذي يقيم عليه أرسطبس مذهبه، فاللذة والألم عند أرسطبس ليسا من الملكات التي تحصل فينا بالإضافة إلى الطبع، بل هي من جوهر الطبع نفسه، فهي تدمغ الأخلاق بطابعها وتوجه السلوك بمقتضياتها.
فهي عند أرسطبس ليست من الأشياء التي تحصل بالإضافة إلى الطبع كالشجاعة والجبن، كما يقول أرسطوطاليس، بل هي من جوهر الطبع نفسه؛ فالشجاعة والجبن قد يتعطل أحدهما، فيكون المرء شجاعا فحسب أو جبانا فحسب، فتمحى إحدى الظاهرتين، ولا يكون لها أثر في توجيه السلوك، أما اللذة والألم فمن جوهر الطبع نفسه تتناوبان التأثير في النفس، ولا تمحى إحداهما، فاللذة جزء من الطبع لا يمكن أن يزول أثره، وكذلك الألم على الضد؛ من الظاهرات التي تتولد فينا بالإضافة إلى الطبع، وتكون المرانة أو البيئة سببا فيها، كالشجاعة والجبن والكرم والبخل، وما إلى ذلك.
لهذا يقول أرسطوطاليس: «إن الفضيلة الأخلاقية تتعلق بالآلام واللذات.» ومعنى هذا عنده، أن طلب اللذة يدفعنا إلى الشر، وخوف الألم هو الذي يمنعنا من فعل الخير، وعجيب أن تصدر هذه القولة عن أرسطوطاليس، فإذا كانت اللذة هي التي تدفعنا إلى الشر، وخوف الألم هو الذي يمنعنا من فعل الخير، فكأنه لم يبق من مجال للذة والألم، ليؤثرا فينا أثرا حسنا، على إطلاق القول. وبذلك ينفي أرسطوطاليس عن اللذة والألم كل ما يحتمل أن يصدر عنهما من الآثار الرفيعة، تلك الآثار التي نجدها بينة جلية في سلوك أرسطبس وشخصيته وفي استعلائه واحتقاره الشديد للدنيويات، وفي مثاليات أبيقور التي تضع اللذة العقلية فوق كل اللذائذ الأخرى.
ناپیژندل شوی مخ