انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)

فؤاد زكریا d. 1431 AH
75

انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

ژانرونه

28 (الذي تأثر به كيد كثيرا) أكثر مما اقتبسها بالمعنى الدارويني. فالقانون الحيوي للحياة البشرية، الفردية والاجتماعية، وكذلك للعلاقات المتبادلة بين الفرد والمجتمع، هو نفس القانون الذي يسري على الحياة الحيوانية، أي الصراع والنضال الذي لا ينقطع ولا يرحم، والانتقاء والرفض، والتقدم والنمو، ولا يحدث التعارض بين مصالح الأفراد فحسب، بل بين مصالح الكائنات الاجتماعية أيضا، وأخيرا بين مصالح مجتمعات بأكملها في علاقاتها المتبادلة. ويرجع ظهور جميع أشكال المجتمع إلى الصراع من أجل الوجود عن طريق عمليات طبيعية كانتقاء السلالات، كما أن هذه الأشكال تظل خاضعة لقوانين هذه العمليات. وهنا نستطيع أن نقول إن النظرية حتى الآن هي نظرية بيولوجية خالصة في المجتمع، بالغت في حد التطرف في تأكيد المبدأ الدارويني حتى تطبقه على الحياة الاجتماعية، غير أن «كيد» يخلط عند هذه النقطة بهذا النسيج الاجتماعي سلسلة من الأفكار الرئيسية التي تضفي على نظريته طابعها المميز، والتي يرجع إليها قبل غيرها، الطابع الجذاب في هذه النظرية. فهو أولا يبالغ دون تحفظ في تقدير أهمية العوامل العاطفية في الإنسان، وفيما يستتبعه ذلك من إقلال من أهمية العوامل العقلية والذهنية، وذلك لصالح رأي في علم الاجتماع يغدو، لهذا السبب، مبنيا على أساس عاطفي قبل كل شيء. وهكذا يرى «كيد» أن الصفات العاطفية لا العقلية هي أول الصفات التي تولدها وترعاها عملية الانتقاء الطبيعي، وهي التي تشجع على النهوض البشري.

وهو يعزو إلى الصفات الأولى فعالية اجتماعية أقوى بكثير مما يعزوه إلى الثانية، بل إنه يذهب إلى حد القول: إن كل ما يرتبط بالعقل والفهم والتعقل والعلم - أي بالاختصار بمعقولية الإنسان - هو عامل معاد صراحة للتطور، وعقبة في وجه التقدم، ومن ثم فلا يوجد في نظره ارتباط علي بين ارتفاع مستوى النمو الاجتماعي والذهني، وهو يرى أن الاختلاف الذي يميز تلاميذ المدارس في المستويات الحضارية العليا عنهم في المستويات الدنيا، ليس اختلافا في التقدم العقلي، بل في مدى نمو القوى العاطفية. وهكذا أدخل عاملا جديدا على المذهب التطوري، لم يسبق لأحد التنبيه إليه، أو على الأقل لم ينبه إليه بمثل هذه الصراحة وهذا التحمس؛ إذ إن التطورية، كما عرضها كل ممثليها البارزين، كانت تشيد بالمعرفة والعلم (وبالتالي بالإنسان من حيث هو عاقل) بوصفها مثلا عليا، وجعلت كل نهوض فردي واجتماعي متوقفا عليها. أما عند «كيد» فإن الإحساس يقوم بالدور الذي كان يقوم به العلم، فيصبح العامل الأول في التطور الاجتماعي، أي العامل الذي يكون المجتمع بحق، فهو نقيض العقل، وهو على عكسه يبدي فعالية اجتماعية كبيرة، ويتضح أنه هو القوة الدافعة بالتطور إلى أعلى.

غير أن عرضه ينطوي على نقطة أخرى، تماثل السابقة في أنها بدورها لم تقترن من قبل أبدا بمبدأ التطور، فكيد يوحد، بطريقة عامة خشنة سريعة مميزة له، بين عالم الشعور ومجال الدين (وكذلك بينه وبين مجال الأخلاق، ولكن بمعنى ثانوي). ويستتبع هذا الرأي بضعة نتائج غريبة جدا بالنسبة إلى التطور والتاريخ. وينبغي أن يلاحظ أولا أن المفهوم الذي يربطه كيد بالدين يشابه كل مفاهيمه وصيغه الأخرى في افتقاره إلى التحدد والوضوح. وعلى أية حال فإنه يعني بالدين ظاهرة اجتماعية في المحل الأول، ولا يمل من تأكيد طابعه العاطفي فضلا عما فيه من جزاء خارج عن العقل. وهو يستبعد عنه كل العناصر المعقولة بوصفها متناقضة معه تناقضا أساسيا، ويعلي من قيمة طابعه الأخلاقي فوق طابعه الديني الصرف. وهكذا يصل بنا، عندما يتأمل الأمر من وجهة نظر التطور الاجتماعية، إلى النتيجة القائلة إن الدين يمثل مبدأ الانتقاء الحقيقي في الصراع من أجل البقاء. فالعملية التطورية تعلي أولا وقبل كل شيء الطابع الأخلاقي الديني؛ إذ ترى أن هذا العامل هو الذي يثبت فعالية اجتماعية تفوق فعالية كل عامل آخر، ولا سيما النظري، فليس ثمة قوى تشجع على التقدم الاجتماعي بقدر القوى الأخلاقية والدينية، وكل الشعوب المتدينة لا بد أن تتغلب في الصراع من أجل الحياة على الشعوب غير المتدينة وتثبت أنها أصلح للبقاء. والدين هو أعظم قوة اجتماعية موجودة، وقيمته تتضح في أنه يثبت أنه أقوى سلاح في صراع الأجناس والشعوب المتنافسة. وأهم الأسباب المؤدية به إلى اكتساب هذه الأهمية البارزة أنه يثير المشاعر الغيرية في الإنسان ويرعاها، ويعلمه إنكار الذات في سبيل الجماعة، وكل هذه أمور يعجز عنها العقل، الذي هو وظيفة هدامة أكثر منها بناءة. وأعلى صور التركيب الاجتماعي هي تلك التي تبنى على أكبر قدر من الإيمان الديني والإرادة الأخلاقية، وأعلى صور الإيمان الديني هي المسيحية، التي يرى «كيد» أنها هي عصب الحضارة الغربية بأسرها، والدعامة الأساسية التي يرتكز عليها البناء بأكمله. ويقترن بهذه الفكرة تفاؤل واضح التعصب في التقدم، يضلله الإعجاب الأعمى بالتقدم الرائع الذي تحقق في عصره، حتى لينسى ما يحمله هذا العصر ذاته في ثناياه من عيوب وأخطاء.

