فلسفه قاريه: مقدمه لنډه
الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
في 24 يوليو عام 1929 ألقى مارتن هايدجر أولى محاضراته كأستاذ في الفلسفة في جامعة فرايبورج في بريسجاو، وكان في التاسعة والثلاثين من عمره، وفي أوج نضجه الفكري. كان عائدا إلى جامعته الأم بعد عدة سنوات حافلة بالإنجاز في جامعة ماربورج لتولي كرسي أستاذه إدموند هوسرل (الذي سينفصل عنه في نهاية المطاف). وكانت هذه لحظة انتصار شخصي واضحة بالنسبة إلى هايدجر. كانت المحاضرة بعنوان بسيط على نحو خادع، وهو: «ما هي الميتافيزيقا؟»، ولكنها لم تكن بسيطة على الإطلاق. توجد قصة - مشكوك في صحتها بلا ريب - مفادها أنه في نهاية ما يجب أن يكون تجربة فكرية شاقة بالنسبة إلى غير العالمين بفكر هايدجر، كان الصمت يعم القاعة، ثم تخلله سؤال: «سيد هايدجر، ما هي الميتافيزيقا؟» فأجاب هايدجر: «هذا سؤال جيد!»
شكل 6-1: رودولف كارناب (1891-1970) وزوجته إينا، براغ عام 1933.
ولكن ما هي الميتافيزيقا؟ يعرف نيتشه الميتافيزيقا على نحو شهير بأنها تقسيم العالم الواحد إلى قسمين؛ وهذا يعني تمزيق وحدة التجربة الميثولوجية قبل الفلسفية للعالم، مع أفلاطون، إلى عالمي الكينونة والظاهر ، الواقع والمظهر، العالم المدرك والعالم الذي يتخطى الإدراك. هذا ليس خطأ، ولكن هايدجر يريد صراحة العودة إلى فهم أرسطي أكثر للميتافيزيقا. لم تستخدم كلمة «الميتافيزيقا» نفسها من قبل أرسطو، ولكنها مصطلح له جذور في تصنيف أعماله في مكتبة الإسكندرية الذي أجراه أندرونيقوس الرودسي في القرن الثاني؛ ففي تصنيف أعمال أرسطو، عندما رتبت أعماله على رف المكتبة، كما كانت، كان يوجد الأعمال الشعرية، ودستور أثينا، والنصوص السياسية، والنصوص الأخلاقية، والنصوص المنطقية والبلاغية، وما إلى ذلك. ثم كان يوجد العديد من كتب الفيزياء أو الطبيعة، وبعد ذلك كانت توجد سلسلة من الكتب الموقعة من قبل أرسطو، والتي تناولت أمورا يتعذر تصنيفها ضمن المخطط المحدد، وأطلق على هذه الكتب «ما وراء الطبيعة».
شكل 6-2: مارتن هايدجر (1889-1976)، وهو يبدو متفاجئا.
ولكن ما حل آخرا بالنسبة إلى أرسطو جاءه أولا؛ بمعنى أن ما تناولته هذه الكتب كان المبادئ الأولى التي قامت عليها جميع مجالات البحث الأخرى. ولم يكن مصطلح أرسطو لهذا المجال الأساسي للفلسفة هو الميتافيزيقا، ولكن كان «الفلسفة الأولى». بالنسبة إلى أرسطو، يوجد علم أو عالم خاص بالمعرفة (الإبسمتية) الذي يتعامل مع الكينونة في حد ذاتها؛ وهذا يعني أنه لا يهتم بكينونة عالم معين من الأشياء، مثل الكائنات الحية (البيولوجيا) أو المجتمع البشري (السياسة)، ولكن بالكينونة في حد ذاتها في عموميتها. والاهتمام الرئيسي لفكر هايدجر من البداية إلى النهاية هو مسألة الكينونة؛ وهي المسألة التي أثارتها الدراسات الميتافيزيقية. ويهتم هايدجر بالكينونة في حد ذاتها قبل مرجعيتها إلى أي عالم معين من الكائنات أو الأشياء. والحفاظ على هذا الفارق بين الكينونة في حد ذاتها وكينونات عوالم كائنات معينة هو ما يسميه هايدجر «الفرق الأنطولوجي».
