202

کارل بوبر فلسفه: علم طریقه ... علم منطق

فلسفة كارل بوبر: منهج العلم … منطق العلم

ژانرونه

أما الحديث عن الميتافيزيقا، فهو حديث ذو شجون، فأميز ما يميز الوضعيين أنهم قوم ضاقوا ذرعا بعقم المشاهد الميتافيزيقية، التي بقيت ثلاثة وعشرين قرنا حيث خلفها أرسطو، بينما تحقق المباحث التجريبية تقدما متصلا لا ينقطع أبدا، فمن ذا الذي يزعم أن ميتافيزيقا القرن العشرين أدنى إلى الصواب قيد أنملة من ميتافيزيقا أرسطو، فما هو هذا الصواب، وهل من خبرة عساها أن تخبرنا به؛ لذا كانت الوضعية على العموم، والمنطقية منها على أخص الخصوص هي فلسفة قامت لكي تقوض دعائم الميتافيزيقا، وتزيحها تماما من عالم ينبغي أن ينفرد به العلم وحده. (ب)

وقد تيسر لهم ذلك فيما اعتقدوا بناء على النقطة السابقة من تقسيم القضايا ذات المعنى أي العلمية إلى تحليلية وتركيبية، ولما كان مبدؤهم الأساسي هو أن أية قضية واضحة ومفهومة لا بد أن تقوم على أساس الخبرة، فقد انزاحت العقبة الرياضية حين اتضح أنها مجرد إثبات للهوية لا تخبر بشيء - كما أوضحنا آنفا - فبفضل جهود رسل وفتجنشتين أمكن للتجريبي - وهو هنا الوضعي المنطقي - أن يحتفظ تماما بمبدئه، وعليه فقط أن يضيف إليه: «ما لم تكن إثباتا للهوية.» فيصبح أية قضية واضحة ومفهومة لا بد أن تقوم على أساس الخبرة ، ما لم تكن ثباتا للهوية، وطالما أنه لا يوجد ميتافيزيقي واحد قد أعد نفسه ليعترف بأن قضاياه لا تخبر بشيء عن العالم «2» - أي ليست مجرد إثبات للهوية، وهي بالطبع ليست قائمة على أساس الخبرة الحسية - أمكنهم استئناف المسير إلى هدفهم المروم، فيدعون أن القضايا الميتافيزيقية غير واضحة ولا مفهومة؛ لأنها غير ذات معنى ولا حتى مغزى

nonsense

تفهمه منها، لكي نحكم عليها بالصدق أو بالكذب، إنها لا ترقى حتى إلى مرتبة الكذب؛ ذلك لأنها تدعي الإخبار عن العالم، أي تخبر عما لا يمكن الإخبار عنه، أي تدعي فعل ما لا يمكن أن يفعل، إنها إذن تناقض نفسها كما أوضح كانت، أوليس من الجائز أن نلقى في إحدى صفحات كتاب يؤرخ للميتافيزيقا قضية تزعم أن الحقيقة هي المطلق، وفي صفحة أخرى «الحقيقة ليست هي المطلق.» وكل من القضيتين مصحوبة بأدلة تبدو دامغة، ولما كان الفصل بينهما مستحيلا، أوجبت الأمانة العلمية على المؤرخ تقرير القضية ونقيضها، وما هكذا يكون تقرير الكلام ذي المعنى. (ج)

هذه هي الأفكار التي تحدد الهيكل العام لفلسفة الوضعيين المناطقة، والتي أخذت الدائرة تناقشها وتتداولها في اجتماعاتها المستمرة، حتى أصيبت باغتيال رائدها موريتس شليك عام 1936م على يد طالب مأفون من جامعة فيينا، فكان أن انحلت الدائرة، وأكد على هذا الانحلال الغزو النازي الذي أصاب النمسا في بوادر الحرب العالمية الثانية، ولنزعتهم العقلانية والعلمية أقيل كثيرون منهم من الجامعة وكان معظمهم - كبوبر - ينحدر من أصول سامية يهودية؛ مما أدى إلى تفرقهم في غرب أوربا وأمريكا، مخافة بطش هتلر باليهود.

لكن النظرة الثاقبة تبين أننا لا نجد أمامنا إلا مجموعة أفكار مستقلة تقريبا، والذي يمثل العمود الفقري الذي يقيمها ويقيم المذهب ويحقق هدفه الأساسي، إنما هو معيار التحقق وما تبع اهتراءه من معايير، إنه أهم أفكار المذهب وأشهرها، فضلا عن أنه موضوعنا الأساسي الذي جرنا إلى الحديث عن الوضعية. (2) المعايير الوضعية لتمييز العلم (1) لقد اتضح الآن مدى افتتان الوضعية بالعلم التجريبي الحديث، وفي الآن نفسه مدى غضبهم (المضري) الذي لا يبقي ولا يذر على شتى المباحث الميتافيزيقية، حتى نادوا بأن يصبح العلم ومنطقه هو فقط النشاط العقلي والذي لا نشاط سواه.

ولكن كيف ننقح ميادين النشاط العقلي حتى لا يصبح فيها إلا العلم؟ لا بد من معيار يمثل الفيصل الحاسم بينه وبين اللاعلم، عدنا إذن إلى المشكلة التي يعالجها هذا البحث مشكلة تمييز المعرفة العلمية. (2) ونحن الآن بإزاء محاولة الوضعية المتمثلة في معيار التحقق الذي اصطنعوه لهذا الغرض، وهذا المعيار هو الأساس الذي يقوم عليه المذهب، بل ويقوم من أجله، حتى إذا قيل في تعريف الوضعية: إنها المذهب الذي ينادي بمعيار التحقق لما جانب هذا الصواب إذ إن رسل مثلا الذي يتفق معهم في الكثير - أو بالأحرى يتفقون هم معه - فقد عرفناه أحد الرواد الذين مهدوا لهم الطريق، والذين تعاطفوا مع المذهب إلى حد كبير يعد في الآن نفسه واحدا من أقسى نقادهم، وهو ليس وضعيا بأية حال، والسبب واحد ووحيد، وهو أنه لا يوافقهم على معيار التحقق خصوصا، ومعاييرهم لتمييز العلم عموما، بصفة عامة كان هذا المعيار هو أساس معظم الخلافات التي اشتجرت بينهم وبين الفلاسفة والنقاد، ذلك ببساطة لأنه مربط الفرس في مذهبهم هذا، وقد أصبح سريعا هو الفكرة التي تقود وراءها المذهب بجملته،

8

بل وإن التاريخ اللاحق لحركة الوضعية، قد تحدد بمحاولاتهم لحل طائفة من المشاكل بدت أمامهم، وكانت إلى حد كبير بسبب تعويلهم على معيار التحقق.

9

ناپیژندل شوی مخ