السؤال عن الماهية؛ أهو عبارة عن أجسام موجودة في داخل البدن متولدة عن امتزاج الطبائع والأخلاط؟ أو عبارة عن نفس هذا المزاج والتركيب، أو عن عرض آخر قائم بهذه الأجسام، أو عن موجود يغاير هذه الأشياء؟ فأجاب الله تعالى بأنه موجود مغاير لهذه الأشياء، بل هو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث؛ قوله: كن، فيكون، فهو موجود يحدث من أمر الله وتكوينه وتأثيره في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه مطلقا؛ وهو المقصود من قوله:
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا .
وثانيتهما:
السؤال عن قدمها وحدوثها؛ فإن لفظ الأمر قد جاء بمعنى الفعل كقوله تعالى:
وما أمر فرعون برشيد ، فقوله:
من أمر ربي ، معناه: من فعل ربي، فهذا الجواب يدل على أنهم سألوه عن قدمه وحدوثه فقال: بل هو حادث، وإنما حصل بفعل الله وتكوينه، ثم احتج على حدوثه بقوله:
وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، يعني أن الأرواح في مبدأ الفطرة خالية من العلوم كلها، ثم تحصل فيها المعارف والعلوم، فهي لا تزال متغيرة من حال إلى حال، والتغير من أمارات الحدوث.
وتلخيص الإمام الرازي للمعضلة شامل لجوانبها المتعددة: كما بدت للمفكرين من الفلاسفة الأقدمين، وبخاصة علماء الكلام.
ولا نظن أن المحدثين جاءوا بفرض من الفروض في تفسير الروح لم يسبقهم إليه الأقدمون، مع ملاحظة الفارق في بحوث علم الحياة ووظائف الأعضاء بين علماء اليوم وعلماء الزمن القديم.
فمن المفكرين الأقدمين من قال: إن الروح أجسام لطيفة سارية في البدن سريان ماء الورد في الورد، باقية من أول العمر إلى آخره لا يتطرق إليه تخلل ولا تبدل، حتى إذا قطع عضو من البدن انقبض ما فيه من تلك الأجزاء إلى سائر الأعضاء.
ناپیژندل شوی مخ