کارل بوبر فلسفه: علم طریقه ... علم منطق
فلسفة كارل بوبر: منهج العلم … منطق العلم
ژانرونه
29
لكن لا بيرنايز ولا كيرك أصابا، ذلك أن بوبر لم ينكر الدور الأساسي الاستقرائي للملاحظات تفاديا للنزعة السيكولوجية كما تصور بيرنانز، بل نكرها إقرارا لحقيقة الأمر التي أثبتتها البحوث السيكولوجية، من أسبقية التوقع على الملاحظة الحسية؛ لذلك فهو لم يتجاهلها ويقفز مباشرة إلى الفرض كما تصور كيرك، بل فقط سبق الفرض عليها، يستحيل أن يتجاهل بوبر دور الخبرة؛ لأنه فيلسوف العلم التجريبي، وهو يعلق عليها الاختبار الذي يحدد مصير النظرية، فقط لا يجعل لها الدور الاستقرائي، مرة أخرى وأخيرة نقول لبيرنايز وكيرك ورايشنباخ وأمثالهم: إن العلوم الوصفية لم تنبعث من محض ركام هائل من وقائع، بل انبعثت من نزوعات عقلية، من افتراضات مسبقة، خلقها العقل خلقا مثلا تشريح الحشرة، سبقه افتراض التماثل بين سائر أفراد جنسها، بحيث إن تشريح واحدة، يصلح نموذجا معبرا عن تشريح جنسها.
ومن أين أتينا بهذا الافتراض، من نزوع العقل الإنساني نحو افتراض التماثل، خرجنا به إلى عالم التشريح، وأوضحت نتائج اختباره أنه ملائم، وما به من أخطاء صححناها، والنتيجة أن لدينا الآن فكرة علمية عن تشريح هذه الحشرة، ونحن عالمون أن المستقبل يحمل تطويرا وتمكينا أكثر لأدوات التشريح، ونحن في انتظار هذا المستقبل لنحصل على صورة أدق لتشريح هذه الحشرة، أي صورة أقرب إلى الصدق.
الاستقراء خرافة في العلوم البحتة، وهو أيضا خرافة في العلوم الوصفية، وفي كل علم وكل مجال الفارق بينهما - الذي غاب عن بيرنايز وكيرك - هو أن العلوم الوصفية تلجأ إلى التجريب في النتائج المباشرة والسطحية للفروض العامة، أما في العلوم البحتة فنلجأ إلى التجريب في النتائج البعيدة المستنبطة استنباطا منطقيا ورياضيا من الفروض الصورية، وفي كلا العلمين التعديل في الوصول إلى الفروض - وكل علم محض فروض - على العقل الخلاق ، وتقوم التجارب بدور الاختبار، ولا وقائع مستقرأة البتة.
وليس من المجدي الاستمرار أكثر في مثل هذه المناقشات.
30
ومن يدرس أعمال بوبر بإتقان ونزاهة، لا بد حتما أن ينتهي في النهاية إلى التحرج من التفوه بلفظ الاستقراء، هل كانت البشرية في حاجة إلى انتظار بوبر كي تتيقن من خرافية الاستقراء؟ إن هذا لأمر غريب حقا، كيف قفز إلى الأذهان تصور كل هذه القوى الخلاقة لمحض وقائع الحس للحيوان حواس أقوى - أحيانا أكثر من مائة مرة - من حواس الإنسان، فلماذا لم يستقرئ الوقائع بدقة، ويبني علوما ولو حتى وصفية فقط؟ الجواب بديهي: لأنه يفتقر إلى العقل المبدع الخلاق الذي يطرح الفروض التي تمكنه من الدخول المنهجي المنظم لعالم الوقائع الحسية، دخولا يخرج منه بنتيجة قد تكون تصحيحا لافتراضه المسبق، وقد تكون الإبقاء المؤقت عليه، وينطلق من هذه النتيجة إلى جولة جديدة ...
للحيوان لغة تواصل: وبالقطع أقصى استخدام لها هو الإشارة إلى وقائع الاستقراء، فلماذا لم يخرج من هذه الوقائع بقانون علمي واحد، هذا بينما نجد نموذجا صارخا، هو العالم الطبيعي فرانسس هوبر
Francios Huber
31 ⋆
ناپیژندل شوی مخ