على (الجوع مدة فإن كان لا يطيقه ويضطرب عليه قلبه وتتشوش عليه عبادته لم يجز له التوكل) - انتهى.
وقد قال ﷺ للأعرابي لما أهمل بعيره وقال توكلت على الله: ﴿أعقلها وتوكل على الله﴾.
وقال تعالى: ﴿خذوا حذركم﴾ وقال في كيفية صلاة الخوف: ﴿وليأخذوا أسلحتهم﴾ وقال ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم﴾ وقال لموسى ﴿فأسر بعبادي ليلا﴾ والتحصن بالليل لإخفائهم عن عين العدو نوع تسبب، واختفاء رسول الله ﷺ في الغار عن عين الأعداء للضرر وأخذ السلاح في الصلاة سبب مظنون.
وأما الموهوم إفضاؤه دفعًا وتحصيلا كالرقبة والكي والاستقصاء في حيل المعيشة والتدبيرات الدقيقة من وجوه الاكتساب فذلك كله مناف للتوكل، لأنه من ثمرات الحرص وحب الدنيا لا لمنافاته التوكل بالذات، لأنا قد قدمنا أن التوكل عبارة عن دوام حسن ملاحظة القضاء والقدر في جميع الحوادث، وهذا إنما ينافي الاستقصاء وتدقيق باختلاف اللوازم لا بالذات، فحينئذ التوكل هو عدم الاعتماد على الأسباب مفضية كانت إلى مسبباتها بالقطع أم لا، وأن يكون الاعتماد على خالقها، فإن اليد والطعام وقدرة التناول مثلًا كلها من قدرة الله تعالى، وكيف يتكل على اليد وغيرها وربما تفلج في الحال ويهلك الطعام، أو يحدث من تناوله مرض يؤدي إلى الهلاك، أو يتسلط على زاد المسافر غاصب أو سارق وما شاكل ذلك من الآفات، فيجب أن يعتمد على فضل الله تعالى في دفع جميع هذه الأشياء.
فقد بان واتضح مما قررناه أن ليس من شرط التوكل ترك الأسباب وإطراحها وإهمال الكسب بالبدن والتدبير بالقلب والسقوط على الأرض كالخرقة اللعى أو كلحم على وضم. فإن ذلك كله حرام في الشرع ولن يتقرب إلى الله بمحارمه.
وأما الادخار فما كان منه مع فراغ القلب عن المدخر فليس من ضرورته بطلان
التوك، هكذا صرح به في الإحياء، وأما غيره فمن انزعج قلبه بترك الادخار واضطربت نفسه وتشوشت عليه عبادته وذكره واستشرف إلى
1 / 9