انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
ژانرونه
وعلى أساس هذا الميل الطبيعي لدى المؤلف، اتخذت نبوءاته عن مستقبل الفلسفة الإنجليزية وجهة خاصة كانت في واقع الأمر تعبيرا عما يريده هو أن يكون، ولكنها جاءت مخالفة تماما للواقع، فبعد مضي ربع قرن على نشر الطبعة الإنجليزية لهذا الكتاب، نستطيع أن نقول إن نبوءته لم تتحقق على الإطلاق، فهو يأمل - في هامش ص536 (من الطبعة الإنجليزية) - أن يكون الاتجاه التحليلي الذي بدأ يظهر بقوة في ذلك الحين وعكة طارئة
a passing distemper ، ويرى في المذاهب التأملية عند «مورجان» وألكسندر دليلا على أن الفلسفة الإنجليزية بدأت تعود إلى مجال التحليق التأملي، وتتخلى عن اللاأدرية وعن النزعة التحليلية المفرطة التي كانت تبدو شائعة في ذلك الحين (انظر ص662 من الأصل الإنجليزي)، ومع ذلك فإن عكس هذه النبوءة هو الذي تحقق؛ إذ إن المفكرين التأمليين من أصحاب المذاهب، مثل ألكسندر وهويتهد، كانوا هم «الوعكة العارضة»، إذا تأملنا تاريخ الفلسفة الإنجليزية في مجموعه، واشتدت النزعة التحليلية قوة حتى أصبحت تسيطر على الدراسات الفلسفية في إنجلترا وأمريكا سيطرة شبه تامة، وأصبح كثير من الكتب الفلسفية يبدو - على حد التعبير الساخط للمؤلف - أشبه بكتب مدرسية في الرياضة، وهي كلها أمور كان المؤلف يتمنى في قرارة نفسه ألا تحدث.
وأخيرا، ينبغي أن ننبه القارئ إلى بعض العيوب التي يبدو أنه لم يكن من ظهورها في الكتاب بد، سواء في طبعته الإنجليزية وفي ترجمته العربية، فالكتاب يتوقف عند سنة 1928 على الأكثر، ومعنى ذلك أنه لا يقدم أي بيان عن اتجاهات هامة متعددة ظهرت بعد ذلك الحين، والأهم من ذلك أنه يتوقف بالفلاسفة أنفسهم عند سنة 1938، بحيث تجاهل الإنتاج اللاحق لأولئك الذين ظلوا منهم أحياء بعد ذلك، ولم يكن في وسعنا، ونحن نقوم بالترجمة العربية، أن نكمل هذا النقص إلا إذا تصرفنا في الكتاب على نحو يخل بطابعه الأصلي؛ لذلك تركنا كل شيء على ما هو عليه، فيما عدا بعض الملاحظات الهامشية البسيطة، ولا سيما ذكر تواريخ وفاة المؤلفين الذين توفوا فيما بين 1938 ووقتنا الحالي، حتى لا يظن القارئ أنهم ما زالوا أحياء، كذلك أضفنا بعض الشروح الموجزة لبعض المسائل التي افترض المؤلف في القارئ العلم بها مقدما، وقد لا تكون مألوفة لدى القارئ باللغة العربية، فضلا عن بعض الترجمات الموجزة لشخصيات ليست كبيرة حتى يعرفها كل قارئ في ميدان الفلسفة، ولم يرد لها شرح في النص أو في السياق، ولكن لا يفوتني هنا أن أوجه انتقادا عابرا إلى الناشرين الإنجليز الذين أعادوا طبع الكتاب سنة 1950؛ فصحيح أن من المستحسن في بعض الأحيان نشر الكتب الهامة دون إدخال تعديل عليها حتى رغم اقتضاء الظروف إدخال هذا التعديل، غير أن إضافة ملحق أو بعض الهوامش - وذلك على الأقل لإيضاح من بقي حيا أو من توفي من الفلاسفة الذين تناولهم الكتاب - لم يكن ليضيف الكثير إلى نفقات الطباعة، ولكنه كان على الأقل كفيلا بتجنيب القارئ صورة مشوهة لأحوال الفلسفة الإنجليزية سنة 1950، ومن المظاهر الغريبة أن هامش ص41 من الأصل الإنجليزي تضمن إشارة إلى كتاب «سيظهر قريبا» عن الفلسفة الاسكتلندية، ثم ظهر اسم الكتاب في ص779 على أنه صدر فعلا (سنة 1938)، ويزداد العجب إذا أدركنا أن هذا الكتاب الذي تحدث عنه الهامشان من تأليف أحد المترجمين الإنجليز الثلاثة للكتاب الأصلي، أي إن هذا المترجم كان يستطيع على الأقل التنبيه إلى هذا التضارب في الإشارة إلى كتابه، أو ينبه الناشر إلى تصحيحها في الطبعة التالية على الأقل.
