فلسفه قاريه: مقدمه لنډه
الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
إذن، كيف يمكن للمرء التعامل مع العدمية؟ هذا هو السؤال. لدي أفكاري الخاصة في هذا الشأن، كما يوجد لدى فلاسفة آخرين. كل ما سعيت إلى إيضاحه حتى الآن هو أن التعامل مع العدمية يمثل الإشكالية الأساسية للفلسفة القارية ما بعد كانط، التي تسري مثل خيط أريادني عبر المتاهة الفكرية في آخر قرنين من الزمان. ودفع هذا جانبا كبيرا من الفلاسفة القاريين للبحث عن خطابات وممارسات غير فلسفية ربما تتعامل مع أزمة العصر الحديث. ويرى نيتشه وسائل للمساعدة في التفكير التراجيدي لقدماء الإغريق، ويجدها هايدجر في التفكير التأملي للإبداع الشعري، ويجدها أدورنو في استقلالية الفن الحداثي الراقي، ويراها ماركس في الاقتصاد السياسي، ويجدها فرويد في ممارسة عمليات التحليل النفسي. وتتمثل النقطة هنا في أن إشكالية العدمية تبدأ في شرح السبب في اهتمام جزء كبير من الفلسفة القارية بالعلاقات مع المجالات غير الفلسفية، سواء أكانت الفن أم الشعر أم التحليل النفسي أم السياسة أم الاقتصاد. (5) الحداثة التقدمية والرجعية
تشعب هذا الاهتمام بالعدمية بعد نيتشه إلى اتجاهين مختلفين من التفكير في أزمة العالم الحديث، يمكن تسميتهما الحداثة «التقدمية» والحداثة «الرجعية». من جانب، في أعقاب الورثة الراديكاليين لهيجل - مثل لودفيج فيورباخ وماركس الشاب - اندمج النقد الفلسفي للحداثة مع النقد الاجتماعي الألماني الأكثر تقدمية للحداثة، الذي لاقى التعبير المحدد له في أعمال مفكرين مثل فيبر وجورج زيمل. استمر هذا النهج خصبا للغاية فيما يسمى ب «الماركسية الغربية» والجيل الأول لمدرسة فرانكفورت من ثلاثينيات القرن العشرين وما بعدها. ويعد الممثل المعاصر الأكثر تميزا لهذا النهج حيال الحداثة هو هابرماس، الذي شغل - على نحو مهم - منصب أستاذ الفلسفة وعلم الاجتماع بجامعة فرانكفورت. ولا يزال هذا النهج مستمرا حتى يومنا هذا في أعمال خليفة هابرماس في جامعة فرانكفورت؛ أكسل هونيت. ويتميز هذا النهج من الناحية المنهجية بالإيمان بالخصوبة المتبادلة للفلسفة وعلم الاجتماع؛ وهذا يعني أنه لا بد أن تنفذ المقولات الفلسفية اجتماعيا إذا كنا نرغب في أن يكون لها أية فعالية؛ ولكن الأبحاث الاجتماعية تتطلب الوجود النقدي والتأملي للفلسفة لمنعها من الاستغراق في الوضعية. ومن الناحية السياسية، ربط هذا النهج الخاص بالحداثة التقدمية بتيارات فكرية يسارية مختلفة، سواء أكانت ماركسية أم ديمقراطية اجتماعية.
على الجانب الآخر، يوجد النقد الأكثر تحفظا للحداثة، الذي يمكن إيجاده في أعمال مفكرين مثل أوسفالد شبنجلر وكارل شميت وإرنست يونجر. بصياغة شبنجلر، الغرب «ثقافة مسنة» دخلت في مرحلة ذبول لا يمكن إيقافها، مثل الذبول الأخير لروما القديمة. والاستمرار الفلسفي لنهج النقد الاجتماعي هذا في سياق سرد التراجع والانهيار يمكن إيجاده في أعمال هايدجر، لا سيما في تأملاته حول التكنولوجيا في أواخر أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. ولكن أيضا - وربما على نحو غير متوقع - يمكن للمرء أن يجد هذا النهج من النقد الثقافي المتشائم في أعمال فيتجنشتاين، الذي أظهر نفسه متأثرا بقوة بشبنجلر في أعمال مثل «الثقافة والقيمة». وبينما تستند منهجية الحداثة التقدمية على الاعتماد المتبادل بين الفلسفة وعلم الاجتماع، فإن علم الاجتماع بالنسبة إلى الحداثة الرجعية يعد مدانا بوصفه تعبيرا عن الانهيار الديمقراطي الحديث. ثم تنزل المقولات الفلسفية حينها مباشرة إلى التحليل الاجتماعي، الذي يمكن أن يؤدي إلى تشخيص ثقافي متشائم متقلب. مرة أخرى، يقدم هايدجر مثالا كلاسيكيا هنا؛ حيث يوسع ببساطة أطروحته حول تاريخ الميتافيزيقا على أنها نسيان الكينونة إلى نقد ثقافي؛ حيث تسيطر على جميع جوانب الحياة اليومية صورة العالم التكنولوجي الذي يعد تعبيرا اجتماعيا عن ذلك النسيان نفسه؛ أو كما يقول هايدجر متنهدا: «تزداد رقعة الأرض القاحلة.» والنتائج السياسية للحداثة الرجعية معروفة جيدا في حالة التزام هايدجر بالاشتراكية القومية، التي رأى فيها هو وآخرون مثل شميت ويونجر - وإن كان على نحو وجيز - إمكانية عملية لإسقاط العدمية. ولا حاجة بي لقول إنني لا أجد هذا وسيلة مفيدة جدا للإجابة على السؤال المطروح في عنوان هذا الفصل.
