ومن أراد من الأبد أن يحصر حكمته في لحظة واحدة أو في عصر واحد أو كوكب واحد من هذه العوالم - التي لا نعرف عدادها - فقد أخطأ في حكم العقل، ولم يكن قصاراه أنه أخطأ في حكم الدين.
ومع هذا نستطيع أن نلحظ في التقديرات الزمنية بعض الدلائل على الحكمة الأبدية التي تقصر على الإحاطة بها مدارك أبناء الفناء.
فوجود الله لم يحرم الناس حرية كانت تكون لهم بغير وجود الله.
وقد أعطاهم الله حظوظا من الحرية هي هذه الحظوظ التي يملكونها في هذه الحياة.
ولكن المنكرين قد تعودوا أن يسخروا من هذا القول، وأن يصوغوه في الصيغة التي يحسبونها مواتية للسخرية، التفنيد، فيقولوا: نعم، إن الله قد خلق للناس الحرية ... أي أنه اضطرهم أن يكونوا أحرارا مختارين ...
يقولون ذلك ويحسبونه غاية الغايات في السخرية والتفنيد؛ ولو استطاعوا أن يقابلوه بصيغة واحدة تسلم من الإحالة لحق لهم أن يسخروا منه، ولا يطمئنوا إليه.
فإذا كان الله قد اضطر الناس أن يكونوا أحرارا فقد أصبحوا أحرارا كما أراد، وهذا هو الذي يعنينا من الحرية كيفما كان السبيل إليها.
ولا مقابل لهذا القول إلا أن يقال: بل ينبغي أن يخلق الناس الحرية لأنفسهم كما يريدون، وأن تطيعهم الأكوان في كل ما أرادوه، وأن تطيع كلا منهم على حدة في كل خاطرة تخطر لأحدهم وكل رغبة تهجس في ضمير هذا أو ضمير ذاك.
وليس هذا هو القول الذي ينجو بصاحبه من السخرية والتفنيد؛ لأنه حالة من حالات الوهم، لا تصح في الخيال فضلا عن صحة التفكير أو صحة الاعتقاد.
ومتى رجعنا إلى الله بخلق الحرية؛ فكيف تكون هذه الحرية التي يخلقها الله؟
ناپیژندل شوی مخ