أي إن القصد الأول والنهائي ليس هو نسيان الطريقة - الشكل، ولا نوعا من الغباء/البلادة وإنما غياب القدرة على الفهم،
23
ولا نوعا من الاستلاب الأخلاقي، بل هذا النشاط الذاتي للفكر بما هو فكر، أي القدرة على الفحص التي هي وحدها قادرة على أن تجنبنا الشر.
24 (3) ثالثا: الأنظمة التوتاليتارية وسؤال الشر
عملت آرنت في ثلاثيتها الشهيرة على مقاربة مسألة الشر من وجهة نظر الفكر السياسي. فعادة ما تنسب النازية الشر لليهود وتبرر تصفيتهم بنزوعهم الأصيل المتجذر في طبيعتهم البشرية نحو الشر، وهذا ما ترفضه آرنت حيث تقول: «أما تمثيل اليهودي باعتباره تجسيدا للشر فيعزى بعامة إلى بقايا أعمال عدائية وذكريات خرافية تعود إلى القرون الوسطى، والواقع أن لهذا التمثيل صلة وثيقة مع الدور الأحدث والغامض الذي راح يؤديه اليهود في المجتمع الأوروبي، منذ تحررهم ... والواقع أن الجماعات اليهودية القاطنة في أوروبا، عمدت، بعد الحرب العالمية الأولى، إلى التمثل بالشعوب الوطنية، كما فعل اليهود الفرنسيون في بدء الجمهورية الثالثة.»
25
يعود هذا الاتهام إلى الدور الذي بدأ يلعبه اليهود في العالم (وأوروبا تحديدا) بعد الحرب العالمية الأولى، بحيث طرحوا أول الأمر مسألة الهوية والحاجة إلى الانتماء إلى بلد ووطن معين، ففي روسيا بعد انتصار الثورة البلشفية كان النقاش محتدا لسنوات حول ما يعرف بالمسألة اليهودية. وهو ما شجع العديد من المفكرين اليهود على التفكير بجدية في مسألة الهوية وإعادة طرحها من جديد، وهو التفكير الذي أسس لمسألة الهوية اليوم.
تقف آرنت بدقة في هذا المؤلف حول التوتاليتارية على الجذور والأصول التي نجدها في طبيعة العلاقة بين الحركات الأيديولوجية والسياسية التي ولدتها ثورات القرن العشرين وما أدت إليه من تعميم كلي للعنف، حيث صار العالم منظورا إليه، وكأنه حلبة صراع مفتوحة للأبد على كل المآسي التي تسببت فيها الحروب الشاملة.
26
فولادة النازية جاءت من صلب الحركات الجماهيرية الفاقدة لوعيها التاريخي والتي آمنت بأن ممارسة العنف أمر عادي جدا حيث تقول: «لقد كان النازيون على قناعة بأن الشر يمارس في عصرنا قوة جذب مرضية ...»
ناپیژندل شوی مخ