مسألة الروح أعضل مسائل العلم والفلسفة ومذاهب التفكير على التعميم منذ فكر الإنسان في حقائق الأشياء، بين أصحاب النحل والآراء في جميع العصور.
وسواء فهمنا من الروح أنها جوهر مجرد تقوم به حياة الأجساد، أو فهمنا كما يفهم الماديون أنها ظاهرة الحياة في تركيبة من تراكيب المادة - فلا يزال العلم بحقيقتها قليلا أو أقل من القليل.
لأن الماديين الذين يعتبرونها قوة من قوة المادة لم يخرجوا بها عن تسجيل الحس كما يرونه، ولم يستطيعوا قط تعليل الفارق بين الخلية المادية والخلية الحية بعلة من العلل المادية نفسها فضلا عن العلل التي تتجاوز المادة إلى ما وراءها، ولم ينكروا أن الفارق عظيم وأنه أبعد فارق بين شيئين من هذه الأشياء التي تقع في الكون المحسوس أو الكون المعقول.
فمن معجزات القرآن أنه وضعها هذا الموضع الصحيح من الفلسفة والعلم، وجعلها أعضل المعضلات التي يتساءل عنها الناس بغير استثناء.
ويزيد في تقدير هذه المعجزة أن القرآن لم يستكثر على الفكر الإنساني أن يخوض في المسألة الإلهية، وأن يصل إلى الإيمان بالله من طريق البحث والاستدلال والنظر في آيات الخلق وعجائب الطبيعة.
فالعقل يهتدي إلى وجود الله من النظر في وجود الأشياء ووجود الأحياء.
ولكنه لا يهتدي إلى حقيقة الروح من هذا الطريق، ولا يذهب فيها مذهبا أبعد ولا أعمق من الإحالة إلى مصدر الموجودات جميعا؛ وهي إرادة الله، أو أمر الله.
وقد عجب بعض المفسرين لذلك وراحوا يتساءلون: أتكون مسألة الروح أكبر من المسألة الإلهية وهي غاية الغايات في سبح العقول؟!
ولكنهم في الواقع يرجعون بالعجب إلى غير مرجعه الأصيل؛ لأن المعضلة الفكرية لا تبلغ مبلغ الإعضال بمقدار عظمتها واتساعها، بل بمقدار دقتها وخفائها ... وقد تكون عوارض الشمس أوضح في رأي العلماء من عوارض الذرة الخفية، وبينهما من التفاوت في القدر ذلك الأمد البعيد.
وقد أجمل الإمام الرازي أسباب هذا الإعضال في مسألة الروح فقال: «... إنهم سألوا عن الروح وإنه صلوات الله عليه وسلامه أجاب عنه على أحسن الوجوه، وبيانه أن المذكور في الآية أنهم سألوه عن الروح والسؤال يقع على وجوه»:
ناپیژندل شوی مخ