ويشعر المرء بحاجة الكتاب إلى الاكتمال في حالة المفكرين المعاصرين، بوجه خاص (ومن هنا كان الأحكم دائما - في رأيي - ألا تؤلف كتب التواريخ الجامعة هذه إلا بعد وفاة الشخصيات التي تتحدث عنها، وبعدها بوقت كاف أيضا، حتى تكون كل المؤلفات المخلفة ذاتها قد نشرت)، ولنأخذ على سبيل المثال شخصية برتراند رسل. فمن المعروف أن كتابات رسل قد تضاعفت منذ سنة 1938، وصحيح أنه يكرر نفسه كثيرا، ولكن له أبحاثا هامة تظهر من حين لآخر، ولست أظن أن المرء يستطيع أن ينصف رسل إذا توقف في الحديث عنه عند سنة 1938، ويكفي أن يتصفح المرء قائمة مؤلفاته في سلسلة الفلاسفة الأحياء
Library of Living Philosophers
التي يشرف على نشرها «شيلب
A. Schilpp »، (وهى القائمة التي تجاوزها رسل بدورها) ليدرك مدى غزارة إنتاجه بعد هذا التاريخ. والأهم من ذلك أن وقائع حياته ذاتها قد طرأ عليها تغير حاسم، فموقف رسل الأخير من مشكلة نزع السلاح، وتكوينه «لجنة المائة»، وحرصه الدائم على محاربة أي نوع من الظلم يقع في أي طرف من أطراف الأرض، وسعيه الإيجابي في سبيل تحقيق هذا الهدف، كل هذا كفيل بأن يضيف إلى حياة رسل صفحة جديدة كل الجدة، تشرف الإنسانية بوجه عام، وتشرف الفلسفة على الأخص، وتحقق لها أملا كانت تحلم به منذ قرون عديدة؛ أمل الاشتراك إيجابيا في حل المشكلات السياسية والاجتماعية للإنسان، ففي رأيي أن كفاح رسل من أجل السلام ونزع السلاح، وكفاح «سارتر » من أجل نفس هذه الأهداف - فضلا عن قضية استقلال الجزائر - يمثل محاولة جدية لتحقيق حلم أعرب عنه أفلاطون منذ ما يقرب من خمسة وعشرين قرنا، وحاول أن يحققه حينئذ ولكن بطريقة ساذجة أدت إلى عكس النتائج المقصودة منه، وما هذا إلا مثل واحد - ولكنه مثل يستحق إشارة خاصة في هذه المقدمة - لحالة فيلسوف يستحيل إصدار حكم عليه من خلال ما أنجزه في أواسط حياته فقط.
وأخيرا، فقد بقيت كلمة موجزة عن المنهج الذي اتبعته في الترجمة العربية؛ ففي هذه الترجمة حاولت أن أوفق بقدر الإمكان بين مطلبين أساسيين: تسلسل لغة الترجمة، والاقتراب من النص (وتلك في الواقع هي المشكلة الكبرى في كل ترجمة!) وقد اقتضى الأمر إضافة ترجمات لمصطلحات متعددة ليست موجودة على صورة ثابتة في اللغة العربية، أو تغيير ترجمات شائعة أعتقد أنها غير سليمة، أو ترك بعض المصطلحات مع كتابتها بالحروف العربية في الحالات التي وجدت فيها ذلك أمرا لا مفر منه، وسيجد القارئ خلال النص ذاته ما يقدم لهذه التصرفات مبررات كافية.
فؤاد زكريا
القاهرة في سبتمبر 1963
ناپیژندل شوی مخ