وجهة نظري هي أنه على الرغم من وجود اختلاف تام في وجهة النظر السياسية وخلافات منهجية كبيرة بين الحداثة الرجعية والتقديمة، فإن كلا النهجين استجابة لإشكالية العدمية؛ فهما متفقان في اعتقادهما أن من مهام الفلسفة الانخراط فيما أدعوه إنتاج الأزمة. وهذا يعني أن الفلسفة نقد للممارسة الاجتماعية القائمة، كشكل من أشكال الممارسة غير الحرة أو الجائرة، يطمح لهدف التحرر الفردي أو الجماعي. ويختلف هذان النهجان - يختلفان تماما - فيما يريانه حيال شكل هذا التحرر.
الفصل السادس
دراسة حالة في سوء الفهم: هايدجر وكارناب
النطق بكلمة وعدم إرادة أي معنى بها أمر لا يليق بفيلسوف.
بيركلي
زعمت في الفصل الثالث أن أفضل طريقة لفهم سوء الفهم بين التقليدين الفلسفيين المتعارضين هي في سياق نموذج «الثقافتين». ووفقا لهذا النموذج، يمكن النظر للفلسفة التحليلية والفلسفة القارية بوصفهما تعبيرين عن عادات فكرية متعارضة بعضها معاد لبعض؛ نفعية بنثام التجريبية ورومانسية كولريدج التأويلية، اللتين تشكلان الفهم الذاتي الفلسفي لثقافة معينة. ورأينا في حالة مل وسنو كيف يمكن أن يفهم شيء مثل «الإنجليزية» في سياق هذا العداء، وفي الواقع، ربما يثبت أن هذا العداء مفيد، شريطة أن يوافق كلا جانبي الصراع على الأقل على الحديث أحدهما مع الآخر.
أريد الآن استكشاف طريقة التفكير تلك أكثر من خلال تناول دراسة حالة معينة في سوء الفهم بين التقليدين الفلسفيين: حالة هايدجر وكارناب. وهذا الخلاف على نحو أساسي هو خلاف بين التصور العلمي للعالم، الذي قدمه كارناب وحلقة فيينا، والتجربة الوجودية أو «التأويلية» للعالم في فكر هايدجر. هذا الخلاف مهم للغاية للتطورات اللاحقة في الفلسفة، لدرجة أن آراء كارناب حيال فكر هايدجر توفر خلفية لمحاولة آير المنطقية الوضعية للقضاء على الميتافيزيقا في السياق البريطاني، وكان لكارناب تأثير كبير على التطور الأكاديمي للفلسفة التحليلية في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سيما من خلال تلميذه الأكثر شهرة، دبليو في أوه كواين؛ على سبيل المثال: في مقدمة قصيرة عن فلسفة القرن العشرين، تفيد في جوانب أخرى، يتهم آير هايدجر «بما يمكن إلى حد ما وصفه بأنه احتيال»، استنادا إلى قراءة سريعة لمحاضرته التي ألقاها في عام 1929. وفي تأبين كواين لكارناب في عام 1970، يصف الفلسفة في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بصفة «ما بعد كارناب»، بدلا من «ما بعد فيتجنشتاين»، وهو الوصف الذي يشير على نحو مثير للجدل للفترة المقابلة في بريطانيا. وعلى الجانب القاري، يعد هايدجر بلا شك مصدر إلهام رئيسي لأعمال طلابه الألمان، مثل هانس-جورج جادامير وحنا آرنت، وجيلين من المفكرين الفرنسيين مثل سارتر ولاكان وفوكو ودريدا. وبما أن قدرا كبيرا من سوء الفهم الحديث بين فلاسفة التقليدين التحليلي والقاري، يمكن إرجاعه إلى هذه المواجهة المهمة بين هايدجر وكارناب، فإنها تستحق التناول ببعض التفصيل. (1) لا شيء ينتج من العدم
ناپیژندل شوی مخ