انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
ژانرونه
ولقد كانت عزلة برادلي عن الحياة متمشية مع تحفظه العقلي الشديد، فقد كان تفكيره منطويا على ذاته، جافا خشنا لا يعرف التسامح، ويكاد يكون محصنا ضد المؤثرات الجديدة. أما ذهن بوزانكيت فكان سخيا ودودا متسامحا، متفتحا على المعارف والتجارب الجديدة، قابلا للتشكل تبعا للمواقف الجديدة، ولقد كان يفوق زميله في سعة الثقافة والتحصيل، وفي تعدد جوانب اهتمامه، وإن كان يفتقر إلى تعمق زميله وقدرته على النفاذ إلى بواطن الأمور ومقدرته الخلاقة الأصيلة،
84
وكان للاثنين معا تأثير لا حد له، على الفلسفة الإنجليزية المعاصرة لهما، وما زال هذا التأثير قويا إلى اليوم، في الوقت الذي أخذت فيه الحركة المثالية تضمحل. ولقد نمت الحركات المعارضة لهما بفضل ما استمدته منهما، وزادت من حدة أسلحتها بفضل خلافها معهما. أما في القارة الأوروبية فإن تعاليمهما لم تلق إلا اهتماما ضئيلا، ويكاد اسم بوزانكيت يكون مجهولا، ولم تترجم من كتبهما إلا كتاب «المظهر والواقع» لبرادلي (ترجم إلى الألمانية سنة 1928).
ولقد وجدت المثالية المطلقة في برادلي وبوزانكيت أفضل من يمثلانها بين الإنجليز، فقد توسع فيها الأول في اتجاه العمق، والثاني في اتجاه الامتداد. وإلى بوزانكيت على التخصيص يرجع فضل بناء نظرة برادلي إلى العالم على أساس أوسع كثيرا وتطبيقها وعرضها، بكل ما فيها من نواح مثمرة، في جميع الفروع الفلسفية، أي في علم الجمال وفلسفة الدين والقانون والدولة، فضلا عن علم النفس والمنطق ونظرية المعرفة والأخلاق. وهو في هذه الخاصية الموسوعية يزداد اقترابا إلى هيجل من برادلي، كما أنه على وجه العموم تلميذ أشد تمسكا بتعاليم الأستاذ وإخلاصا لها. ونستطيع أن نقول إنه أعاد مذهب برادلي إلى نقطة بدايته الهيجلية الأولى، وإن السبب في ذلك ليس فقط كونه أقل قطعية من برادلي، بل أيضا كونه أقل منه نزوعا إلى الشك. ولقد أشار البعض، عن حق، إلى أنه قد عمل في كل الأحوال على تغيير الاختيار القاطع عند برادلي، الذي يعبر عنه كلمة «إما كذا وإما كذا»، إلى تعبير أخف وأقل حدة، هو «كلاهما معا»، بحيث كان يسعى إلى تخفيف التعارض بين المدارس بدلا من أن يؤكده ويزيده حدة. ولا أدل على اتجاهه هذا من البرنامج الذي وضعه لواحد من كتبه المتأخرة، والذي يتضح في عنوانه، هو «تقابل الأضداد في الفلسفة المعاصرة»، وهو كتاب بذل فيه قصارى جهده ليهتدي إلى أساس مشترك تستطيع جميع المدارس أن تبدأ منه محاولة تعاونية لمواجهة مشكلات الفلسفة. وهكذا وجد ذهنه الرحب اللامع تعبيرا مميزا له في هذا الموقف، وكذلك في موقف الشهامة الذي كان يعامل به خصومه إذا ما رأى نفسه مضطرا إلى الاختلاف معهم، ومع ذلك فلزام علينا أن نعترف بأن هذه الشهامة قد أدت به في كثير من الأحيان إلى التنازل عن آرائه على نحو لا يتفق مع موقفه الخاص.
ونستطيع أن نقول إن المثالية قد شعرت، عند بوزانكيت، بالحاجة إلى مزيد من التجربة، وضمت إلى مجالها الخاص مجالات فكرية واسعة، ولقد كانت الميادين الخاصة التي تغلغل فيها أكثر من أن تتيح لنا تتبعه حيثما ذهب. ومن هنا كان يكفينا أن نستخلص، من عدد قليل منها، الاتجاه العام لتفكيره. ونستطيع أن نقسم نشاطه التأليفي، بوجه عام، إلى ثلاث فترات: في الأولى كان يهتم قبل كل شيء بالأسس المنطقية لمذهبه، وفي الثانية بمشكلات علم الجمال والأخلاق وفلسفة الدولة، وفي الأخيرة أكمل أطراف نظرته إلى العالم بميتافيزيقا بناءة، وبتطبيق هذه الميتافيزيقا على مجال الدين.
ففي مجال المنطق، نستطيع أن نقول إن بوزانكيت قد عمق المنطق المثالي وأثراه إلى حد بعيد، ولقد تأثر في هذا المجال ليس فقط بهيجل وبرادلي ولوتسه وزيجفارث
85
وإنما بمل وجيفونز أيضا، على الرغم من معارضته لهما. ويقدم «منطق» بوزانكيت الخاص، الذي أكملته فيما بعد دراسات لمشكلات خاصة ، «موفولوجيا للمعرفة» - كما يدل العنوان الفرعي لكتابه في المنطق - والمقصود بهذا التعبير عرض لنمو الأشكال المنطقية وارتباطها الباطن. وكان ذلك خروجا منه على طريقة الاكتفاء بالتعداد والتصنيف، التي يتبعها علماء المنطق الصوري، فقد كان منذ البداية مهتما بحركية الفكر المنطقي وعلاقته الأساسية بالنسق، ولم يكن التفكير في نظره أفعالا ذاتية وإنما رأى أنه يدين بطابعه المميز لإشارته إلى المجال الموضوعي للأشياء، وهو المجال المستقل عن هذه الأفعال، فهو يدرك الواقع ويغدو هو وإياه شيئا واحدا. وهكذا فإن للمنطق نفس مضمون الميتافيزيقا، وإن كلمة هيجل القائلة: إن الحقيقة هي الكل، لتصح على الأول مثلما تصح على الثانية، هذه الفكرة تنتشر في جميع تعاليم بوزانكيت، فالحقيقة لا تكون إلا في نسق، بحيث إن علامتها المميزة هي الترابط
coherence ، أي التوافق في ارتباط جميع الأجزاء في كل منظم، لا في التطابق الخارجي بين الفكر والواقع، كما تقول نظرية النسخة والأصل،
86 «والوقائع الخالصة» لا تكون لها واقعية ولا حقيقة حتى ترتبط مع وقائع أخرى وتدرك في مكانها في ترتيب الكل.
ناپیژندل شوی مخ