مدّة صغره، فشكره الوزير على ذلك، وعدل عن عبد الله بن المعتزّ إلى المقتدر، وعمره يومئذ ثلاث عشرة سنة.
وكان بدر الدين لؤلؤ [١] صاحب الموصل- ﵀ أكثر ما يجري في مجلس أنسه إيراد الأشعار المطربة، والحكايات الملهية، فإذا دخل شهر رمضان أحضرت له كتب التواريخ والسّير، وجلس الزّين الكاتب وعزّ الدين المحدّث يقرءان عليه أحوال العالم.
وهذا التقرير يستدعي شرح حال: وذلك أنّي حين أحلّني حكم القضاء بالموصل الحدباء، حللتها غير متعرض لوبلها أو طلّها، ودخلتها كما قال عزّ من قائل: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ من أَهْلِها ٢٨: ١٥ [٢]، وكنت بنيت عزمي على المقام فيها بقدر ما ينكسر البرد، ثم التوجّه بعد ذلك إلى تبريز، فحين استقررت بالموصل، بلغني من عدّة جهات مختلفة، ومن ذوي آراء غير مؤتلفة، غزارة فضل صاحبها الأعظم المولى المخدوم الملك المعظّم، أفضل الملوك وأعظمهم، وأكرم الحكماء وأحلمهم، فخر الملّة والدين، الممنوح بخصائص لو كانت للدهر لما شكا صرفه حر ولما مسّ أحدا منه ضرّ، ولو كانت للبحر لما كان ماؤه ملحا أجاجا، ولا خاف راكبه منه أمواجا، ولو ظفرت بها الأقمار، لما لحقها السّرار، عيسى [٣] الّذي أحيا ميت الفضائل، ونشر طيّ الفواضل، وأقام سوق المكارم في عصر كسدت فيه سوقها وأنهض مقعدات المحاسن بعد ما عجزت عن حمل أجسامها سوقها، وذبّ عن الأحرار في زمان هم فيه أقلّ من القليل، وملأ أيديهم من عطائه بأياد واضحة الغرّة والتّحجيل وأفاء عليهم ظلّ رأفة لا ينتقل، وخفض لهم جناح رحمة فما بيني يتفضّل عليهم ويتطوّل، كلّما ازداد دولة وتمكينا
_________
[١] بدر الدين لؤلؤ: أتابك الموصل زمن المستعصم قبل واليها عيسى بن إبراهيم، الّذي لازمه ابن طباطبا.
[٢] سورة القصص، الآية ١٥.
[٣] عيسى بن إبراهيم والي الموصل، قدّم إليه ابن طباطبا كتابه هذا، «الفخري في الآداب السلطانية» الّذي فرغ منه عام/ ٧٠١/ هـ. وسرار الشهر: آخر ليلة فيه.
1 / 14