فلسفه قاريه: مقدمه لنډه
الفلسفة القارية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرونه
شكل 4-5: قبر جان جاك روسو (1712-1778) في مقبرة العظماء بباريس.
وهذا يعني أن النقد هو نقد للممارسة القائمة لأنها تبدو جائرة أو غير حرة أو غير صحيحة أو أيا ما يكون. علاوة على ذلك، إنه نقد يهدف إلى التحرر من تلك الممارسة الجائرة نحو ممارسة أخرى فردية أو جماعية؛ طريقة مختلفة لتصور الحياة الإنسانية، سواء أكان ذلك الحياة النيتشوية للنبل المنعزل، أم المجتمع الشيوعي الذي تصوره ماركس، أم الصيرورات المتعددة التي وصفها دولوز وجوتاري، أم شيئا مختلفا تماما عن كل ما سبق.
الفصل الخامس
ما الذي يجب عمله؟ كيفية التعامل مع العدمية
كما رأينا في الفصل الثاني ، أورث كانط إشكالية لورثته من المثاليين والرومانسيين وحتى الماركسيين في التقليد القاري، وهي الإشكالية التي تصارع معها هو نفسه في كتاب «نقد ملكة الحكم»، والتي تمثل جوهر نقد جاكوبي لكانط وفيشته. ويمكن الآن صياغة تلك الإشكالية بالطريقة التالية: نقد كانط للميتافيزيقا، إذا كان مبررا، يحقق الإنجاز الرائع بإظهار اللامعنى «المعرفي» للادعاءات التقليدية للميتافيزيقا التأملية الدوجماتية، بينما يؤكد على الضرورة «الأخلاقية» التنظيمية لسيادة العقل العملي (أي مفهوم الحرية). وهذا يطرح السؤال التالي: كيف تمثل الحرية أو تحدث في عالم الطبيعة، إذا كان هذا العالم يخضع للسببية ويسير ميكانيكيا وفقا لقوانين الطبيعة؟ كيف يوفق بين سببية العالم الطبيعي وما يدعوه كانط «سببية الحرية»؟ كيف تتحول العبقرية إلى قوة عملية، وذلك إشارة إلى إيمرسون الذي يشير هو الآخر إلى كلمات كانط في كتابه النقدي الثالث؟ ألم يترك كانط البشر فيما سماه هيجل وماركس الشاب الوضع الوسط، بكونهم خاضعين بحرية للقانون الأخلاقي ومسيرين عن طريق عالم الطبيعة الموضوعي المجرد من أي قيمة، والذي يقف ضد البشر باعتباره عالم اغتراب؟ أليست الحرية الفردية مختزلة إلى فكرة مجردة في مواجهة عالم غير مبال من الأشياء المتوافرة للمرء كسلع بتكلفة ما؟
شكل 5-1: لوحة لدومينيكو فيتي (1589-1624)، بعنوان «الكآبة».
هذه هي الإشكالية التي شخصها نيتشه في ثمانينيات القرن التاسع عشر من خلال مفهوم العدمية؛ وهو المفهوم المهم تماما لمجموعة كبيرة من مفكري الفلسفة القارية في القرن العشرين: هايدجر، وفالتر بنجامين، وتيودور أدورنو، وكارل شميت، وحنا آرنت، وجاك لاكان، وميشيل فوكو، وجاك دريدا، وجوليا كريستيفا. وهذا يعني أن الاعتراف بحرية الذات يترافق مع انهيار اليقين الأخلاقي في العالم. في الفصل الثاني، تتبعنا ظهور هذا المفهوم من نقد جاكوبي لكانط وفيشته إلى شتيرنر ودوستويفسكي وسارتر. وأود الآن أن أعود إلى موضوع العدمية بمزيد من التعمق. (1) العدمية الروسية
لا بد أن فهم نيتشه للعدمية بدأ في السياق الروسي المشار إليه في الفصل الثاني مع دوستويفسكي؛ ما سماه «العدمية في بطرسبرج». التقط نيتشه مفهوم العدمية من الروائي الروسي إيفان تورجنيف، الذي قرأ الترجمة الفرنسية لأعماله على يد بروسبير ميريميه. وبالمصادفة، مثلت رواية «كارمن» التي ألفها ميريميه في عام 1845 أيضا أساس نص أوبرا بيزيه، التي ظهرت في عام 1875، والتي حملت الاسم نفسه، والتي كانت مفضلة لدى نيتشه؛ وهو اختيار مثير للجدل على نحو كبير من وجهة نظري، ولكن تلك قصة أخرى. ونالت العدمية على يد نيتشه تصورها الفلسفي المتكامل والتعبير الكامل عنها.
ما يميز السياق الروسي عن السياق الألماني هو أن العدمية في النسخة الألمانية مسألة ميتافيزيقية أو معرفية إلى حد كبير، في حين أنها في السياق الروسي لها بعد اجتماعي سياسي أكثر وضوحا. تبدأ القصة ربما بمحاولة نيكولاي شيرنيشفسكي القول بعدمية القيم الجمالية التقليدية بالزعم أن الفن ليس تعبيرا عن مفهوم مطلق ما للجمال، بل يمثل اهتمامات فئة معينة في مرحلة معينة في التاريخ. وهكذا، في السياق الروسي، ترتبط إشكالية العدمية ارتباطا وثيقا بالسياسة الاشتراكية الراديكالية، والتي عبر عنها على نحو قاطع في رواية شيرنيشفسكي ذات التأثير الكبير «ما الذي يجب عمله؟»، التي ظهرت عام 1863. وتتضمن القصة الكاملة للجانب السياسي للعدمية الروسية نقد ميخائيل باكونين الفوضوي للدولة، وربما تصل لذروتها في بلشفية لينين البروميثية وثورة أكتوبر عام 1917. وليس من قبيل المصادفة أن الكتاب الذي ألفه لينين في عام 1902، ووصف فيه رؤيته السياسية للحزب و«ديكتاتورية البروليتاريا»، كان أيضا بعنوان «ما الذي يجب عمله؟».
بهذا المعنى، العدمية الروسية تعبير عن وجهة نظر متشككة ومناهضة للجمال، ونفعية وعلمية على نحو راديكالي حيال العالم. وتتعرض وجهة النظر تلك لنقد ليبرالي لطيف لكنه مدمر في رواية تورجنيف «آباء وأبناء» (1862)، من خلال مصير الشخصية الممثلة للعدمية بازاروف. ويقع الصراع الدرامي الرئيسي هنا بين وجهتي نظر متعارضتين حيال العالم: وجهة النظر الرومانسية الليبرالية الإصلاحية المحبة لأوروبا الخاصة بالآباء (نيكولاي وبافل)، ووجهة النظر الوضعية النفعية الراديكالية القومية الروسية لدى الأبناء (أركادي وبازاروف). ولدينا هنا التعبير الروسي عن صراع مل بين الرومانسية والنفعية؛ بنثام وكولريدج. وفي المشهد الرئيسي للرواية، وسط تلميحات غامضة حول العدمية كقوة تمرد عنيف، يقول بازاروف ساخرا: «نحن نتصرف وفق ما نراه نافعا لنا ... وفي هذه الأيام يعد الرفض أنفع شيء؛ لذا فإننا نرفض.» «كل شيء؟» «كل شيء.» «ماذا؟ ليس الفن والشعر فحسب ... لكن أيضا ... لا أتجرأ على نطق اسمه ...» «كل شيء.» كررها بازاروف بكل هدوء.
ناپیژندل شوی مخ