ولا شك في أن سقراط قد استخلص من جواب الشاب النابغة أن تعريفه الأولي للمعرفة مزيج من مذهب بروطاغوراس ومذهب أرسطبس فحاول ببداهته أن يخرج من الجواب اتجاها يدور من حوله الحوار، ويسد به على محاوره طريق الخلوص إلى ما يريد من تقرير نظرية القورينيين، فيتجه فكره توا إلى أن في الجواب شطرا يمكن التسليم به، وشطرا آخر فيه تناقض عقلي، وأن الشطر الثاني إذا أعير ما هو جدير به من الاعتبار ذهب بكل أساليب المعرفة وبددها، ولا شك في أن هذا التناقض العقلي يذهب فيما يذهب به، بالشطر الذي يمكن التسليم به من تعريف ثياطيطوس.
أما التناقض العقلي الذي استخلصه سقراط من هذا التعريف المجمل للمعرفة؛ فيرجع إلى أن القول بأن الإدراك هو المعرفة أو أن المعرفة هي الإدراك يجر العقل حتما إلى التسليم بأن شخصا ما؛ يمكن أن يعرف ولا يعرف في آن واحد.
والمثل على هذا أن شخصا ما «إذا سمع» ألفاظا من لغة غريبة عنه، فإنه «يدرك» الألفاظ، ولكنه لا «يعرف» ما تحمل من المعاني، فإدراكه الجرس اللفظي يمكن أن يعتبر «معرفة»، وجهله المعاني يمكن أن يعتبر «لا معرفة»؛ فهو «يعرف» و«لا يعرف» في الوقت نفسه. وكذلك إذا «دعا» الإنسان لفكره مدركا من المدركات التي لم يكن يعرفها، فقد يمكن أن يقال إنه «يعرف»، وبمعنى آخر إنه «لا يعرف».
أما المعنى المجمل في التعريف فيتضمن احتمالين:
الأول:
القول بأن «ملكة الإدراك» هي الملكة الوحيدة التي تستخدم لاستيعاب المعرفة، وفي هذا إنكار لملكة أخرى، أظهر في صفاتنا العقلية من الإدراك، هي ملكة «التذكر» أو بالأحرى «الذاكرة».
والثاني:
أن مادة الإدراك هي المادة الوحيدة التي تتكون منها المعرفة.
ولا شك في أنه ليس من شأننا هنا أن ندرج إلى التفاصيل ومناقشة الآراء، ويكفي أن نشير إلى حقائق لا يجب أن تغيب عن ذهن الباحث:
الأولى:
ناپیژندل شوی مخ