وتقترن بهذا أيضا مناقشات متعلقة بفلسفة التاريخ، ومعنى المدنية الغربية ودلالتها، كما يعرضها كيد في مؤلف تال هو، «مبادئ المدنية الغربية

The Principles of Western Civilization » (1902)، غير أن هذا لا يعدو أن يكون تكرارا مطولا لحججه السابقة ، ولا يكاد يحوي أية أفكار جديدة. ومثل هذا يصح على كتابه الأخير، «علم القوة

The Science of Power » (الذي نشر بعد وفاته سنة 1918)، وهو بدوره كتاب أحرز نجاحا عظيما، وكتب تحت تأثير الحرب العالمية الأولى. ويتضح مقدار عناد «كيد» في تشبثه بمبادئه إذا أدركنا أن كارثة مدمرة كالحرب العالمية الأولى قد عجزت هي ذاتها عن شفائه من وهم التقدم المسيطر عليه.

وينبغي أن يتسع المقام هنا للكلام عن كاتب آخر احتل مركزا مستقلا، بل مركزا منعزلا في نواح عدة، داخل الحركة التطورية، إذ إنه قد خرج عن إطار النظرية التطورية أكثر مما التزم حدود هذا الإطار؛ ذلك هو صمويل بطلر

Samuel Butler (1835-1902). وهو من أطرف شخصيات العصر الفكتوري؛ إذ كان رساما موسيقيا وفيلسوفا وأديبا كاتبا وناقدا ومترجما ومتبحرا في شعر هوميروس وشكسبير، ومؤرخ سير وروائيا ومربي أغنام. وقد تمكن، رغم تعدد أوجه نشاطه، من أن يضيف عناصر أصيلة خلاقة إلى كل الميادين التي اهتم بها على وجه التقريب، ولكنه لم يكن متخصصا أو خبيرا محترفا في واحد من هذه الميادين، وإنما كان فيها كلها هاويا عبقريا، وموقظا ومثيرا للاهتمام لدى الآخرين، بعثر أفكاره وخيالاته الرائعة بسخاء كاد يصل إلى حد الإسراف المفرط. ولقد كان يتخذ موقف المعارضة من كل الآراء والقوى السائدة في عصره تقريبا، وكان على خلاف مع المعايير والقيم السائدة في كل المجالات تقريبا، ووقف يعارض كل ما كان مقدسا وصحيحا، في أعين معاصريه، في مجالات الأخلاق والدين والكنيسة والعلم والفلسفة والتعليم. وهكذا كان يسبح ضد تيار عصره، ويهز العالم من سباته، وكانت شخصيته منعزلة غير محددة المعالم، ولكنها كانت رغم ما تعرضت له من نقد وإنكار، خلاقة زاخرة بالمعاني بالنسبة إلى المستقبل.

ومن الصعب أن يحدد المرء الموضوع الأساسي لاهتمام شخصية لها تلك الأوجه والنواحي المتعددة التي كانت لبطلر، ولكنا نستطيع أن نفترض أنه كان ينتمي إلى مجال الفكر؛ فقد كان له على أية حال ذهن فلسفي من الطراز الأول، وإن يكن قد افتقر إلى التعليم والمنهج الذي يتميز به المتخصص والدارس المتبحر . وكان تفكيره يشع في معظم أوجه نشاطه الأخرى، ومن السهل التعرف عليه فيها (ولا سيما في الروايات) مثلما يمكن التعرف عليه في مناقشاته الأقرب إلى الروح المنهجية. ولقد كان تحرر ذهن بطلر - الذي كان له عقل من أذكى وأرق وأجرأ العقول في عصره - أقرب إلى طابع التحرر من الأوهام ومن قيود التراث وأغلاله، منه إلى طابع «المفكر الحر

freethinker » بالمعنى المألوف لهذه الكلمة، ورغم أنه كان هداما إلى حد غير قليل في نقده الشكي وتهكمه، فإن تفكيره كان إيجابيا بناء، ومعبرا عن قوة خلاقة متأصلة فيه.

ناپیژندل شوی مخ