إذن، هل هايدجر ميتافيزيقي؟ نعم ولا؛ فبالتأكيد يبدو كذلك بالنسبة إلى كارناب وحلقة فيينا، وكانا محقين ومخطئين على حد سواء في هذا الحكم. إن هايدجر مقتنع بأن المسائل الفلسفية - وأهمها بالنسبة إليه مسألة الكينونة - لا يمكن إخضاعها للبحث العلمي؛ لذلك لا يمكن تبرير الميتافيزيقا من خلال التحليل المنطقي: يمكن النظر إلى هايدجر على أنه يسترجع المسألة الأساسية للفلسفة اليونانية القديمة؛ مسألة الكينونة. ومع ذلك، هايدجر «ليس» ميتافيزيقيا؛ لأنه يعتقد أن كل نظام فلسفي، من أفلاطون وحتى الوقت الحاضر، خلال سعيه لتحديد معنى الكينونة في حد ذاتها، قد مر براديكالية «مسألة» الكينونة والارتباط الجوهري بين هذه المسألة وموضوع الزمان؛ ومن ثم كان عنوان أهم أعماله هو «الكينونة والزمان». فبالنسبة إلى هايدجر، «التساؤل هو تقوى التفكير». يعج تاريخ الميتافيزيقا السابق بمحاولات مختلفة لكشف النقاب عن مسألة الكينونة؛ فبالنسبة إلى أفلاطون، تناولها من خلال مفهوم «الشكل»، أي إن معرفة شيء هي معرفة شكل الشيء؛ وبالنسبة إلى أرسطو، يعبر عنها بمفهوم «المادة»؛ وبالنسبة إلى توما الأكويني، يتناولها بالإشارة إلى «السبب الذي هو سبب ذاته» أي الإله؛ وبالنسبة إلى هيجل، الكينونة هي «الروح». وعند نيتشه، هي «إرادة القوة»، وما إلى ذلك. بالنسبة إلى هايدجر، تاريخ الميتافيزيقا هو «تاريخ الكينونة»؛ سلسلة من الإجابات على المسألة الأساسية للفلسفة التي تمتد من أفلاطون إلى قلب الأفلاطونية عند نيتشه؛ ومن ثم، فإن طرح مسألة الكينونة على نحو راديكالي يعني وضع الميتافيزيقا موضع التساؤل وتجاهل مسألة «تجاوزها». ومع ذلك، على الرغم من استخدام هايدجر وكارناب عبارة «تجاوز الميتافيزيقا»، فإنها تعني عند كليهما معنى مختلفا على نحو بارز.
يمكن التعبير عن التوجه الأساسي لحلقة فيينا في عبارة أوتو نيورات، وهو عضو بارز في الحلقة: «علم خال من الميتافيزيقا»؛ فالفلسفة عامل مساعد للعلم، تهتم فحسب بالتوضيح المنطقي لأطروحات ومنهج العلم التجريبي. وفي الواقع، يمكن للمرء أن يتمادى أكثر من ذلك ويدعي أن حلقة فيينا لم تمارس الفلسفة مطلقا، فيما يتعلق بتقديم أطروحات فلسفية، ولكنها ببساطة تركز على التحليل المنطقي الذي يوضح أطروحات العلم التجريبي وتنتقد مزاعم الميتافيزيقا التقليدية. وكتب نيورات يقول: «لا يوجد شيء اسمه الفلسفة كعلم أساسي أو عام بإزاء المجالات المختلفة للعلم التجريبي أو أعلى منها.» والإشارة إلى «العلم التجريبي» تلمح للهدف الصريح بتحديد تصور علمي للعالم، وهو ما سماه نيورات «العلم الموحد». وهذا يذكرنا بتعريف نيتشه للميتافيزيقا؛ حيث يستعيد التصور العلمي للعالم وحدة التجربة الموجودة في وجهات النظر الميثولوجية للعالم. ويفترض نيورات قائلا:
يعتمد ممثلو التصور العلمي للعالم على فكرة التجربة الإنسانية البسيطة. وينخرطون بثقة في مهمة إزالة الأنقاض الميتافيزيقية واللاهوتية؛ أو كما يصيغ البعض ذلك، مهمة العودة - بعد فاصل ميتافيزيقي - إلى صورة موحدة لهذا العالم كانت، بطريقة ما، أساسا للتفكير السحري الخالي من اللاهوت في العصور الأولى.
فيما يتعلق بهذا التصور العلمي للعالم، فإن الأطروحات الميتافيزيقية ليست كاذبة بقدر ما هي ببساطة لا معنى لها؛ فهي لا تمتلك أي محتوى معرفي. وعلى هذا النحو، فإنها تعبير عن مشاعر مشروعة، ولكن يجب أن يكون لمثل هذه المشاعر الوسط المناسب لها، المتمثل في الفن أو الموسيقى أو الشعر، بدلا من الفلسفة؛ ومن ثم ظهر حكم كارناب القاطع بأن «الميتافيزيقيين موسيقيون دون قدرات موسيقية».
والآن، في تعارض صارخ مع هذا التصور للفلسفة، سيقدم هايدجر دفاعا عن الميتافيزيقا ضد العلم. إن سؤال هايدجر في المحاضرة بسيط وقوي: «ماذا يحدث لنا، فيما يتعلق بوجودنا، عندما يصبح العلم شغفنا؟» يتمثل جوابه في أنه عندما يصبح العلم شغفنا، فإنه يوجد تفتيت وتقسيم لمجالات المعرفة المختلفة؛ الأمر الذي يؤدي إلى ضمور في الأساس الميتافيزيقي للنشاط العلمي. يقول هايدجر على نحو قاطع ودون أدنى تحذلق في نهاية المحاضرة:
ناپیژندل شوی مخ