[مقدمة المؤلف]
بسم الله الرّحمن الرّحيم ١ الحمد للَّه مسبّب الأسباب، ومفتّح الأبواب. مقدّر الأمور، ومدبّر الدهور.
واجب الوجود، وخالق الأخلاق والجود. مفيض العقل. وواهب الكلّ. أقرّ أنه المالك وأنّ الوجود مملوك لعظمته. وأشهد أنه الفاطر. وأن الغيب غير مستور لحكمته. وأعوذ بجلال عزّه من ذلّ الحجاب، وبفضل جوده من نقاش الحساب، وبخافي علمه ممّا في الكتاب من العذاب، وأصلي على النّفوس العلويّة المطهّرة من الأدناس، وعلى الأجسام الأرضيّة المنزّهة عن الأرجاس. وأخصّ من بينهم بأفضل الصلوات الزاكيات، وأكمل التحيّات الناميات، من نادى والألسن حداد، وأرشد والأكباد غلاظ والقلوب جلاد- محمّدا النبيّ الأميّ ذا التأييدات الإلهيّة، والتأكيدات الجلاليّة، وآله الطيّبين وأصحابه الصالحين، الذين كانوا صدّقوه وقد أرسل، ونصروه وقد خذل، ما سمح جواد ووري زناد.
وبعد، فإن أفضل ما نظر فيه خواصّ الملوك، وسلكوا إليه أفضل السّلوك بعد نظرهم في أمر الأمّة، وقيامهم فيما استودعوه بالحجّة، هو النظر في العلوم، والإقبال على الكتب التي صدرت عن شرائف الفهوم، فأمّا فضيلة العلم فظاهرة ظهور الشمس عريّة من الشّكّ واللّبس، فمما جاء من ذلك في التنزيل قوله تعالى:
هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ٣٩: ٩ [١]، وممّا جاء في الحديث- صلوات الله وسلامه على من نسب إليه-: «إن الملائكة لتضع [٢] أجنحتها لطالب العلم» . وأما فضيلة الكتب فقد قالوا: إن الكتاب هو الجليس الّذي لا ينافق، ولا يملّ ولا يعاتبك إذا جفوته، ولا يفشي سرّك. وقال المهلّب [٣] لبنيه: يا بنيّ: إذا
_________
[١] سورة الزّمر، الآية/ ٩/.
[٢] تضع: تخفض، وتضع أجنحتها: كناية عن التواضع إكراما لطالب العلم.
[٣] هو المهلّب بن أبي صفرة كان أميرا على البصرة لمصعب بن الزبير. حارب الخوارج.
تولّى على خراسان لعبد الملك كان حكيما ورجل قيادة وسياسة وفضل. توفي ٨٣ هـ.
1 / 11